باختصار شديد، الكل في ورطة في الملف السوري. واحد فقط من بين كل هؤلاء يشعر مع ذلك بالزهو هو النظام في دمشق وحواريوه في لبنان. الكل يتحدث الآن، بما يشبه جوقة كورال عالمية، عن الحل السياسي المنشود، ومن بينهم النظام طبعا، في حين أنه هو نفسه لم يعتمد عند انطلاق الأحداث في
سورية في آذار/مارس 2011 سوى القمع والقتل وسيلة لمواجهة المحتجين. فعل ذلك وأمعن طوال أشهر قبل أن تتحول هتافات المظاهرات السلمية إلى شعارات إسقاط النظام، وقبل أن تتحول الاحتجاجات إلى رفع السلاح حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.
كل من وقف مع
الثورة السورية يشعر الآن بلا شك بالإنهاك السياسي أو المالي وربما كليهما، مع درجات متفاوتة من المرارة الجلية أو المكتومة. تستوي في ذلك تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا وكل ‘أصدقاء الشعب السوري’. في المقابل، فإن وضع النظام في دمشق لا يقل سوءا وكذلك حلفاؤه في موسكو وبيكين وطهران وبغداد ولبنان وبعض العواصم في أقاصي الكرة الأرضية. مع ذلك، نرى بعض النشوة وقد بدأت تسري في مفاصل القيادة السورية وإن بدت أكثر وضوحا في تصريحات ‘جماعة الممانعة’، سياسيين وكتابا.
الأوائل تعود خيبتهم إلى أن النظام لم يسقط كما كان متوقعا، لكن هل من وجاهة سياسية، ناهيك عن الأخلاقية، حتى يشعر الآخرون بارتياح، يكاد يعادل الفرح، لمجرد أن الرئيس الأسد وأركان حكمه ما زالوا هناك رغم كل الخراب والمآسي التي سببوها؟!! الرئيس السوري يتحدث هذه الأيام، وخاصة بعد تراجع واشنطن عن تهديدات جوفاء بضربه عسكريا، بلغة من جاءه العالم صاغرا يطلب رضـاه ويطمع في غفرانه. صاحبنا لا يمانع في أن يترشح العام المقبل للرئاسية ‘إن كانت تلك رغبة شعبه’، أو بالأحرى من تبقى من شعبه أو من ظل من بينه من يهمه التوجه إلى صندوق الاقتراع قبل البحث عن إطعام من جوع وأمن من خوف. أكثر من ذلك، بدأ أنصاره، خاصة في لبنان، حيث لم ينقرض بعد فصيلة من لا ترى معنى لحياتها خارج العباءة السورية، يروجون ما تقولون إنها تسريبات تفيد بأن عواصم كانت تتخذ موقفا عدائيا منه بدأت تسعى لكسب وده من جديد.. لكنه ما زال يفكر إن كان سيمنحها كبير عفوه أم ليس بعد!!
أما المسلحون المعارضون للنظام، والذين صارت ألقاب قادتهم وأسماء جماعاتهم وكتائبهم أكثر من الهم على القلب، فيبدون كمن أدمن القتال دون رؤية واضحة بعد أن تفشت بينهم العديد من ممارسات ‘الزعرنة’ واللصوصية باسم الثورة أو الدين أو كليهما. هؤلاء، يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية ما أصاب المجتمع السوري، قبل العربي والدولي، من هلع مما يفعلونه أو يبشـّــرون به. بوضوح أكبر، الشعب السوري لم ينتفض ضد حكم بوليسي ســوّق نفسه لسنوات مناضلا وممانعا زورا وبهتانا ، حتى يقيم دولة دينية مخيفة تريد التحكم في رقابه وضمائره بالحديد والنار. هنا سيكون الناس كمن ‘استجار من الرمضاء بالنار’ وهو مآل بائس جدا لا يستحقه السوريون أبدا.
الأخضر الإبراهيمي هو الآخر في ورطة لأنه يبدو تائها بين العواصم بحثا عن توافقات شبه مستحيلة حول حل غير مضمون ولا أكيد. ومع ذلك فقد يكون شعور الجميع بأنهم في مأزق هو الكفيل في النهاية بجعلهم جميعا مستعدين بدرجات مختلفة لتنازلات متبادلة بعد أن وصل كل واحد فيهم إلى أقصى ما يمكن أن يتحمله من جهد أو أذى. ربما، ولكن المضحك المبكي هنا أن أحدا هؤلاء، وهو النظام ومؤيدوه، هم الآن كما يقول المثل التونسي كالديك الغارقة رجلاه في وحل من النجاسة… ومع ذلك فهو يؤذن!!
(عن صحيفة القدس العربي)