تزامنا مع التحولات السياسية والعسكرية التي تشهدها
سوريا، عقب سقوط نظام
بشار الأسد، أعلنت دولة
الاحتلال ضربات عسكرية على مطارات، وطائرات، وسفن سوريا العسكرية، وأفادت وسائل الإعلام العبرية، أن قوّات الاحتلال الإسرائيلي شنّت خلال الساعات الماضية، هجمات استهدفت نحو 100 موقع استراتيجي في سوريا.
كذلك، نقلت "القناة 13" العبرية، عن مصادر عسكرية إسرائيلية (لم تسمها)، أنّ: "الهجمات تضمنت مواقع استراتيجية، منها أنظمة صواريخ متقدمة، ومستودعات أسلحة، ومنشآت لتصنيع الذخائر".
وخلال الساعات القليلة الماضية، أيضا كشفت عدد من المصادر لوكالة "رويترز" أنّ: "قوات الاحتلال، واصلت التوغّل في عمق الأراضي السورية، من جهة الجولان، وباتت على مسافة قريبة في الجنوب الغربي من العاصمة دمشق"، وهو ما نفاه الاحتلال لاحقا.
هذا التصعيد اللاّفت، يفتح السؤال على مصراعيه: هل تعيق الضربات الإسرائيلية محاولات سوريا لإعادة بناء الدولة واستعادة مكانتها في المنطقة؟ أم أنها تعيد صياغة الدور السوري ليصبح أكثر ارتباطاً بالصراعات الإقليمية؟
سوريا قبل وبعد الحرب
كانت سوريا، قبل اندلاع الحرب عام 2011، تلعب دوراً محورياً في المنطقة، إذ كانت تتمتع بنفوذ دبلوماسي وسياسي مهمّ في عدّة ملفات، مثل: الصراع العربي-الإسرائيلي والعلاقات مع إيران وحزب الله، ناهيك عن موقعها الاستراتيجي.
التطورات الأخيرة في الأحداث المتسارعة التي باتت تعيش سوريا على إيقاعها، تضع جُملة من التحديات أمام عودتها كفاعل إقليمي قوي.
إضعاف البنية العسكرية السورية
استمرار هذه الهجمات يُضعف قدرة "سوريا الجديدة" على استعادة قوّتها العسكرية التقليدية، ما يحدّ من نفوذها في المنطقة.
تقويض سيادة الدولة
الهجمات المتكررة من الاحتلال الإسرائيلي، قد تعكس ضعف قدرة "سوريا الجديدة" على حماية سيادة الدولة.
تشتيت الجهود التنموية
الاستهداف المتكرر للبنية التحتية والمواقع الاستراتيجية يعيق محاولات إعادة الإعمار والاستقرار.
اظهار أخبار متعلقة
هل يمكن لسوريا استعادة دورها الإقليمي؟
عودة سوريا إلى دورها الإقليمي أمر يوصف من عدد من المتابعين للشأن السوري بكونه: "معقّدا لكنه غير مستحيل؛ إذ يتطلّب النظر إلى عدة عوامل سياسية، اقتصادية، وعسكرية".
إلى ذلك، تشير عدد من التحليلات إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى "منع سوريا الجديدة من امتلاك قدرات عسكرية جديدة، ما يضعف بشكل كبير قدرة دمشق على إعادة تعريف دورها السياسي".
اعتبارًا من كانون الأول/ ديسمبر 2024، باتت هناك عدّة إشارات بخصوص قدرة سوريا على استعادة مكانتها الإقليمية:
بات الوضع الداخلي في سوريا يعيش على إيقاع تحدّ كبير. على الرغم من "تحرير سوريا"، إلا أن الصراعات المتفرّقة في بعض المناطق، مع وجود القوات الأجنبية مثل: تركيا والولايات المتحدة، قد تعرقل تحقيق استقرار كامل.
كذلك، الوضع الاقتصادي في سوريا يوصف بـ"الحرج"، جرّاء انهيار الليرة السورية، ونقص حاد في المواد الأساسية، ما يضعف قدرتها على التأثير الإقليمي.
أيضا، إعادة الإعمار، يعتبر من أبرز التحديات الكُبرى التي تواجه سوريا حاليا، في سبيل استعادة دورها الإقليمي.
تجدر الإشارة إلى أن السنوات الأخيرة، شهدت عودة العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية، خاصة من خلال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. إذ عزّزت هذه الخطوة من فرص دمشق في لعب دور إقليمي، لكنها لا تزال "محدودة" بسبب كافة التحوّلات الجارية.
وكان مبعوث الأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسون أكد الثلاثاء أن سوريا تمر بمفترق طرق وما يزال وضعها غير مستقر، وأن الصراع لم ينته بعد في شمال شرق البلاد حيث الفصائل الكردية، مطالبا بترتيبات انتقالية يمكن الوثوق بها تؤدي إلى رفع العقوبات عن سوريا.
من جهته، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، إن "سورية يجب ألا تقسم مجددا، وإن تركيا سوف تتحرك ضد أي شخص يسعى للمساس بأراضيها". مضيفا: "من الآن فصاعدا لا يمكن أن نسمح بتقسيم سورية مجددا.. سنقف في وجه أي اعتداء على حرية الشعب السوري وسلامة أراضيه واستقرار السلطة الجديدة".
وكانت مصر أيضا، قد أدانت استيلاء دولة الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة العازلة مع سورية، والمواقع القيادية المجاورة لها، بما يشير إلى "احتلال للأراضي السورية، وانتهاك صارخ لسيادتها، ومخالفة صريحة لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974".
دعت مصر، مجلس الأمن الدولي لـ"التدخل واتخاذ موقف حازم". وهو نفس ما دعت إليه الخارجية الإماراتية، بالقول: "ندين بشدة استيلاء إسرائيل على المنطقة العازلة في الجولان ونؤكد حرصنا على وحدة سوريا".
المقاومة الفلسطينية، بدورها، ترى أن الشعب السوري قادر على استعادة دور سوريا الريادي في المنطقة والعالم، وتجاه قضايا الأمة العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين، كما جاء على لسان القيادي في حركة حماس، خالد مشعل.
اظهار أخبار متعلقة
تحدّيات أخرى تُواجه سوريا
سوريا اليوم ليست فقط ضحية للنظام المخلوع فقط، لكنها أيضا كانت ساحة مواجهة بين القوى الإقليمية والدولية. إذ أن النفوذ الروسي والإيراني، وهجمات الاحتلال الإسرائيلية يضعان سوريا اليوم في مأزق، يتوجّب التغلّب عليه.
كذلك، إن موقف الدول العربية لا يزال متباينا بين دعم جزئي ورفض الانخراط الكامل لبناء سوريا الجديدة.
وفي السياق نفسه، أعلن محمد البشير، عبر بيان تلفزيوني، اليوم الثلاثاء، أنه تم تكليفه بتولي رئاسة حكومة انتقالية في سوريا حتى أول آذار/ مارس 2025.
وفي كلمة قصيرة بثها التلفزيون السوري، قال البشير: "اليوم تم عقد جلسة مجلس الوزراء، ضمت فريق العمل في
حكومة الإنقاذ السورية التي كانت عاملة في منطقة إدلب وما حولها. بالإضافة للحكومة السورية للنظام المخلوع".
وأضاف: "عنوان الجلسة هو عبارة عن نقل المؤسسات والملفات من حكومة النظام المخلوع إلى الحكومة السورية المؤقتة من أجل استلام هذه الملفات وتسيير الأعمال".
وكان البشير يترأس حكومة الإنقاذ التي شكلتها المعارضة قبل الهجوم الخاطف الذي استمر لمدة 12 يوما وأدّى للإطاحة بالرئيس المخلوع، بشار الأسد.
إلى ذلك، بين مُجمل التحولات الجيوسياسية التي تعيش على إيقاعها المنطقة العربية، تظل مسألة استعادة سوريا لدورها الإقليمي تعتمد على جُملة من العوامل والتداخلات التي توصف بـ"المعقدة"، أهمها: تحقيق الاستقرار الداخلي وإعادة بناء علاقاتها مع الدول الإقليمية.