بدأت ملامح إدارة دونالد
ترامب في السياسة الخارجية بالتشكل، خاصة تلك المتعلقة بإسرائيل وفلسطين وبالشرق الأوسط بشكل عام، من خلال سلسلة التعيينات التي شملت ماركو روبيو وزيرا للخارجية، ومايكل والتز مستشارا للأمن القومي، ومايك هاكابي سفيرا في إسرائيل، وإليز ستيفانيك سفيرة لدى الأمم المتحدة، والقاسم المشترك بينهم جميعا التأييد المطلق لإسرائيل، والعداء للحقوق الفلسطينية، كما عكست ذلك تصريحات مايك هاكابي لإذاعة الجيش الإسرائيلي، التي لم يستبعد فيها إمكانية موافقة إدارة ترامب على ضم الحكومة الإسرائيلية الضفة الغربية لإسرائيل.
وبهذه التعيينات، وبالإطلاع على السير الذاتية لكبار المسؤولين عن السياسة الخارجية الأمريكية، أصبح من السهل استشراف ماذا ستكون عليه سياسة دونالد ترامب خلال الأربع سنوات المقبلة، تجاه فلسطين وإسرائيل والمنطقة بشكل عام.
وكذلك يمكن توقع ما ستكون عليه هذه السياسة، إذا أخذنا بعين الاعتبار سياسته التي انتهجها في ولايته الأولى، والتي لا تزال حاضره في ذاكرة الفلسطينيين، عندما نقل سفارة أمريكا من تل أبيب للقدس، وأعلن عن حق إسرائيل بضم الجولان السوري المحتل، وأعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لضم مناطق غور الأردن، وأجزاء من الضفة الغربية، وطرحه لخطة صفقة القرن للتسوية السلمية، التي تنتقص حقوق الشعب الفلسطيني لدرجة كبيرة، بالإضافة لإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن..
ومن المؤشرات الأخرى على احتمال أن يستمر ترامب من حيث انتهى في ولايته الأولى، ثبات الإدارات الأمريكية، جمهورية كانت أم ديمقراطية، على دعم إسرائيل اللامحدود منذ إقامتها إلى اليوم، لأسباب دينية وللتأثير الصهيوني في المؤسسات السياسة في الولايات المتحدة، ولمصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.
يضاف إلى ذلك، أن ترامب بدأ بحساب تسديد فواتيره لمن ساندوه قبل دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2025 ، مثل سداده لـ100 مليون دولار للمليارديرة اليهودية ميريام أديلسون، مقابل دعمه لضم الضفة الغربية لإسرائيل، هذا بالإضافة إلى احتمال سيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي الشيوخ والنواب، ما سيعزز دعم إسرائيل.
إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو ووزراء في حكومته، يبدون تفاؤلا يصل إلى درجة اليقين، بأن
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستفسح الطريق لهم لضم الضفة الغربية.
الضفة الغربية، أو أجزاء منها، حيث نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن نتنياهو تأكيده، في محادثات مغلقة في وقت سابق، ضرورة إعادة قضية ضم الضفة الغربية لجدول أعمال حكومته، عند تسلم ترامب مهام منصبه رئيسا للولايات المتحدة في 20 يناير المقبل. وترافق تصريح نتنياهو هذا بتصريح لوزير المالية والوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش، نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، جاء فيه أن عام 2025 هو عام السيادة الإسرائيلية على «يهودا والسامرة»، وبأنه أصدر تعليماته لإدارة الاستيطان والإدارة المدنية للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة على الضفة الغربية.
وفي ما يتعلق بموقف ترامب من الحرب الإسرائيلية على غزة وكيفية إنهائها، فإنه كان قد أشار أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية، إلى موقفه بشأن ذلك، كقوله مثلا؛ إنه لو كان في الحكم لما وقعت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ومخاطبته لنتنياهو بأن عليه أن ينهي الحرب وبسرعة وحصوله على انتصاره.
وقال: «الحرب يجب أن تتوقف ويجب أن يتوقف القتل»، كما تعهد لزعماء العرب والمسلمين في مشيغان بإنهاء الحرب، إلا أن ترامب يعدّ أن إنهاء الحرب قرار يعود لإسرائيل، عندما هاجم منافسته الديمقراطية كامالا هاريس لدعوتها لوقف إطلاق النار، ما يؤكد أن رؤية ترامب لانتهاء الحرب يجب أن تتم بانتصار إسرائيل.
ولكن ما هي السياسة التي قد ينتهجها ترامب لإنهاء الحرب؟
رغم ضبابية تصريحاته بشأن وقف الحرب وتضاربها أحيانا، إلا أنه من المحتمل أن يتم ذلك من خلال تدخل دبلوماسي أمريكي ـ أوروبي، ولكن بشروط إسرائيلية، من خلال مفاوضات يميل الميزان فيها لصالح تل أبيب، ولأن ترامب رجل أعمال يسعى دائما لإنجاز الصفقات السريعة والمربحة، فقد يعمل على وقف لإطلاق النار، بفرض شروط على المقاومة، مقابل وعود تخفيف الحصار، وتحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة وإعادة إعماره، وقد يترافق ذلك بزيادة الضغوطات على إيران لوقف دعمها لحزب الله وفصائل المقاومة الأخرى، وقد يعمل أيضا على التوصل لهدنة من دون تغييرات على الوضع القائم.
ومن المؤكد أن الشرق الأوسط في حقبة ترامب في الأربع سنوات المقبلة سيختلف عما قبله، والتوقعات تشير إلى أنه سيشهد عدة متغيرات لها علاقة بتوازنات القوة والضعف بين القوى الإقليمية والمصالح الأمريكية في المنطقة، وفي مقدمة هذه المتغيرات تصدع «الردع الاستراتيجي» في الشرق الأوسط، حيث إن الحرب على غزة هزت مجموعة من المسلمات المستقرة في المنطقة، ومنها أن هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هدد وجود إسرائيل ككيان، ناهيك عن تهديد الحوثيين في اليمن للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الغرب بشكل عام، بإغلاقهم الممرات البحرية في البحر الأحمر، ما ألحق أضرارا بالتجارة العالمية.
ترامب إذا ذهب إلى الاستمرار من حيث توقف في ولايته الأولى، بالسماح للمستوطنين وقادتهم المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية بضم مناطق الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية، وللسماح لنتنياهو بتحقيق «نصره المطلق» و«شرق أوسطه الجديد»، فإن هذا يعني عمليا، تطهيرا عرقيّا لأكثر من ثلثي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الأردن، الذي قد يعدّ هذا أنه بمنزلة إعلان للحرب.
وهذا يعني أيضا أن ترامب الذي تقوم سياسته على الصفقات وعلى الخيال واللامعقول، سيعجل بتدمير الوضع في الشرق الأوسط الذي بدأه في ولايته الأولى.
القدس العربي