تعرضت جميع القطاعات في
غزة للتدمير
الممنهج، حيث عمل الاحتلال الإسرائيلي على جعل قطاع غزة مكانا غير صالح للعيش سعيا
منه لتفريغ القطاع من أهله.
لم تسلم أي من القطاعات من جرائم الاحتلال؛
سواء القطاع الصحي أو
التعليمي أو الخدمي أو قطاع المساجد.
وقد نال القطاع التعليمي النصيب الوافر من
الاستهدافات خصوصا قطاع الجامعات والتعليم العالي.
"عربي21" التقت في إسطنبول الرئيس
السابق للجامعة الإسلامية في غزة، والذي يشغل حاليًّا منصب نائب رئيس مجلس أمناء الجامعة
الإسلامية في غزة، ورئيس مجلس إدارة "وقف الأمل التعليمي"، ومقره في إسطنبول،
وحاورته حول الواقع التعليمي في غزة في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر.
يؤكد شعث أن الضغوط المستمرة التي
يتعرض لها قطاع غزة منذ أكثر من 17 عاما كانت دافعا نحو التحدي والإنجاز، وبالنسبة
للأكاديميين فإنه "كلما كانت تشتدُّ الضغوط عليهم فإنها كانت تقوِّي لديهم الإرادة والعزم
وليس العكس".
اظهار أخبار متعلقة
وقد أنتجت غزة العديد من الأكاديميين
الأفذاذ، منهم عالم الفيزياء الأستاذ الدكتور سفيان تايه رئيس
الجامعة الإسلامية بغزة
الذي استشهد بعد شهر من الحرب، وقد كان يعتبر من العلماء المعدودين في مجاله على مستوى
الوطن العربي، وربما على مستوى العالم، كما يقول شعث.
وبحسب شعث فإن السبب الرئيسي وراء
مواجهة كل تلك الضغوط والتفوق هو "أن الوضع في غزة يلتقي فيه الجانب الإيماني والجانب الديني والجانب الوطني،
حيث إن الأكاديمي الذي يؤدي دوره كأكاديمي يشعر أن هذا يصبُّ في هذه القنوات كلها،
فيرى أن تفوقه عبادة".
وكذا يمكن القول عن حب الفلسطينيين للتعليم،
وحب أهل غزة خاصة للتعليم، ومن ناحية أخرى لشدة الحاجة للتعليم؛ فغزة منطقة مواردها
محدودة جدًّا جدًّا، وأيُّ إنسان يريد أن يعمل شيئًا أو يخطو خطوةً فالتعليم مدخل له.
حازت الجامعات الفلسطينية على مركز جيد
جدًّا بالنسبة للجامعات في الدول المحيطة أو بالنسبة لجامعات العالم الثالث؛ ففي مختلف
التصنيفات العالمية التي تجرى في الوقت الحاضر نجد أن هناك ربما ثلاث أو أربع جامعات
رئيسة (جامعة النجاح، الجامعة الإسلامية بغزة، جامعة بيرزيت، جامعة القدس) في مراكز
جيدة ضمن هذه التصنيفات، وهذه الجامعات مصنَّفةٌ ضمن أحسن مائة جامعة عربية من ضمن
1200 جامعة على المستوى العربي، حتى على المستوى العالمي تُصنَّف من ضمن أحسن 10% من
الجامعات على مستوى العالم التي تبلغ حوالي 33 ألف جامعة.
ومع ذلك فإن الصعوبات التي تواجه سواء
الطلبة أو الجامعات كبيرة جدا، فغزة "سجن كبير" كما يقول شعث،
وبالتالي فالحركة منها وإليها صعبة جدًّا. وجزءٌ من حياة الأكاديمي وخبرته وتفوقه ربما
يأتي من تلاقح الأفكار، وتوسيع المدارك، ومن اللقاءات من خلال حضور الندوات والمؤتمرات
والمشاركة فيها وغيرها، وهذا الأمر كان فيه صعوبة بالغة.
الصعوبة الأخرى هي الحياة العامة من حيث
الظرف الاقتصادي في البلد، والبطالة وغيرها، وقد كان لها انعكاساتها على العمل الأكاديمي،
والموارد المالية أو الموارد البحثية العامة خاصة في الجانب العلمي.
يرى شعث أن الاحتلال يستهدف الفئة المؤثرة في
غزة ومن ضمنها الأكاديميون، ويؤكد أن الجامعة الإسلامية
خسرت العديد من النُّخب، وكذلك الجامعات والكليات الأخرى كذلك، لكنه يرى ذلك في
سياق "ضريبة المقاومة وتحرير الأقصى وتحرير فلسطين.
ويشير شعث هنا إلى ذلك الأستاذ الأكاديمي الذي كان يُدرِّس في كلية الطب بنظام جزئي، وكان قد خرج من غزة للاختصاص لمدة ثماني
سنوات، حتى يعود إلى غزة مختصًّا في جانبٍ محددٍ في الطب، وبعد ثماني سنوات عاد إلى
غزة، ومَكث فيها سنة ونصف ثم استشهد!.
تحدي الاستمرار
يدهشك البروفيسور شعث حين يكشف أن الجامعة الإسلامية وكذلك جامعات أخرى،
وحين بدا أن الحرب ستطول، فإنها بدأت باستدراك ما فات، حيث دشنت فصلها الدراسي الأول عن
بعد عبر التعليم الإلكتروني، وذلك بالرغم من وجود مشكلةٌ كبيرةٌ تواجهها غزة في الكهرباء والإنترنت، وتوفر الحواسيب، وتوفر
بيئة الدرس المناسبة؛ فليس هناك مكان للبعض ليجلس فيه، و"مع ذلك بدأنا التدريس".
ويدهشك أكثر حين يقول إنهم الآن على وشك
الانتهاء من الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الماضي، وتم فتح المجال لدراسة الفصل
الذي يليه، وكان هناك إعلان قبل أيام لقبول طلاب في الماجستير والدكتوراه، وعُقدت عديد
من المناقشات لرسائل ماجستير ودكتوراه، وتم تقديم خطط بحث لمن يستطيع من الطلبة. "وهكذا
بدأت الأمور تعود إلى مجراها الطبيعي المحدود؛ لأن قدراتنا الأكاديمية محدودة، وإمكانيات
طلابنا محدودة، إلا أننا أردنا أن نبدأ بما هو متاح، وبما نستطيع حتى تستمر العملية
التعليمية".
يتحدث شعث بمرارة عن غياب الدعم الأكاديمي
الخارجي للجامعات قبل الحرب، وهو ما كان له أثر واضح على العاملين في القطاع الأكاديمي،
فاضطر البعض أن يجد مورد رزق آخر.
لكن بعد الحرب اشتد الأمرُ كثيرًا، فحتى
الجزء من الراتب الذي كان يحصل عليه الأكاديمي الموظف لم يعد من الممكن توفيره، فصارت
تُصرف بين الحين والآخر سلف محدودة لا تسد كثيرًا من حاجة الناس خاصة مع تفاقم الوضع
الاقتصادي والغلاء، "وهذا جزءٌ من الحالة العامة، ونحن نحاول قدر الإمكان أن نُحسِّن
من هذه الظروف"، كما يقول شعث.
ومع ذلك يؤكد شعث أنهم تلقوا سيلا من الاتصالات
من أكاديميين من غزة أو من خارجها أو من الأكاديميين العرب أو المسلمين ومن غير المسلمين
يريدون المساعدة، "وقد اعتذرنا من الكثيرين منهم؛ فهناك صعوبة في الاستفادة منهم،
فطالما هم بعيدون، والمنطقة التي يريدون خدمتها خدماتها شبه منهارة، وفيها قتل وحرب
وغيرها، فالمتلقِّي غير جاهز، وليس هناك إمكانية لتجهيزه أو مساعدته".
آلية استمرار التعليم العالي في غزة
يقول شعث إنه في الوقت الراهن "نعمل أن يدرس الطلاب
في الجامعة، ولا نطالبهم برسوم جامعية، وفي نفس الوقت نحتاج أن نغطي ولو جزءًا بسيطًا
من رواتب المدرِّسين، فنحاول قدر المستطاع أن نُوجِد منحا للطلاب حتى ندفع للمدرسين
جزءًا من رواتبهم".
ويرى شعث أن على رأس أولويات العمل لنصرة
غزة في القطاع التعليمي هو "كفالة الطلاب ودفع رسوم لهم، فنسبة الطلاب الذين يدرسون
لدينا الآن 50%، والنصف الآخر ظروفهم القاهرة لم تمكنهم من الالتحاق بمقاعد الدراسة
الإلكترونية. وهذه هي الأولوية في الوقت الراهن".
اظهار أخبار متعلقة
وأما مرحلة ما بعد الحرب مباشرة فالخطة
هي نصب مائة خيمة خلال شهر في الجامعة الإسلامية وفي الجامعات الأخرى كذلك، في ظل الإمكانات
الموجودة يبدأ التدريس. ويعقب: "بدأنا التدريس في الجامعة الإسلامية في الخيام
ونعود في الخيام. وبعد ذلك إعادة البناء".
وبالنسبة للطلبة الغزيين الذين تقطعت
بهم السبل في الخارج، قال شعث إن هناك "محاولات لخدمة طلاب الطب الذين خرجوا إلى
مصر خلال العدوان قبل أن يُغلَق معبر رفح، فقد تم الترتيب لمعظمهم لإكمال دراساتهم
في الجامعات المختلفة، فبعضهم قُبِل في جامعة مرمرة وفي جامعة مدنيات في إسطنبول، وتم
ذلك بمساعدة وزير الخارجية التركي، وبعضهم ذهب إلى جنوب أفريقيا، والبعض نعمل الآن
على توفير مقاعد دراسية لهم في باكستان".
ويشغل الدكتور
كمالين شعث حاليًّا منصب نائب
رئيس مجلس أمناء الجامعة الإسلامية في غزة ورئيس مجلس إدارة وقف الأمل التعليمي، ومقره
في إسطنبول، تركيا. وقد شغل مناصب أكاديمية وإدارية مهمة خلال حياته الأكاديمية. كان
رئيس الجامعة الإسلامية في غزة من عام 2005 إلى عام 2015، وساهم في التطوير الاستراتيجي
للجامعة، وعمل محاضرًا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ومهندساً في شركة استشارية
هندسية في دبي.