كشفت مصادر جزائرية، النقاب عن أن إجراء فرض السلطات
الجزائرية التأشيرة على حملة جوازات السفر
المغربية، أمس، كان نتيجة منطقية، لأزمة
ممتدة لخمس سنوات، وتاريخيا لعقود.
ونشرت صحيفة "الخبر" الجزائرية
اليوم السبت، الأسباب البعيدة لقرار فرض التأشيرة على حملة جوازات السفر المغربية،
أكدت أنه علاوة على الأسباب التي قدمتها، وزارة الشؤون الخارجية في بيانها، فإن ثمة
تراكمات وجذور، قادت ودفعت الجانب الجزائري إلى اتخاذ القرار، وسرعت من وتيرة
تدهور
العلاقات بين البلدين، بالرغم من أن الجزائر تحلت بما وصفته بـ"سياسة
ضبط النفس على مدار أشهر وسنوات ولم تتسرع في إشهار البطاقة الحمراء في وجه نظام
المخزن".
وقالت الصحيفة: "للأزمة أيضا،
كرونولوجيا تبدو عند ملاحظة مسارها، مرتبة ومدروسة وتصعيدية، حيث بدأت باستفزازات
على مستوى محافل أممية، ثم تطورت مباشرة إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني،
والسماح لأحد رموزه بالتطاول على الجزائر من المغرب. وتتابعت الأحداث بإبرام المغرب مع الكيان
الصهيوني، اتفاقيات أمنية وعسكرية واستخباراتية وتجارية".
وأكدت الصحيفة أن "المملكة ذهبت إلى
أبعد من ذلك، لما انكشف أمرها بتورطها في استخدام برنامج بيغاسوس الإسرائيلي
للتجسس الإلكتروني، لاستهداف هواتف شخصيات عامة ومسؤولين سياسيين وعسكريين
جزائريين، وأخذتها العزة بالإثم، بالاستمرار في تعاون وثيق بين "تل
أبيب" والرباط، يتركز خاصة على الأنشطة الاستخباراتية والتجسسية".
ورغم هذه الخطوة الخطيرة، إلا أن الحكومة
الجزائرية حافظت على الوضع القائم، ولم تتخذ قرار القطيعة مع نظام ارتمى في حضن
كيان لقيط له تاريخ عدائي طويل ضد مبادئ العدالة والحرية، ربما لتقاطعهما في
كونهما سلطتين محتلتين وتوسعيتين.
وأشارت الصحيفة إلى أن "النخب الحاكمة
في الجارة الغربية، دعمت جماعتين مدرجتين من قبل المجلس الأعلى للأمن في الجزائر على
قوائم المنظمات الإرهابية وهما "حركة رشاد" وحركة "الماك"،
ومتهمتين بالتورط في إشعال الحرائق التي اجتاحت مناطق واسعة من تيزي وزو سنة 2021
وخلفت أزيد من 100 حالة وفاة، من بينها قرابة 26 عسكريا، وما انجر عنها من مآس وأبرزها مأساة مقتل الشاب جمال بن إسماعيل بطريقة همجية"..
ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن "هذه
التطورات، دفعت الجزائر لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 24 آب/ أغسطس
2021، وغلق الأجواء أمام الرحلات التي تضمنها الطائرات المغربية".
وأضافت: "بلغ الاستفزاز أوجه، لما
استهدفت القوات المغربية، في نوفمبر من نفس السنة، ثلاثة سائقين جزائريين في
الصحراء الغربية، بقصف شاحناتهم أثناء قيامهم برحلات تجارية بين الجزائر
وموريتانيا، وهي حادثة، رغم خطورتها وألمها، فضلت الجزائر التعامل معها بالتريث
والاكتفاء ببيان تنديد ومباشرة إجراءات أممية ضد مرتكب الجريمة".
ونوهت الصحيفة إلى تصريحات مسؤولين من
المغرب "تدعم الشعب القبائلي في تقرير مصيره"، كرد على دعوة الجزائر
المتكررة إلى تسوية القضية الصحراوية.. ما دفع بالجزائر لوقف توريد الغاز نحو
إسبانيا عبر الأنبوب العابر للأراضي المغربية، الذي كانت المملكة تستفيد منه بنسبة
كبيرة، من خلال تأمين استهلاك داخلي، صناعي ومنزلي، يصل إلى 70 بالمائة بحسب
تقديرات غير رسمية.
ومن الأسباب أيضا لتوتر العلاقات بين
الجزائر والرباط، مشروع الرباط لتوسيع مباني وزارة الخارجية" وشمل عقارات
تابعة للجزائر، الأمر الذي اعتبرته الجزائر فصلا جديدا من التصعيد و"انتهاكاً
صارخاً لحرمة وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية للدول".
وقالت الصحيفة: "كل هذه التراكمات،
أوصلت السلطات، إلى إعلان فرض التأشيرة على كل من يحمل جواز سفر مغربي، على أساس
أن "النظام المغربي الذي أساء استغلال غياب التأشيرة بين البلدين، انخرط
وللأسف الشديد، في أفعال شتى تمس باستقرار الجزائر وبأمنها الوطني"، من خلال
"تنظيم شبكات متعددة للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والبشر، والتهريب
والهجرة غير الشرعية وأعمال التجسس"، بالإضافة إلى "نشر عناصر
استخباراتية صهيونية من حملة الجوازات المغربية للدخول بكل حرية للتراب
الوطني"، بحسب ما ورد في بيان للخارجية أمس.
وعادت الصحيفة بأسباب توتر العلاقات بين
الجزائر والمغرب إلى قرار الجزائر غلق الحدود سنة 1994 بعد أن فرض الملك المغربي
الراحل الحسن الثاني تأشيرة على الجزائريين، على خلفية تفجير فندق بمراكش، بينما
كانت الجزائر تشهد أزمة أمنية. وقبلها تأزمت العلاقات بين البلدين، وتواجها عسكريا في ما يسمى
"حرب الرمال" وما تلاها من أزمات وتوترات وقرارات ألقت بظلالها وبآثارها
على آلاف العائلات المختلطة والمصاهرات بين الشعبين الشقيقين، وفق الصحيفة..
وكانت الحكومة الجزائرية، قد أعلنت أول أمس الخميس،
إعادة العمل "الفوري" بنظام التأشيرة من أجل دخول التراب الجزائري، على
الأجانب الحاملين لجوازات سفر مغربية على خلفية أفعال قالت إنها "تمس
باستقرار البلاد وأمنه".
جاء ذلك في بيان لوزارة الشؤون الخارجية
الجزائرية التي حملت المغرب مسؤولية "المسار الحالي لتدهور العلاقات بين
البلدين".
ولم يصدر تعقيب فوري من السلطات المغربية على بيان الخارجية الجزائرية حتى الآن.
وكانت الجزائر ألغت نظام التأشيرة على حاملي
جواز السفر المغربي، في 2005، بقرار من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عملا
بالاتفاق المغاربي الموقع منذ نهاية الثمانينيات.
وهذه المرة الثانية التي تقرر فيها الجزائر
فرض التأشيرة على المغاربة، بعد قرار أول جاء عملا بالمثل عام 1994، بعد قرار
الرباط فرض التأشيرة على الجزائريين في أعقاب تفجير فندق "أطلس آسني"
بمراكش نهاية ذلك العام، قبل أن تقرر الرباط إعادة إلغاء التأشيرة بالنسبة
للجزائريين من طرف واحد في 2004، والجزائر بالنسبة للمغاربة في 2005.
اقرأ أيضا: الجزائر تفرض التأشيرة على المواطنين المغاربة.. لماذا؟