تعتبر كل من
فرنسا وبريطانيا دولتين وازنتين في إطار
العلاقات الدولية، فضلا عن كونهما عضوين من خمس دول في مجلس الأمن يتمتعان بحق
النقض (الفيتو) وإسقاط أي مشروع قرار في المجلس، كما فعلت أمريكا أربع مرات وأسقطت
مشاريع قرارات تدين المجازر
الإسرائيلية في قطاع غزة وتدعو إلى وقف العدوان الإسرائيلي؛
الذي أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمغيبين
الفلسطينيين منذ
تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
فازت كتلة الجبهة الشعبية
اليسارية بالانتخابات العامة في
فرنسا قبل فترة وجيزة، وسبق ذلك فوز حزب العمال البريطاني، من يسار الوسط، بانتخابات
مجلس العموم في
بريطانيا، وتطفو إلى السطح قضية فلسطين وعلاقتها بذلك من جهة، واحتمالية
الضغط نحو ذلك من عدمه من قبل الفائزين اليساريين في هذين البلدين بالتزامن مع حرب
الإبادة الإسرائيلية بحق قطاع غزة والغزيين، والمستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، وهو
ما يضع اليسار الأوروبي أمام اختبار أخلاقي كبير وقع فيه كثيرا فيما سبق.
طفو إلى السطح قضية فلسطين وعلاقتها بذلك من جهة، واحتمالية الضغط نحو ذلك من عدمه من قبل الفائزين اليساريين في هذين البلدين بالتزامن مع حرب الإبادة الإسرائيلية بحق قطاع غزة والغزيين
اليسار الفرنسي بعد فوزه بالانتخابات تحت عنوان "الكحل
ولا العمى" هو أمام اختبارين جوهريين؛ يكشف من خلالهما زيف برنامجه الانتخابي
من صدقيته، وفرنسا بطبيعة الحال دولة مؤثرة جدا في السياسة الأوروبية بعمومها؛
الاختبار الأول يتمثل بمصير حرية وعدم تقييد حقوق الفرنسيين من أصول مهاجرة ومسلمة،
والتمييز ضدهم، وقضية اللجوء والهجرة ككل في فرنسا، أو أن يكون كل ما تقدم من هذه الكتلة
اليسارية مجرد طريقة لاستقطاب واستثمار أصوات المهاجرين والمسلمين للفوز فقط، في
حين يكمن الاختبار الثاني بالاعتراف بدولة فلسطين وفقا لتعهدات عدة من قبل أحزاب جبهة
اليسار المتحالفة والتي فازت بالانتخابات، وقد تعهد كثير من قاداتها بالتوافق للاعتراف
بدولة فلسطين قريبا أي عقب الفوز.
ويشار إلى أن المسألتين شائكتان نظرا لصعوبة تشكل أكثرية
ساحقة لأي من الكتل البرلمانية (يسار، وسط، يمين) في فرنسا، ما يضع كل الوعود في مأزق.
كما أن فرنسا اليسارية في عهود خلت كان فيها الرئيس المناصر
لفلسطين جاك شيراك الذي تحدى إسرائيل سياسيا، وأعرب عن حق الفلسطينيين بإقامة دولة
فلسطينية تتوج نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد كان من أوائل الرؤساء الغربيين والأوروبيين
وربما الوحيد الذي على كان تقارب مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وأخفقت فرنسا
حينها باختبار الاعتراف بدولة فلسطين في ظروف لا تختلف جوهريا عن الظروف الحالية.
حزب العمال البريطاني بالتوازي مع ذلك، وهو حزب من يسار الوسط
فاز بالانتخابات العامة البريطانية أخيرا، لديه عهد ثابت في أدبيات الحزب بالاعتراف
بفلسطين كدولة في حال الوصول للسلطة، ولم ينفذ ذلك إطلاقا رغم وصول الحزب للسلطة عدة
مرات. لقد وصل الحزب في سبعينيات القرن الماضي إلى سدة الحكم في بريطانيا ولاحقا في
التسعينات وصولا إلى عام 2010. وكان من أبرز رؤساء الوزراء عنه توني بلير.
واللافت أن الحزب يتعهد على الدوام منذ السبعينيات بدعم فلسطين،
لكنه حين يصل إلى السلطة يصلح مرآة ومطية للسياسات الأمريكية الخارجية تجاه فلسطين
والشرق الأوسط. عاد رئيسه الجديد "كير ستارمر" في حزيران/ يونيو الماضي للتراجع
عن التعهد بالاعتراف
مسألة اعتراف اليسار الفرنسي والبريطاني بدولة فلسطين مسألة شائكة وبعيدة المنال، وانحياز كل من فرنسا وبريطانيا إلى جانب دولة الإبادة الجماعية إسرائيل ودعمها على كافة الصعد يؤكد ذلك
بدولة فلسطين في حال فوز حزبه بالانتخابات، خشية غضب بايدن وأمريكا
والحلفاء الغربيين، مبينا أنه سيتم تأجيل الأمر إلى أجل بعيد والتشاور مع الحلفاء الغربيين
قبل ذلك.
وفد خسر نواب يساريون مناصرون لفلسطين، أبرزهم "جورج
غالاوي"، مقاعدهم في مجلس العموم البريطاني عقب هذه الانتخابات، بالتزامن مع وصول
العمال للسلطة، إذ يحظى العمال حاليا بدعم 46 في المائة من مجمل الجمعيات والمنظمات
اليهودية، ومعظمها صهيونية في بريطانيا مقارنة بـ11 في المائة منها في عهد رئيسه السابق
المناصر لفلسطين "جيرمي كوربين"، وفقا لمصادر بريطانية، ما يعني أن الحزب
واليسار البريطاني عموما هم رهينة ضغوط وتأثيرات صهيونية حقيقية.
ومن نافلة القول أنه بناء على ما تقدم فإن مسألة اعتراف اليسار
الفرنسي والبريطاني بدولة فلسطين مسألة شائكة وبعيدة المنال، وانحياز كل من فرنسا
وبريطانيا إلى جانب دولة الإبادة الجماعية إسرائيل ودعمها على كافة الصعد يؤكد ذلك.