في ضوء التحديات التي واجهتها في قطاع
الغاز
الطبيعي، أعلنت
مصر عن خطط جديدة تهدف إلى التحول إلى مركز عالمي لإنتاج الهيدروجين الأخضر
بحلول عام 2030. تأتي هذه الخطوة في إطار سعي البلاد لتعزيز مساهمة الاقتصاد الأخضر
في الناتج المحلي الإجمالي ومضاعفة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء.
وقال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إنّ الحكومة تستهدف زيادة مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي من خلال
مضاعفة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء إلى إجمالي الاستثمارات العامة إلى نحو 55
بالمئة عام 2026، وأن تصبح بلاده مركزا عالميا لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام
2030.
واجهت مصر مشكلة في تحقيق هدفها الأول بالتحول
إلى مركز إقليمي للغاز، فبعد سنوات قليلة من تحقيق الاكتفاء الذاتي وإعلان مصر خططها
لأن تصبح مركزا إقليميا لتجارة ونقل الغاز، تحولت إلى مستورد صاف في ظل تراجع إمدادات
الغاز المحلية.
تخطط مصر لتوليد 42 بالمئة من الكهرباء من
مصادرة الطاقة الجديدة والمتجددة بحلول عام 2030. والهيدروجين الأخضر هو الهيدروجين
المنتج من التحليل الكهربائي للماء بالاعتماد على الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح.
وتتوقع مصر ضخ استثمارات أجنبية ضخمة وأن
يصل إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مشروعات الهيدروجين الأخضر إلى نحو
81.6 مليار دولار بحلول 2035.
في أيلول/ سبتمبر 2023 أنشأت مصر مجلساً
وطنياً لمشروعات الهيدروجين الأخضر، بهدف تحفيز الاستثمارات بواحد من أهم مصادر الطاقة
النظيفة.
أزمة إمدادات الغاز المحلي
عادت مصر إلى ساحة الدول المستوردة للغاز
المسال من الأسواق العالمية، بعد أن أصبح الاستيراد من "إسرائيل" غير كافٍ
لسد النقص والذي يصل إلى إلى مليار قدم مكعبة يوميا، وتراجع إنتاج حقولها من الغاز لأسباب فنية
وتقنية.
على إثر ذلك تراجع حجم إنتاج الحقول من
الغاز إلى أقل من 5 مليارات قدم مكعبة تقريبا حالياً، في حين يتراوح الاستهلاك بين
6.7 إلى 6.8 مليار قدم مكعبة يوميا، وتستورد نحو مليار قدم مكعبة يوميا من "إسرائيل"
ما يعني استمرار فجوة بنحو 800 مليون قدم مكعبة إلى مليار قدم مكعبة يوميا لمواجهة انقطاعات
الكهرباء، ونقص إمدادات الغاز للمصانع.
رغم التحديات التي تواجهها، فإن مصر تسعى
جاهدة لتحقيق تحول اقتصادي أخضر يعزز من استدامة مواردها ويحسن من وضعها الاقتصادي.
بينما يبقى السؤال: هل ستتمكن مصر من تحقيق هذه الأهداف الطموحة في ظل التحديات الراهنة؟
تحديات التحول الجديد
قدمت دراسة مصرية حديثة أهم العقبات الفنية
والاقتصادية التي تواجه التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر، لا سيما في ظل التوجه العالمي
لتحقيق الحياد الكربوني.
وأشارت الدراسة، التي حملت عنوان
"الهيدروجين الأخضر .. التقنيات والواقع والتحديات" إلى أن فجوة التكلفة
بين الهيدروجين الأخضر ونظيره المُنتج من الوقود الأحفوري لا تزال تمثّل التحدي الرئيس
للهيدروجين منخفض الكربون.
ويواجه إنتاج الهيدروجين الأخضر وتخزينه
ونقله وتزويده واستعماله عددًا من التحديات الفنية والاقتصادية والعملية، وهناك عدد
كبير من الأبحاث جارية لمعالجة هذه التحديات.
3 مصاعب ومنافسون كبار
لخص الباحث المتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات
الدولية خالد فؤاد، التحديات في مجال الاقتصاد الأخضر، قائلا: "أولها: توفير التمويلات
اللازمة للمشروعات الضخمة المتعلقة بالطاقة المتجددة. وثانيها: التكنولوجيا، فهو يحتاج
إلى تبني أحدث التقنيات العالمية في مجال الطاقة الخضراء. وثالثها: تطوير البنية التحتية
مثل نقله وتخزينه واستعماله لتناسب متطلبات المشروعات الخضراء".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن
"توجه مصر لإنتاج الهيدروجين الأخصر منفصل تماما عن خططها للتحول إلى مركز إقليمي
لتجارة الغاز ونقله إلى أوروبا، ولكنه يأتي ضمن توجه أوسع في الإقليم، وبعض الدول قطعت
شوطا طويلا مثل السعودية والإمارات و"إسرائيل"، نحو التنافس على إنتاج الهيدروجين
الأخضر باعتبار أنه سيكون جزء مهما من خريطة الطاقة".
وأوضح فؤاد أن "مصر سوف تواجه نفس
المعوقات التي واجهتها في قطاع الغاز، فهو بحاجة إلى دعم حكومي وضخ استثمارات ضخمة،
وتقنيات متقدمة، ووضع تسهيلات تنظيمية لجلب استثمارات أجنبية كبيرة في هذا المجال مع
الأخذ في الاعتبار أن هناك منافسة كبيرة في هذا المجال".
هيمنة الدول الكبرى وحسابات إقليمية
الخبير العالمي في مجال الطاقة ورئيس مجلس
إدارة مجموعة شركات بيت الأمريكية، عبد الحكيم حسبو، قال إن إنتاج الهيدروجين بأنواعه
هو نقطة تحول في مجال الطاقة على مستوى العالم للحصول على طاقة نظيفة، وبيئة مصر الصحراوية
مناسبة لإنتاج الهيدروجين الذي يعتمد على طاقة الشمس والرياح ونقلها إلى الأماكن التي تحتاج
للطاقة، وتؤهلها لأن تتحول إلى إحدى الدول المنتجة للطاقة النظيفة بكميات كبيرة في
حال توفرت الشروط".
تكمن المشكلة، بحسب تصريحات حسبو لـ"عربي21"
في أن "مشاريع الهيدروجين الأخضر تتطلب تمويلات ضخمة لبناء محطات التحليل الكهربائي
وتطوير تقنيات الإنتاج والتخزين والنقل. ويُعدّ جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية
أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق أهداف مصر في هذا المجال، وتحتاج أضعاف استثمارات الغاز
وإلى وقت طويل".
ورأى أن أكثر ما يعيق خطة الحكومة المصرية
"هو عدم وضع إطار قانوني وتنظيمي واضح لتنظيم إنتاج الهيدروجين وتجارته، وهو أمر
ضروري لجذب الاستثمارات وضمان سلامة وجودة الإنتاج. وتتطلب مشاريع الهيدروجين كوادر
بشرية مؤهلة للتعامل مع تقنيات الإنتاج والتخزين والنقل".
واعتبر خبير الطاقة العالمي أن "مشكلة
الغاز في مصر لها شقان اقتصادي وسياسي، وهما مرتبطان ببعضهما البعض، في ما يتعلق بالشق
الاقتصادي فالقوى الإقليمية تسعى إلى تصدير الغاز بدون المرور بمصر، وما تستورده من
"إسرائيل" تستهلكه محليا، أما الشق السياسي فإن الدول الكبرى هي التي تتحكم
في مسارات الغاز في المنطقة وتخضع للتوترات الجيوسياسية المتقلبة".