جرى في
مصر تعديل وزاري، لم يشعر فيه الناس
بجديد، سوى بعض الوجوه، وليس لدى الشعب المصري أي أمل في أن يأتي هذا النظام بحل
للمشكلات التي كان السبب الرئيس والوحيد لها، فمن صنع المشكلات لن يكون قادرا على
حلها، وبخاصة بعد مرور هذه السنوات الطوال، وكان من ضمن المواقع التي تم تغييرها
موقع: وزير
الأوقاف.
ذهب محمد مختار جمعة، وجاء أسامة الأزهري،
وكلاهما من خدمة النظام، لا يحيدون عن أوامره قيد أنملة، فلن يكون هناك جديد بلا
شك في السياسات العامة للوزارة، كصوت ديني يتجه أينما أرادت السلطة، في ظل مؤسسات
دينية كلها تحت سمع وبصر وكلمة السيسي، عدا المشيخة الأزهرية التي لم تدن بكاملها ـ
حتى الآن ـ لكل ما يريد، فلا زال لديها بعض المؤسسية، والاستقلال المحدود جدا،
لكنه يمثل للناس بارقة أمل في عدم انبطاح كل المؤسسات الدينية للسلطة بالشكل
المهين الذي نراه.
ذهب مختار جمعة، مودعا بكم لا مثيل له من
الشماتة والتشفي، ولو كان للرجل ما يذكر به بين الناس بالخير، لرأينا من استنكر
هذا السلوك من الناس عليه، لكن لأنه ملأ مدة خدمته بما يكفي لبغض وكراهية معظم
الشعب المصري، ومعظم العاملين بالوزارة، من غرور وتعالي، وبطش بكل من يرى فيه
بارقة ظهور، يمكن أن تلتفت إليه السلطة لتأتي به بديلا عنه.
ومع ذلك أوتي من حيث لا يحتسب، فلأنه حاول
طوال فترة توليه الوزارة، طمس أي داعية أو عالم في الوزارة، وكأنه لا يوجد سواه،
بل حول كثيرا من الأئمة والخطباء والعاملين في الأوقاف لمخبرين وجواسيس؛ ينم بعضهم
عن بعض، ويتبرع البعض منهم بالنكاية في البعض الآخر، بالوشاية والكذب، قطعا
للأرزاق والتضييق.
كما أن ممارساته وقت كورونا، وتضييقه
المبالغ فيه كان موضع سخط من الناس، وبخاصة في تعليمات شهر رمضان، وصلوات الجمعة،
في الوقت الذي أصبحت اللقاءات العامة والجماهيرة متاحة في مصر، إذ به تضييقا على
الناس يحرمهم من صلاة الجماعة والجمعة، ويصر على إغلاق المساجد، في تصرف غريب، لم
يفهمه أحد، سوى أنه شهوة السلطة.
من حيث المقارنة بين الوزيرين السابق والحالي، فلا فرق من حيث الائتمار بأمر السلطة، وعدم الخروج عن فلكها، والنيل من الإخوان المسلمين، والمعارضين للحكم، وملء معظم إدارات الوزارة بقيادات الجيش والشرطة، حيث إنها مصدر مهم للمال، وهو ما يحقق التوجه الدائم للسلطة في معاملة العسكر، وهو بيت القصيد عندها.
وتاريخ جمعة معروف لكل من تعامل معه، سواء
على مستوى جامعة الأزهر، أو الجمعية الشرعية، أو الأوقاف نفسها، فقد كان
شيخ
الأزهر أحمد الطيب صاحب الفضل عليه في نقله من العمل الجامعي، إلى المكتب الفني
بمكتبه، وترشيحه للأوقاف، وسرعان ما انضم الرجل للعسكر في كل معاركهم ضد شيخ
الأزهر.
أما الوزير الجديد أسامة الأزهري فقد تحدثنا
عنه في مقالين هنا في موقع عربي21، مرة عن موسوعته (جمهرة علماء الأزهر الشريف)،
وأنها عمل غير خالص له، وكيف ترجم دون أن يدري لعلماء من الإخوان المسلمين، رغم
اشتراطه عدم ذكرهم، مما أوقعه في حرج مع السلطة، وهو ما أجل قراره منذ سنوات من
قبل، بعد انتشار المعلومات التي ذكرناها، كما أخبرني بذلك أحد المصادر.
والمقال الثاني كان بعنوان: شيخ الأزهر
القادم، حين تحدثت عن تهيئة العسكر له، ليتولى منصبا دينيا، ثم ليكون بعد ذلك في
مشيخة الأزهر، كأحد الذين تعدهم السلطة، وداعمو السلطة الإقليميين، فيما أصبحت تعد
له منذ سنوات، في الاستثمار في القوة الناعمة المصرية، سواء على مستوى الفن، أو
على مستويات الدين والأدب.
من حيث المقارنة بين الوزيرين السابق
والحالي، فلا فرق من حيث الائتمار بأمر السلطة، وعدم الخروج عن فلكها، والنيل من
الإخوان المسلمين، والمعارضين للحكم، وملء معظم إدارات الوزارة بقيادات الجيش
والشرطة، حيث إنها مصدر مهم للمال، وهو ما يحقق التوجه الدائم للسلطة في معاملة
العسكر، وهو بيت القصيد عندها.
أما من حيث الفرق العلمي بينهما، فهو محسوب
لصالح الأزهري، المعروف بنشاطه العلمي، وهو أمر يشهد له به كل منصف، على عكس مختار
جمعة، الذي برز في فترة وزارته تعالمه، بل نسبة كتب له لم يكتب منها حرفا، وفرض
نفسه بشكل دائم على الإذاعة المصرية ببرنامج لا يسمعه إلا القليل، وكذلك في خطبة
الجمعة التي تذاع على الهواء مباشرة على التلفزيون المصري.
وهذا الجانب هو ما يجعل البعض يتفاءل ـ بشكل
ما ـ بتولي الأزهري المنصب، وأنه ربما كان كشيخه علي جمعة، المعروف بولائه الشديد
للسلطة، لكنه أحدث تطورا مهما في دار الإفتاء المصرية من حيث مأسستها، وهو ما يشهد
كل منصف به، وهو ما يمكن أن يقوم به الأزهري في مساحات محددة في الوزارة، حيث إن
الأوقاف تختلف عن الإفتاء، فدار الإفتاء عملها محدود، وليس متشعبا كالأوقاف، والتي كانت على مدار تاريخ مصر موضع طمع من السلطة ودوائرها، من حيتان الفساد والسطو على
أوقاف مصر، وإداراتها.
[email protected]