تجدد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان
فيدان الأخيرة بشأن ملف تطبيع العلاقات مع
النظام السوري التأكيد على عزم أنقرة التوجه بخطى أوسع في المسار المتعثر للتقارب مع دمشق من أجل التوصل إلى تسوية تساهم في تأمين أهدافها الرامية إلى الحد من نفوذ القوات الكردية المسلحة في مناطق شمالي غربي سوريا، والتي تعتبرها
تركيا امتدادا لحزب "العمال الكردستاني" على الأراضي السورية.
ورغم التعثر الذي اكتنف مسار التطبيع الذي بدأته أنقرة مع النظام السوري، والتراجع الذي طرأ عليه بفعل تعنت النظام السوري بشروط مسبقة وانشغال تركيا بفترة انتخابية امتدت لما يقرب من العام ونصف، إلا أن التحركات التركية الجديدة نحو التقارب مع دمشق لم تحمل ملامح انفراجة تضمن تحرك المفاوضات نحو الأمام، وفقا لباحثين تحدثوا إلى "عربي21".
والاثنين، قال وزير الخارجية التركي في لقاء متلفز مع قناة "خبر تورك" (Haber Türk) المحلية، إن "اندماج المعارضة السورية والنظام من شأنه أن يجعل سوريا طرفا مهما في الحرب على إرهاب حزب العمال الكردستاني".
وأضاف أن "أهم شيء حققته تركيا وروسيا في الشأن السوري هو وقف القتال بين النظام والمعارضة"، مشيرا إلى أن أنقرة تريد من يستغل "هذه الفترة من حالة عدم الصراع بعقلانية، كفرصة لحل مشاكله الدستورية، وتحقيق السلام مع معارضيه، وإعادة الملايين من السوريين الذين فروا إلى الخارج أو غادروا أو هاجروا من جديد إلى بلدهم".
وتشير تصريحات فيدان إلى أن مساعي أنقرة للقضاء على نفوذ الوحدات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في الجانب الآخر من حدودها مع الأراضي السورية، تشكل عجلة دفع رئيسية لعودة مسار التقارب إلى نقطة الضوء مجددا، على وقع إعلان الإدارة الذاتية عن عزمها إجراء انتخابات محلية في شمال شرقي سوريا، وهو الأمر الذي ترفضه تركيا بشكل مطلق وتراه انعكاسات لمساع تهدف إلى إنشاء "دولة إرهاب" على حدودها.
اظهار أخبار متعلقة
ويرى الباحث في الشؤون التركية محمود علوش، أنه من الممكن النظر إلى "تصريحات فيدان على أنها جزء من الرسائل التركية للنظام وحلفائه لتحريك المياه الراكدة في مسار الحوار"، مشيرا إلى أن "أنقرة تسعى لإقناع النظام وحلفائه بمزايا التوصل إلى تعاون معها ضد الوحدات الكردية مقابل تقديم نفسها كطرف مستعد للضغط على المعارضة من أجل الانخراط في تسوية سياسية لإنهاء الصراع".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "الهاجس المشترك من الوحدات الكردية يعمل كمحفز لأنقرة والنظام للتفكير في مزايا التعاون، لكن الأمر يتوقف على استعداد كل طرف لتقديم ما يحتاجه الآخر منه".
والشهر الماضي، صدرت دعوة تركية هي الأولى من نوعها للتعاون عسكريا مع النظام السوري لشن عملية عسكرية مشتركة ضد الوحدات الكردية، حيث اقترح زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت بهتشلي، التنسيق عسكريا بين تركيا والنظام السوري ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، من أجل "اجتثاث جذور التنظيم الإرهابي".
من جهته، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال حديثه عن رفض بلاده "مساعي تنظيم العمال الكردستاني" المدرج على قوائم الإرهاب لدى تركيا ودول أوروبية، لإنشاء ما وصفه بـ"دويلة إرهاب" على الجانب الثاني من حدود بلاده مع سوريا، على أن أنقرة "لا تكن العداء وليس لديها أحكام مسبقة ضد أي بلد ولا تطمع في أرض أحد أو في حقوقه السيادية، واتخذنا مؤخرا العديد من الخطوات المهمة لزيادة عدد أصدقائنا وسنواصل بمشيئة الله طريقنا عبر انفتاحات جديدة".
و"تضغط الهواجس التركية من اعتزام الوحدات الكردية إجراء انتخابات للمجالس المحلية على سياسة أنقرة في سوريا وتدفعها إلى البحث عن دفع مسار الحوار مع النظام"، وفقا لعلوش الذي أشار إلى أنه "نتيجة لتمسك تركيا برفض التفاوض على مُستقبل وجودها العسكري قبل مُعالجة هواجسها الأمنية وحل الصراع، اضطرت دمشق إلى تخفيف لهجتها جزئياً من خلال مُطالبة أنقرة بإعلان استعدادها لسحب قواتها دون تحديد جدول زمني لذلك".
إمكانية دراسة سحب القوات التركية
ويلفت علوش، إلى أنه من الممكن "النظر إلى تصريحات وزير الدفاع التركي حول استعداد أنقرة للنظر في مسألة الانسحاب على أنها استجابة لمطلب النظام".
وكان وزير الدفاع التركي يشار غولر، أعرب في تصريح له مطلع الشهر الجاري عن استعداد بلاده "لدراسة إمكانية سحب قواتها من سوريا بشرط أن يتم ضمان بيئة آمنة وأن تكون الحدود التركية آمنة إذا لزم الأمر"، مشيرا إلى أن أنقرة مستعدة أيضا "لتقديم كل الدعم الممكن فيما يتعلق باعتماد دستور شامل، وإجراء انتخابات حرة، والتطبيع على نطاق واسع".
ويضيف علوش، أن "النظام يحاول استثمار هاجس تركيا من الوحدات الكردية للحصول على أكبر قدر من المكاسب من أنقرة. لذلك هو يرى في الحوار فائدة إذا استطاع جني المكاسب التي يتطلع إليها".
ويلفت إلى "وجود اختلاف بين معايير النظام ومعايير تركيا بشأن التسوية السياسية، لكنه يراهن على مشكلة تركيا مع الوحدات لدفعها إلى مواصلة تغيير سياستها في سوريا".
"مسار متعثر"
يأتي الحديث عن تقارب تركيا مع النظام هذه المرة، على وقع تمسك نظام بشار
الأسد بشروطه المسبقة وعلى رأسها انسحاب القوات التركية من شمال غربي سوريا، وهو ما ترفضه أنقرة التي بدأت هذا المسار قبل الانتخابات العامة منتصف العام الماضي من أجل إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق عقب انقطاعها إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ومنذ ذلك الحين، جمعت العديد من اللقاءات على الصعيد الاستخباري بين مسؤولين من تركيا والنظام السوري كان أبرزها اجتماع بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، في العاصمة الروسية موسكو، في أيار/ مايو 2023، وذلك ضمن ما عرف بـ"الصيغة الرباعية".
لكن المساعي التركية لإعادة تطبيع العلاقات، تعثرت بعدما اعتبر بشار الأسد أن "هدف أردوغان من الجلوس معه هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا"، زاعما أن الإرهاب في سوريا "صناعة تركية"، ومطالبا بسحب القوات التركية بشكل كامل من شمال غرب البلاد.
ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، أنه "ليس هناك رغبة حقيقية لدى النظام للاقتراب من أنقرة، ولا رغبة لدى الأخيرة لفتح الخطوط مع النظام لعدم وجود الحد الأدنى من الثقة والتفاهمات الأولية بينهما".
ويقول علوان في حديثه لـ"عربي21"، إن "شروط تركيا والنظام على حد سواء لا زالت تشكل عراقيل كبيرة أمام عوامل انبعاث رسائل ثقة بين الطرفين، خصوصا وأن أنقرة تدعم المعارضة السورية والنظام يدعم القوات الانفصالية شمال شرقي سوريا"، حسب تعبيره.
ويلفت إلى أن "تصريحات فيدان الأخيرة تأتي استجابة لمبادرة تحت عنوان خارطة طريق، قدمتها روسيا خلال زيارة فيدان إلى موسكو، بالتوازي مع تقديم بغداد مبادرة ثانية للتقريب بين النظام وأنقرة".
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أعرب عن استعداد بلاده للتوسط بين النظام السوري وتركيا، وذلك بالتزامن مع تقدم العلاقات بين بغداد وأنقرة خلال الآونة الأخيرة.
وقال السوداني في بيان صدر في 31 أيار /مايو الماضي، "إننا نحاول خلق أساس للمصالحة والحوار بين سوريا وتركيا"، موضحا أن "المفاوضات بهذا الشأن مستمرة. ونأمل أن تكون هناك بعض الخطوات في هذا الصدد قريبا"، حسب تعبيره.
اظهار أخبار متعلقة
ووفقا لعلوان، فإنه في كلتا المبادرتين "تحتاج تركيا للاستجابة بود بسبب حكم علاقتها الجيدة نسبيا في المحيط الإقليمي مع موسكو وبغداد، لكن من المبكر جدا تحديد ما إذا كان حديث فيدان يشكل انفراجة في مسار التطبيع بين الجانبين لأن قائمة الشروط والمعوقات طويلة أمام هذا المسار".
وفي حين كشفت صحيفة "آيدن ليك" (Aydınlık) التركية، قبل أيام، أن مسؤولين عسكريين من تركيا اجتمعوا مع النظام السوري على الأراضي السورية لأول مرة، ذكرت صحيفة "ستار" (Star) التركية، نقلا عن مصادر لم تكشف عن هويتها، أنه "لا توجد محادثات جارية على مستوى الاستخبارات بين تركيا والنظام السوري"، مشيرة إلى أن "أنقرة أخبرت موسكو وطهران أنها لن تجري محادثات مع الأسد إن جاء بشروط مسبقة".
في المقابل، نقلت صحيفة "الوطن" السورية عن مصادر مقربة من نظام بشار الأسد، قولها إنه "لم يطرأ أي تغيير في الموقف السوري تجاه شروط التقارب مع أنقرة، لا سيما ما يخص إبداء الاستعداد للانسحاب من الأراضي السورية وما يخص توصيف الجماعات المسلحة المنتشرة في مناطق شمال شرق البلاد من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) وغيرها بوضوح على أنها إرهابية".
"ضغوط إيرانية"
يلفت الباحث علوان، إلى وجود معوقات إيرانية تحول دون قدرة نظام الأسد على التعامل بمرونة مع ملف التطبيع مع تركيا الذي ترعاه روسيا بشكل أساسي كإحدى الدول الضامنة في "مسار أستانا" بشأن الملف السوري.
ويشير الباحث في حديثه لـ "عربي21"، إلى أنه "لطالما كانت روسيا حريصة على أن تؤمن فرصا من خروقات العزلة السياسية التي يعاني منها النظام، في حين كان نظام بشار الأسد متأثرا بشكل أكبر بالضغط الإيراني الذي ما زال يعرقل استجابة النظام لملف التطبيع مع تركيا".
ويشدد على أن "الشروط بانسحاب القوات أو غيرها من الشروط التي يضعها النظام ويتعنت بها هي شروط إيرانية في الأصل"، مشيرا إلى أن "روسيا تدرك حجم التدخل الإيراني في سوريا وتدرك حجم تحالفاتها مع إيران، لذلك هي لا تضغط بشكل أكبر على النظام".
وفي ما يتعلق بالعراقيل التي تواجه مسار التطبيع، يوضح علوان أن "تركيا تعلم أن الأمور التي تحتاجها من النظام مثل عودة اللاجئين وإجراء الإصلاحات السياسية والكف عن دعم المجموعات الانفصالية والانقلاب إلى مواجهة الإرهاب، لا تأتي ضمن نية جادة للنظام للذهاب في هذا الاتجاه".
اظهار أخبار متعلقة
"لذلك، تركيا تراعي في استجابتها لمبادرات الحوار الجهة التي تقف وراء المبادرة مثل روسيا والعراق أكثر من اعتقادها أن يتغير النظام أو يكف عن القلق الذي يسببه في المنطقة، فضلا عن حل مشكلة قضية اللاجئين التي كان ولا يزال جزءا منها"، وفقا للباحث في مركز جسور للدراسات.
وينوه علوان إلى أن "العقوبات المفروضة على النظام وسلوكه الذي لا يتغير، كفيلان بأن يعرقلا مسار أي تطبيع يفتح مجددا وأن يفرغا أي مسار تطبيع كان قد فتح من قبل من مضمونه"، مشيرا إلى "ركود التطبيع العربي مع نظام الأسد وعدم جدواه".
وحول فكرة التوحيد بين النظام والمعارضة التي تطرحها أنقرة ضمن حديثها عن التطبيع مع دمشق، يرى الباحث علوش أن "فكرة المصالحة تنسجم مع مبدأ التسوية السياسية الذي تطالب به تركيا ويتطلب وفق منظورها ثلاث خطوات أساسية هي وضع دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة يشارك فيها جميع السوريين بمن فيهم اللاجئون في الخارج، وإعادة تشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية".
ويلفت في ختام حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "تركيا تدرك العقبات الكبيرة، التي تعترض رؤيتها الحالية في سوريا، لكنّها تعتقد أن التوصل إلى تفاهم مع دمشق في ملف الوحدات الكردية يُمكن أن يكون بداية مناسبة لخطوات أخرى في المستقبل تؤدي في النهاية إلى تعظيم فرص التعاون في مسألة التسوية السياسية للصراع كبوابة لإعادة تصميم العلاقات التركية السورية من جديد".