نشرت مجلة "نيشن"
تقريرًا يتحدث عن فيلم وثائقي بعنوان "احتلال العقل الأمريكي" الذي يستكشف كيفية تأثير الإعلام الأمريكي في صنع الرأي العام تجاه القضية
الفلسطينية.
ويذكر التقرير أن الفيلم يعرض كيف أدت وسائل الإعلام الأمريكية إلى تشويه الحقائق وتشويه صورة الفلسطينيين وتبرير سياسات الحكومة الإسرائيلية.
وقالت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن فيلم "احتلال العقل الأمريكي" الذي أنتجته مؤسسة التعليم الإعلامي سنة 2016 يتم منعه في الجامعات والمجتمعات بتهمة معاداة السامية؛ إذ يبحث الفيلم الوثائقي في الطرق التي تشكل بها الدعاية من حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة حول احتلال الأراضي الفلسطينية التغطية الإعلامية الأمريكية.
وأفادت المجلة بأنه منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ظهر أن وسائل الإعلام الأمريكية لديها مجموعة منفصلة من القواعد عند مناقشة الحرب الشاملة التي تُشن على المدنيين في
غزة، ومع مقتل أكثر من 35 ألف شخص، وعدد غير مسبوق من الأطفال مبتوري الأطراف، وأكثر من مليون شخص معرضين لخطر المجاعة، فإن الحاجة الملحة لفك رموز التعتيم الإعلامي على الإبادة الجماعية لم تكن أكبر من أي وقت مضى، لقد كُتب الكثير عن هذا الأمر، خاصة بعد أن كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن القيود اللغوية التي تحد من كيفية مناقشة الكتاب للهجمات الحالية على غزة.
وهذا يجعل من فيلم "احتلال العقل الأمريكي" وتحليله الإعلامي اللاذع أداة حيوية لفهم الوضع الحالي، ولهذا السبب أيضًا تمت مهاجمته من قبل السياسيين في ردود فعل مماثلة لتشبيه نتنياهو للاعتصامات في كولومبيا بالمسيرات النازية في الثلاثينيات، وقد تواصلت المجلة مع المنتج التنفيذي للفيلم، سوت غالي، والمخرجيْن لوريتا ألبر وجيريمي إيرب لمناقشة الفيلم وردود فعل الجمهور عليه.
وعند سؤاله عن إدانة العديد من السياسيين ومسؤولي الجامعات للفيلم ووصفه بأنه معاد للسامية، أجاب غالي بأن هؤلاء المنتقدين لم يشاهدوا الفيلم بالتأكيد، ويقرأون فقط من بعض السيناريوهات التي تم تسليمها لهم، فالفيلم هو في الحقيقة تأريخ لكيفية فشل وسائل الإعلام الأمريكية في سرد قصة
الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية، كما أنه يوضح بالتفصيل كيف تم تهميش الأصوات المؤيدة للفلسطينيين والتشهير بها بشكل روتيني باعتبارها معادية للسامية ومتعاطفة مع الإرهاب، وهو بالضبط ما يفعله السياسيون ومديرو الكليات.
وأكد غالي أن ذلك مجرد مثال صغير على رد الفعل العنيف المتصاعد الذي ينتشر الآن في جميع أنحاء البلاد مع اندلاع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في المزيد والمزيد من الجامعات، والهدف الواضح هو منع أي نوع من التحدي للرواية السائدة التي يتم تداولها في وسائل الإعلام حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عقود.
وأشارت المخرجة لوريتا ألبر إلى أنه يبدو أن السياسيين ومديري الكليات يعتقدون بأن الفيلم يعزز الصورة المجازية المعادية للسامية بأن اليهود يسيطرون على وسائل الإعلام لأنه يوثق أن وجهات النظر المؤيدة لإسرائيل تفوق بكثير وجهات النظر المؤيدة للفلسطينيين في وسائل الإعلام الرئيسية، والمشكلة في هذا الادعاء هي أن الفيلم يوضح أن اختلال التوازن لا علاقة له بنوع ما بالمؤامرة اليهودية، بل إن له علاقة بالميل العام لوسائل الإعلام الخاصة بالشركات إلى تضخيم الادعاءات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين، بدلاً من التشكيك فيها، وبالمثل، عندما يتم فحص كيف يساعد اللوبي المؤيد لإسرائيل في بناء الدعم الشعبي لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل، فإنه يصرح بأن هناك عناصر رئيسية في اللوبي ليست حتى يهودية، بما في ذلك الجماعات الإنجيلية اليمينية مثل المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل، ويشير إلى المصالح القوية الأخرى التي تشكل التغطية الإعلامية، مثل المجمع الصناعي العسكري، لذلك فالفيلم يمثل دحضًا للفكرة المعادية للسامية المتمثلة في سيطرة اليهود على وسائل الإعلام.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف المخرج جيريمي إيرب أنه عندما يستخدم السياسيون ومديرو الكليات تهمة معاداة السامية كسلاح لإسكات الأصوات المؤيدة لفلسطين، فإن ذلك يهدف أيضًا إلى إسكات عشرات الآلاف من اليهود الأمريكيين المناهضين للصهيونية الذين تحدثوا بشجاعة ضد الاحتلال منذ سنوات، وفي الواقع، فإن تسعة من أصل 16 منتقدًا للسياسة الإسرائيلية في الفيلم هم يهود إسرائيليون وأمريكيون، وبعضهم كانوا أطفالًا ناجين من المحرقة يدينون صراحة استخدام معاداة السامية والمحرقة كسلاح لتبرير معاملة إسرائيل الوحشية للفلسطينيين، وبدلًا من الاعتراف بأي من هذا والتعامل مع الجوهر الفعلي للفيلم، فإن السياسيين ومديري الكليات يفضلون التشهير لإخافة الناس وإبعادهم عن مشاهدته.
وتساءلت المجلة حول نوع التأثير الذي يمكن أن يحدثه رد الفعل هذا، ورد غالي بأن هذه الهجمات تهدف إلى التأكد من أن الناس يعرفون أن هناك ثمنًا يجب دفعه مقابل انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، وقد شكلت الحكومة الإسرائيلية الآن فريق عمل لاستهداف الجامعات الأمريكية وترهيب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإداريين لإجبارهم على الصمت، وانضم الكونغرس أيضًا إلى ذلك، فعقد جلسات استماع واستجواب مديري الجامعات بشأن الاحتجاجات الطلابية في جامعات رفيعة المستوى مثل هارفارد وكولومبيا، وهو يعلم تمام العلم أن ذلك سينتشر وينشر الخوف عبر مؤسسات أخرى، وبهذا المعنى، فإنه مصمم لخلق مناخ من الخوف والقضاء على حرية التعبير عن الأفكار، وهناك منطق وراء ذلك، فالجامعات هي واحدة من آخر الأماكن المتبقية التي يوجد بها أي نوع من النقاش وتنوع الآراء حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية، لذلك يجب أن يتم إسكاتها.
وأكد إيرب أنه من الصعب عند مشاهدة جلسات الاستماع هذه في الكونغرس أن لا تفهم أن الأمر كله يتعلق بغرس الخوف في أي شخص يفكر حتى في التحدث علنًا عن الحقوق الفلسطينية، والمدهش هو تنامي حركة الشباب الذين يقاومون حملات الترهيب هذه ويرفضون التراجع. إن الاحتجاجات المتصاعدة خلال الأيام القليلة الماضية في كولومبيا وجامعة جنوب كاليفورنيا وجامعات أخرى هي علامة واضحة على أن الشباب يحصلون على أخبارهم من مصادر مختلفة تمامًا عن الأمريكيين الأكبر سنًا، إنهم موجودون على وسائل التواصل الاجتماعي ويرون هذه الفظائع تتكشف في غزة في الوقت الحقيقي، لذلك فإن لديهم إحساسا أكثر دقة وعمقًا بعنف الإبادة الجماعية الذي تدعمه الحكومة الأمريكية بنشاط. وهذا يجعل من الصعب عليهم أن يصمتوا.
واستفسرت المجلة من صناع الفيلم حول ملاحظاتهم على ما تفعله وسائل الإعلام منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بناءً على خبرتهم في كيفية تشكيل وسائل الإعلام للسرد الإسرائيلي الفلسطيني، فأوضح غالي أنه كما يُظهر الفيلم، فقد تمكن المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون من بث الدعاية المؤيدة لإسرائيل بشكل روتيني عبر وسائل الإعلام الرئيسية دون أي نوع من المعارضة أو النقاش الحقيقي لعقود من الزمن.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر؛ كانت الدعاية المؤيدة لإسرائيل نشطة؛ حيث أظهرت عدد من الدراسات تحيزًا ثابتًا مؤيدًا لإسرائيل في الصحف الكبرى وبرامج البث الإخبارية، ما سمح للدعاية الفظيعة مثل قصص الأطفال المقطوعة الرأس التي تم فضح زيفها بالانتشار دون تحدّ، وقام أيضًا صحفيون في "سي إن إن" و"نيويورك تايمز" بتسريب مذكرات وإصدار بيانات مجهولة المصدر تنتقد القيود التحريرية المفروضة على تقاريرهم، وتنتقد الضوابط الصارمة على أنواع اللغة المسموح لهم باستخدامها، وتتحدث عن كيفية تأثير هذه القيود والضوابط على تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وخلق ميل ساحق مؤيد لإسرائيل.
وتابعت ألبر قائلة إن هذه هي نفس أنماط الدعاية التي حللتها الأفلام منذ سنوات عندما يتعلق الأمر بالحروب التي تشنها الولايات المتحدة أو بدعم أمريكي، من فيتنام إلى العراق.. أولاً، لم تكن هناك تغطية مستدامة لدور الولايات المتحدة في القتل الجماعي الذي ارتكبته إسرائيل ضد الفلسطينيين، وبدلاً من ذلك، تم التركيز على أن الولايات المتحدة تبذل كل ما في وسعها للمساعدة في حماية المدنيين الفلسطينيين وكبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن مدى تواطؤ الولايات المتحدة في الفظائع الإسرائيلية في غزة هو مخفي عن الأنظار في الغالب.
وبالمثل، وتماشيًا مع التغطية الإعلامية للحروب الأخرى التي دعمتها الولايات المتحدة في الماضي، فقد وُصف مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين مراراً وتكراراً بأنه "غير مقصود" و"مؤسف" بدلاً من أن يكون نتيجة متوقعة تماماً لإسقاط إسرائيل عشرات الآلاف من القنابل الأمريكية الصنع على المراكز المدنية في غزة، لذا فالنتيجة هي سرد إعلامي مهيمن يخبر الأمريكيين بأن حياة الإسرائيليين أهم بكثير من حياة الفلسطينيين.
وطرحت المجلة تساؤلًا على صناع الفيلم بشأن دور الطلاب الذين يريدون عرض الفيلم ويخافون من الإدانة، فأجاب غالي بأنه لا يعتقد بأن مسؤولية الطلاب مقاومة الجهود الحكومية لإسكات هذا النوع من حرية التعبير والنقاش والاحتجاج الذي يمثل شريان الحياة للجامعات الأمريكية، بل إنها مسؤولية أولئك الذين يشغلون مناصب قيادية وسلطة في هذه الجامعات؛ حيث يجب على الإداريين وأعضاء هيئة التدريس، بغض النظر عن سياساتهم، أن يبذلوا كل ما في وسعهم لخلق بيئة تعليمية يشعر فيها الطلاب بالحرية في مناقشة هذه القضايا وطرح أسئلة صعبة حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وفي ختام التقرير؛ أكد إيرب أن هذا هو كل ما يدور حوله الفيلم بالأساس؛ إزالة كل التشوهات والأساطير والمرشحات الأيديولوجية التي شوهت فهم الناس للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وضرورة تكافؤ الفرص أمام الأصوات الفلسطينية حتى يكون لدينا السياق والمعلومات التي نحتاجها لاتخاذ قرار بشأن الدعم الأمريكي لإسرائيل.