نشرت صحيفة "
فزغلياد" الروسية تقريرًا تحدثت فيه عن اقتراح مجلس الدوما الانسحاب من اتفاقية الحدود البحرية للاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، المعروفة باتفاقية بيكر شيفردنادزه التي بموجبها تم ترسيم المياه في مضيق بيرينغ بين
روسيا والولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الاتفاقية تعرضت لانتقادات أكثر من مرة منذ توقيعها. وعلى الرغم من اعتبارها غير متكافئة من قبل الكثيرين، إلا أن موسكو لا تزال تلتزم بأحكامها.
وتضيف الصحيفة أن الوثيقة الموقعة سنة 1990، ترسم مضيق بيرينغ بين الولايات المتحدة وروسيا، وتعد علامة فارقة مهمة في تحديد الحدود البحرية للدولتين. وقد نصت الاتفاقية على مجالات المصالح الاقتصادية لواشنطن وموسكو وحددت مساحة الجرف القاري لكل جانب. من جانبها، اقترحت عضوة لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما روزا كيميريس مراجعة الاتفاقيات البحرية مع الدول الغربية. وأيدت قبل ذلك الانسحاب من اتفاق مماثل مع لندن، وهي الاتفاقية التي سمحت للصيادين البريطانيين بالصيد قبالة سواحل شبه جزيرة كولا. وقد تم التأكيد على أن الوثيقة "ذات توجه أحادي الجانب في الغالب، لا تستفيد منها روسيا".
اظهار أخبار متعلقة
في المقابل؛ فإنه لن يترتب على إلغاء المعاهدة عواقب خطيرة على صعيد السياسة الخارجية والاقتصاد، حيث قررت بريطانيا في سنة 2022 إنهاء نظام الدولة الأكثر رعاية في التجارة الثنائية فيما يتعلق بموسكو. ومع ذلك، فإن الإلغاء المحتمل لاتفاقية شيفرنادزه بيكر خطوة مهمة نحو مراجعة وضع المياه الإقليمية للبلاد.
وذكرت الصحيفة أن واضعي المعاهدة اتخذوا الاتفاقية الروسية الأمريكية لسنة 1867، التي أبرمت في ما يتعلق ببيع ألاسكا وجزر ألوشيان إلى الولايات المتحدة كحجر أساس.
وبموجب الاتفاقية؛ فإنه أصبح جزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية بمساحة 23.7 ألف كم مربع تابعًا لواشنطن، وكذلك قسم من الجرف القاري بمساحة 46.3 ألف كم متر مربع في بحر بيرينغ المركزي المفتوح، على مسافة تتجاوز الـ200 ميل بحري من خطوط الأساس.
وتنقل الصحيفة عن المترجم السابق لغورباتشيف، بافيل بالاتشينكو، الذي كان متواجدًا في مفاوضات شيفرنادزه أنه لم يتبق تحت سلطة موسكو سوى 4.6 ألف كم مربع، وقد حصل الاتحاد السوفييتي على تعويض وفرصة للصيد في بعض المناطق الأخرى. وقد وضح بالاتشينكو أن اتفاقية 1990 لم تخضع للمصادقة.
وتابع بالاتشينكو: "لم يؤكد مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية ولا البرلمان الروسي صحة الوثيقة". ومع ذلك، فإنه بعد مرور 30 سنة على انهيار الدولة الاشتراكية، التزمت روسيا بالاتفاقية الموقعة، على الرغم من انتقاد شروطها أكثر من مرة.
وبالعودة إلى سنة 2002، فإنه اقترح ميخائيل مارغيلوف، الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس اللجنة الدولية لمجلس الشيوخ، إبرام اتفاقية جديدة خلال المفاوضات مع السفير الأمريكي ألكسندر فيرشبو، وهو ما رفضه الدبلوماسي الأمريكي، معتبراً أن الوثيقة تخدم مصالح الجانبين.
وبعد مرور عام، أعلنت غرفة الحسابات في مجلس الدوما أن الاتفاق لا يتوافق مع مصالح روسيا في مجال مصايد الأسماك. وذكر تقرير المشروع المشترك أنه في الفترة بين عامي 1991 و2002، كان من الممكن أن تصطاد روسيا ما بين 1.6 و1.9 مليون طن من الأسماك في المياه التي فقدت فيها حقوق الصيد.
اظهار أخبار متعلقة
بعد ذلك، لم تستأنف مناقشة الاتفاقية إلا في خريف سنة 2019، عندما اعتبر السيناتور عن كامشاتكا بوريس نيفزوروف أن الاتفاقية يجب أن تصب في مصلحة الجانب الأمريكي. ووفقًا له، فقدت موسكو الفرصة لإنتاج أكثر من 500 ألف طن من الأسماك وسرطان البحر سنويًّا.
وتتباين آراء الخبراء بشأن الانسحاب من اتفاق شيفرنادزه وبيكر. ففي حين يؤيد البعض هذه الخطوة، مشيرين إلى أن إلغاء الوثيقة سيسمح لروسيا بالحصول على أفضليات اقتصادية كبيرة؛ فإن آخرين يعتقدون أن هذا سيخلق المزيد من المشاكل في الحوار مع واشنطن.
وتنقل الصحيفة عن السيناتور الروسي كونستانتين دولغوف، قوله إن "الانسحاب من هذه المعاهدة أمر ممكن تمامًا في ظل الحقائق الجيوسياسية الحالية. ومع ذلك، فإنه لا ينبغي إجراء مثل هذه المراجعة المهمة للاتفاقية إلا بعد دراسة متأنية لإيجابيات وسلبيات مثل هذا القرار رغم أن موسكو تواجه خسائر بسبب استحالة الصيد في جزء من أراضي مضيق بيرينغ".
وتابع دولغوف قائلًا إن "رفض الامتثال لشروط الوثيقة من شأنه التوسيع بشكل كبير من القدرات اللوجستية الروسية. وعليه، فإنه من خلال التخلي عن التنازلات التي قدمت في التسعينيات، يمكن لروسيا الاستفادة من ذلك".
ويضيف دولغوف: "وصلت العلاقات مع الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها تاريخيًّا. لقد توقف الحوار بينهما، ما يعني أن إضافة خلاف آخر لن يؤثر بشكل كبير على الاتصالات. ومع ذلك، فإنه ينبغي إدراك أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء حرمانها من دخل كبير".
وتابع دولغوف قائلًا: "لا أستبعد أن تكون الولايات المتحدة قادرة على اتخاذ إجراءات انتقامية بسبب انسحاب روسيا من الاتفاق. من المهم التوقع مسبقًا القيود التي قد يفرضها البيت الأبيض".
وتنسب الصحيفة إلى أستاذ القانون الدولي في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية ديمتري لابين أنه لا يمكن الانسحاب من هذه الاتفاقية لأنها لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد التصديق عليها، حتى لو التزم الطرف بشروط هذه الوثيقة. ولذلك فإنه لا يمكن لروسيا إلا إصدار بيان تعلن فيه عزمها على عدم الموافقة على الاتفاق.
وأضاف لابين: "بشكل عام، تكرر هذه الوثيقة الحدود التي حددتها اتفاقية سنة 1867 لبيع ألاسكا وجزر ألوشيان. ومع ذلك، فإنه في اتفاقية سنة 1990، تنازلت روسيا عن جزء من أراضيها للأمريكيين، ما تسبب لاحقًا في العديد من النزاعات في روسيا. وبناء على ذلك، فإنه إذا أعلنت روسيا عدم التصديق، فإن ذلك يعني مطالبات بهذه الأراضي، والتي يمكن أن تكون مورًدا قيمًا للغاية كونها تحتوي على ثروات لا توصف، بما في ذلك الموارد الحيوية وموارد الطاقة. ولذلك فإن التسوية مع الولايات المتحدة بشأن هذه القضية تثير انتقادات كبيرة".
واعتبر لابين أنه لا جدوى من الموافقة على الاتفاقية الآن نظرًا لعدم المصادقة عليها سنة 1990 ومراعاة جميع الدول مصالحها الوطنية، مشيرًا إلى أنه عندما تصبح العلاقات مع الولايات المتحدة بناءة أكثر فإنه يمكن مناقشة هذه القضية مرة أخرى.
وفي ختام التقرير، نوه لابين إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة التعامل مع هذا القرار بتروّ لأن معاقبة روسيا وفرض عقوبات عليها بسبب رفضها المعاهدة أمر لا معنى له، ولن يؤدي إلى النتيجة المرجوة في واشنطن.