كتاب عربي 21

وانتصرنا في لاهاي!

سليم عزوز
يتحدث الكاتب عن "ازدواجية مقيتة" في قرارات المحكمة- جيتي
يتحدث الكاتب عن "ازدواجية مقيتة" في قرارات المحكمة- جيتي
دولة جنوب أفريقيا "ليست مغسّلا وضامن جنة"، كما يقول المثل المصري!

فقد كفّت ووفّت عندما تقدمت يوم أن تراجعت الدول العربية، وتصدت عندما التقى الجمعان، وتقدمت بدعواها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، فعرّت إسرائيل وكشفت حقيقتها للناس كافة، ومن خلال هيئة دفاع كانت على مستوى هذه القضية الكبيرة، وفي سابقة هي الأولى من نوعها يتم جر الكيان إلى القضاء الدولي، الأمر الذي لم تجرؤ على فعله أي دولة عربية أخرى، لا من دول الانبطاح، ولا من دول الصمود والتصدي سابقا!

ومع هذه الخطوة التي تُذكر فتُشكر، فإن الحكم (المؤقت) الذي أصدرته المحكمة المذكورة لم يكن على مستوى الآمال العريضة، وإذ رددت المحكمة الاتهام بالإبادة الجماعية التي قام بها جيش الاحتلال وحرّض عليها الدعاة الإسرائيليون، فقد كانت خيبة الأمل أنها لم تنطلق من الإدانة إلى الحكم الرادع، ولكنها بدت تدشن في حيثياتها لمقال رأي، لا يلزم إصدار حكم ولو في الشق المستعجل بوقف الحرب، ولا معنى لـ"هرتلة" البعض بأن المحكمة لم تفعل لأنها إزاء حركة (يقصدون حماس) على قوائم الإرهاب، فكيف يخاطبها حكم قضائي من محكمة معتبرة؟!

لعل كثيرين قد رحبوا بالحكم باعتباره انتصارا للحق العربي، في الوقت الذي رأينا فيه ازدواجية مقيتة، عندما تصدر ذات المحكمة حكمها بإلزام روسيا بوقف الحرب على أوكرانيا ولا تقضي بالأمر ذاته في قضية مشابهة، واكتفت ببيان سياسي وإجراءات تستهلك الوقت، وتمثل مهلة لإسرائيل لاستكمال إجرامها، وكل دقيقة تمر بدون وقف للحرب تزهق فيها عشرات الأرواح، وتزيد من محنة أهل غزة المشردين في الأرض، في عز الشتاء، وتحت الأمطار، ولا يجدون ما يسد جوعهم!
ولأنها "هرتلة"، فالعدوان والاجتياح هما من جانب الجيش الإسرائيلي لغزة وعليها، ومن ثم فإن الأمر بوقف الحرب يعني وقف هذا العدوان والقصف للبشر والحجر، وهو ما تطلبه الحركة، وبالتالي فلن تستمر منفردة في إطلاق صواريخها!

بيد أن هذه "الهرتلة"، وغيرها، هي اجتهاد عربي خالص، يرى أن التقليل من قيمة حكم المحكمة المذكورة يمثل انتفاصا من قدر ما قامت به دولة جنوب أفريقيا. ولعل كثيرين قد رحبوا بالحكم باعتباره انتصارا للحق العربي، في الوقت الذي رأينا فيه ازدواجية مقيتة، عندما تصدر ذات المحكمة حكمها بإلزام روسيا بوقف الحرب على أوكرانيا ولا تقضي بالأمر ذاته في قضية مشابهة، واكتفت ببيان سياسي وإجراءات تستهلك الوقت، وتمثل مهلة لإسرائيل لاستكمال إجرامها، وكل دقيقة تمر بدون وقف للحرب تزهق فيها عشرات الأرواح، وتزيد من محنة أهل غزة المشردين في الأرض، في عز الشتاء، وتحت الأمطار، ولا يجدون ما يسد جوعهم!

وإذ نشكر دولة جنوب أفريقيا، فلا يلزمنا الاعتراف بجميلها أن نمنح المحكمة أوسمة لا تستحقها، واعتبارا تفتقده! فدولة جنوب أفريقيا "ليست مغسّل وضامن جنة"!

"واشنطن إذ ترمي بلاها":

الكلام الكبير عن السياسة وضوابط ممارستها، والنظرية السياسية وما إلى ذلك، وقواعد العلاقات الدولية، كل هذا لا وجود له على أرض الواقع، فوجوده بين دفات الكتب المتخصصة في المجال، وفي قاعات الدرس!

وإذ تُضرب الأهداف الأمريكية في المنطقة، ومن التعرض لسفنها في البحر الأحمر، إلى الهجوم على قواعدها في الحدود الأردنية السورية، فإن واشنطن تحمّل إيران المسؤولية، باعتبار الجناة سواء في اليمن أو في العراق يأتمرون بأمرها، وردت الخارجية الإيرانية بأن حلفاءها يتصرفون باستقلالية وليس بأوامر منها، انحيازا منهم للقضية الفلسطينية!

هذا الأداء البدائي من أقوى دولة في العالم، ذكرني بالوساطة التي طُلبت مني في خلاف بين أبناء عمومة (هما أبناء عمومة وأنا مجرد صديق لهما)!
بدلا من أن ترمي واشنطن بلاها على إيران، وتكرمها بهذا الادعاء، فعليها أن تقوم بمراجعات لسياستها في الشرق الأوسط، فالفوضى التي رعتها في المنطقة، ومن اليمن، إلى العراق، فضلا عن حمايتها الجائرة للإجرام الإسرائيلي، ستعرض مصالحها للخطر، ومن تنظيمات لم تكن لتنشأ في وجود الدولة القوية، وكأن الدولة الحديثة أنشئت لحماية المصالح الاستعمارية

اشتكى أحدهما بأن قريبه الموظف في إحدى المؤسسات المحلية قام بتحرير محاضر له، وأوقع عليه غرامات باهظة، ومع كيل الاتهام كان الآخر صامتا لا يتكلم البتة، وهو صمت أدهشني، فحتى الاعتراف بصحة ما قيل يلزمه بذكر المبررات دفاعا عن نفسه، ولن يعدم دفعا يبديه!

فلما سألته لماذا لا يدافع عن نفسه؟ قال إنه (يقصد قريبه) يعلم تماما أنني لم أفعل، وتحرير المحاضر ليس من اختصاصي، ثم إنه يعلم تمام العلم من حرر المحضر وفرض الغرامات، وهو بتوجيه الاتهام له يبتزه حتى يتدخل لدى زميله في العمل فيتراجع عن ما فعله لإثبات براءته، وليس في نتيه ذلك، فدعه يتهم بما شاء!

ما تفعله واشنطن بجلال قدرها، لا يخرج عن هذا السلوك لهذا المدعي البسيط الذي لم يخرج من بلدته في الصعيد (الجواني)؛ إنه رمي البلاء.. كما يقولون، ويحذف العامة الهمزة الملقاة على الأرض، ليس احتراما لها ولكن تخفيفا من حملها فيصبح الوصف "رمي بلا"!

وبدلا من أن ترمي واشنطن بلاها على إيران، وتكرمها بهذا الادعاء، فعليها أن تقوم بمراجعات لسياستها في الشرق الأوسط، فالفوضى التي رعتها في المنطقة، ومن اليمن، إلى العراق، فضلا عن حمايتها الجائرة للإجرام الإسرائيلي، ستعرض مصالحها للخطر، ومن تنظيمات لم تكن لتنشأ في وجود الدولة القوية، وكأن الدولة الحديثة أنشئت لحماية المصالح الاستعمارية!

اشربوا!

ثورة يناير في ذكراها:

ماذا بقي من ثورة يناير؟ هذا سؤال يستحق الطرح، ويستحق الإجابة!

في لقاء تلفزيوني مع الصديق محمد ناصر قبل سنوات، قلت إن يناير هُزمت بيد أنها لم تمت، وطالما تجد من يخوّف منها، وأن هناك من يجعلها شماعة لفشله، فأعلم أنها باقية لم تمت!

من الطبيعي أن نتذكر نحن ثورة يناير لأنها جزء من تاريخنا، لكن من غير الطبيعي أن حاكما يحكم بشكل منفرد منذ عشر سنوات؛ لا تزال هذه الثورة تمثل له هاجسا يؤرقه، فيتحرش بها ويطلق أبواقه الإعلامية لإدانتها، ثم يقبل الدفع بأنها ماتت!

نتذكر نحن ثورة يناير لأنها جزء من تاريخنا، لكن من غير الطبيعي أن حاكما يحكم بشكل منفرد منذ عشر سنوات؛ لا تزال هذه الثورة تمثل له هاجسا يؤرقه، فيتحرش بها ويطلق أبواقه الإعلامية لإدانتها، ثم يقبل الدفع بأنها ماتت!
ثورة يناير تختلف عن انتفاضة الخبز مثلا في كانون الثاني/ يناير 1977، لأنها خرجت من أجل مطالب وانتهت بالاستجابة لهذه المطالبة، فلم يكن نزول الجيش وحده وقمعه لها هو الذي أنهاها. فهذه الانتفاضة لم ترفع مثلا مطلب إسقاط حكم السادات، ولم تطعن في شرعيته، لذا فتم تجاوزها سريعا؛ تجاوز السادات ما أسماه بثورة التصحيح بمجرد طي ملف مراكز القوى وسجنهم، ولم يعد يتذكرها سوى الكاتب الصحفي موسى صبري في كل عام، لأنه تحمس لها ويرى أن انحيازه للسادات فيها هو أحد إنجازاته، لا سيما مع تردد هيكل في خوض الحرب إلا في وقت متأخر!

ثورة يناير ضربت في شرعية الحكم، وحققت إنجازها بعزل مبارك، وإذا كان قد تم الالتفاف عليها بالاستعانة ببعض أبنائها، وجاء من يحكم حكما عسكريا عضوضا، فلا هم نسوا أنهم عزلوا مبارك، ولا الحاكم الجديد نسي ذلك، لذا فإنه دائم التحرش بها، لأنها لم تمت!

ومع كل فشل، فإنه يذكر ما يصفه بالخراب الذي أحدثته يناير، لأن يناير مع الهزيمة التي مُنيت بها لا تزال حية، فقد عرف المصريون معنى السيادة للشعب، وتحقيق الهدف بعزل الرئيس!

ستطوى صفحة الثورة عندما يستقر الحكم، ولا يتم التذكير بها من جانب رأس السلطة ورجاله، ويوم أن يخرج آخر معتقل سياسي، لأن الحاكم لا يخشى من الثورة عليه!

بدون ذلك فيناير لم تمت!

twitter.com/selimazouz1
التعليقات (0)