نشرت مجلة "فورين بوليسي"، مقالا لِأستاذ الصحافة في جامعة كولومبيا، هوارد فرينش، قال فيه "إنه بعد وقت قصير من بدء الحرب على
غزة، والتي جاءت ردا على العملية التي قامت بها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، زعمت الحكومة الإسرائيلية أن استهدافها لمستشفى كبير في الشمال كان مبررا بسبب وجود قاعدة قيادة سرية مهمة يحتفظ بها أعداؤها هناك".
وأضاف فرينش، في المقال، إنه "حتى بعد فترة طويلة من تحويل الجزء الأكبر من شمال
قطاع غزة إلى أنقاض وإخضاعه لسيطرة الجيش الإسرائيلي، لم تتم مشاركة أي دليل على وجود أي شيء يشبه قاعدة عمليات كبرى مع العالم".
وتابع بأنه في الأسابيع التي تلت ذلك، ومع تقدم هجوم الاحتلال الإسرائيلي جنوبا، تضاعفت التقارير، عن وقوع إصابات واسعة النطاق بين الفلسطينيين. اعتبارا من آخر إحصاء، تم تحديد عدد الشهداء بما يزيد عن 22000 وما زال في تزايد.
ومع ذلك، شكك المتحدثون الإسرائيليون طوال الوقت في هذه الحسابات، قائلين إن الأرقام الحقيقية غير معروفة، وأشاروا إلى أن "الأرقام المعلن عنها غير موثوقة لأن مصدرها الرئيسي هو وزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس. وحتى الرئيس الأمريكي، جو
بايدن، عزز هذا النوع من الشكوك عندما قال إنه ليس لديه أي فكرة عن أن الفلسطينيين يقولون الحقيقة".
وعلق الكاتب أنه ومنذ ما يقرب من شهر، جاءت أنباء من تقرير، نشر في مجلة "لانسيت"، وهي واحدة من المجلات الطبية الأكثر احتراما في العالم، مفادها أن مجموعة من الباحثين لم يعثروا على أي دليل على أن إحصاءات الوفيات مبالغ فيها.
وقال "باعتباري كاتب عمود، شعرت بالانجذاب القوي المتزايد للموضوعات الأخرى. هناك الحرب الأهلية المستمرة في السودان، والتي من شبه المؤكد أنها مأساة أسوأ من غزة من حيث الخسائر في الأرواح. كما كان هناك انتخابات مهمة الشهر الماضي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي واحدة من أهم بلدان أفريقيا ومنطقة أمضت العقود القليلة الماضية ضائعة بلا هدف".
وتابع: "هذا النوع من الأشياء الذي لا يتم الكتابة عنه بشكل روتيني هو ما جذبني إلى كتابة الأعمدة في المقام الأول. وإذا لم يتم إهمالها تماما، فهناك انتخابات ذات أهمية كبرى على وشك أن تعقد في تايوان، وقد تساعد نتائجها في تحديد الحرب العالمية والسلام على مدى العقد المقبل على نحو لا يتناسب على الإطلاق مع حجم تلك الجزيرة الصغيرة. وفي أمريكا الجنوبية، التي كثيرا ما يتم تجاهلها أيضا، هناك طمع فنزويلا العلني على نحو متزايد في الأراضي الغنية بالنفط في جارتها غيانا، والانتخابات الرائعة التي جرت مؤخرا في الأرجنتين".
وأردف: "مع ذلك، فمن الخطأ أن نحول أنظارنا بعيدا عن الأحداث الجارية في غزة قبل الأوان. إن القيام بذلك من شأنه أن يسهل مهمة المتلاعبين من كل جانب ويزيد من قسوتنا تجاه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أنه: "مع استمرار الصراع وتصعيد إسرائيل ضغوطها العسكرية على غزة، وجدت نفسها في موقف دفاعي على جبهات أخرى، وأبرزها جبهة الرأي العام العالمي، مع عزلة الولايات المتحدة بشكل متزايد باعتبارها واحدة من الدول القليلة المستعدة لتصديق الرواية الإسرائيلية عما يحدث على الأرض هناك، وعلى استعداد للدفاع عن تصرفات إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تتزايد أسباب الشك في تفسيرات إسرائيل لاستراتيجيتها وأفعالها".
واستدرك قائلا: "في أوقات مختلفة، أصرت إسرائيل، على سبيل المثال، على أنها حرصت كثيرا في استهدافها على تقليل الوفيات بين المدنيين والأضرار التي لحقت بالمساكن والبنية التحتية الأساسية. حتى بالنسبة لغير الخبراء، كلما مر الوقت، أصبح من الصعب التوفيق بين هذا وبين ما تخبرنا به أعيننا، حيث ظهرت الصور لتظهر ما يبدو وكأنه ضرر على مستوى مدينة دريزدن لمساحات واسعة ومكتظة بالسكان من المنطقة ولكن تبلغ مساحتها ضعف مساحة واشنطن العاصمة".
وتابع: "حيث كانت المباني السكنية قائمة ذات يوم، لم يعد هناك الآن سوى أكوام من الركام، حيث يُترك أفراد الأسر الحزينة والأيتام للبحث فيه بأيديهم العارية بحثا عن أي بقايا من حياتهم القديمة يمكنهم استعادتها".
وأضاف: "بعد مرور ثلاثة أشهر على الحرب، أثارت التقارير المفصلة عن الدمار في غزة تساؤلات حول فكرة أن إسرائيل اتخذت احتياطات جدية على الإطلاق. لقد كشف تقييم استخباراتي أمريكي مؤخرا أنه، على الرغم من ترسانة إسرائيل عالية التقنية، فإن الكثير من أسوأ الدمار الذي حدث في غزة حتى الآن كان نتيجة للذخائر غير الموجهة (أو "الغبية") التي قدمتها الولايات المتحدة، والتي شكلت ما يقرب من نصف القنابل من أصل 29000 قنبلة ألقيت على غزة حتى تلك اللحظة من الصراع".
واسترسل: "ظهرت مشاكل مماثلة في رواية إسرائيل عن هجومها مع ادعاءاتها بأنها تجنبت بشكل عام مهاجمة ما يسمى بالمناطق الآمنة داخل الجيب حيث طلبت من ملايين النازحين من سكان غزة التحرك من أجل البقاء بعيدا عن الأذى. وتحققت شبكة سي إن إن في كانون الأول/ ديسمبر من أن الجيش الإسرائيلي نفذ ثلاث غارات جوية ضد هذه المناطق".
ويقول فرينش: "أكتب هذه الأشياء بسبب الشعور المتزايد بالخوف من هذا الصراع. وهذا الشعور ليس فقط ما يبدو لي خوفا مبررا من استمرار ارتفاع أعداد الضحايا في غزة بقوة في الأسابيع والأشهر المقبلة، بل وأيضا أن العالم أصبح، وربما على نحو متوقع، معتادا على هذه المأساة".
ويضيف: "أما خوفي الكبير الآخر فهو أن الضجر المتزايد من اليأس الظاهري للوضع في غزة لن يؤدي إلا إلى دفع الأمور نحو أسوأ أنواع النتائج. إن أكثر ما يقلقني هو أن الهجوم الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية، مع ما يصاحبه من تضييق على المساعدات الإنسانية وتفاقم انعدام الأمن الغذائي والأزمات الصحية، سيؤدي إلى طرد مُقنّع للفلسطينيين من أراضيهم، ولن ينتج عنه أكثر من مجرد إهمال منهك أخلاقيا من بقية العالم".
اظهار أخبار متعلقة
وتابع: "أقول "مُقنّع" لأن إسرائيل قد تكون قادرة على تنفيذ ذلك دون اعتقال الناس ودفعهم جسديا عبر الحدود مع مصر، التي قالت إنها لن تقبل موجة جديدة من اللاجئين الفلسطينيين. فعند نقطة معينة، يمكن لليأس الناجم عن المجاعة والمرض أن يحقق نفس النتيجة".
وقالت إدارة بايدن، إنها "تعارض طرد الفلسطينيين من قطاع غزة وترفض أيضا فكرة تولي إسرائيل السيطرة السياسية والإدارية على القطاع، لكن سجل فريق بايدن في محاسبة إسرائيل على أي شيء له علاقة بهذه الأزمة فهو ضعيف للغاية، كما أن استعدادها للوقوف في وجه إسرائيل من خلال حرمانها من الدعم العسكري أو السياسي لا يزال يبدو قريبا من الصفر".
اظهار أخبار متعلقة
وأكد أنه "في هذه الأثناء، في إسرائيل، لا يزال هناك نقاش بين المسؤولين الحاليين والسابقين حول هذا النوع من "الحل"، غالبا ما يستخدم تعبير "النقل" الملطف، على الرغم من أن البعض في حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والحكومة الائتلافية قد دعوا صراحة إلى ذلك. تقليص عدد سكان غزة أو حتى نكبة ثانية؛ وهي كلمة عربية تشير إلى التهجير الجماعي للفلسطينيين بعد إنشاء إسرائيل الحالية في عام 1948".
وختم مقاله بالقول: "يتعين على العالم أن يقول لا لهذا الأمر وأن يعني ذلك. إن تطهير الفلسطينيين بشكل جماعي من أراضيهم هو مجرد نوع من "الإصلاح" المغري المظهر، والذي ليس فقط ظالما للغاية، ولكنه لن يؤدي إلا إلى ضمان المزيد من الكراهية والمآسي في المستقبل".