نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن تأثير الحروب السابقة في
غزة على
اقتصاد دولة
الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه قد يبدو من الفاضح تقييم التكلفة المالية المتزايدة للحرب الإسرائيلية في غزة، في حين أن القنابل لا تزال تتهاطل على القطاع المحاصر، ويموت مئات
الفلسطينيين كل يوم. لكن العوامل الاقتصادية التي تقف وراء الهجوم المستمر منذ أسابيع لها آثار قويّة على إسرائيل والفلسطينيين والشرق الأوسط.
وأضافت أنه على الرغم من أن التكلفة التي ستتكبدها غزة مدمرة بشكل واضح، فإنها لم تبدأ بعد في حسابها. فقد تضررت أو دُمرت حوالي نصف المباني وثلثا المنازل في القطاع، وتم تهجير 1.8 مليون شخص ومقتل أكثر من 21 ألف شخص، حسب وزارة الصحة في غزة.
كما تضرّر الاقتصاد الإسرائيلي، ويقارن بعض الاقتصاديين الصدمة التي تعرّض لها الاقتصاد الإسرائيلي بجائحة فيروس كورونا في سنة 2020. ويقول آخرون إن الأمر قد يكون أسوأ، وفقا للتقرير.
وتابعت أنه منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، ارتفع الإنفاق الحكومي والاقتراض، وانخفضت عائدات الضرائب، ويبدو أن التصنيف الائتماني قد يتضرر. ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي من ثلاثة بالمئة في سنة 2023 إلى واحد بالمئة في سنة 2024، وذلك وفقا لبنك إسرائيل. كما يتوقع بعض الاقتصاديين انكماش الاقتصاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن التأثير على قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل مثير للقلق. ويعمل العديد من جنود الاحتياط في جيش الدفاع الإسرائيلي في قطاع التكنولوجيا. وفي كل يوم حرب في غزة، يكافح أصحاب العمل لمواصلة الاستثمار في البحث والتطوير والحفاظ على حصتهم في السوق.
اظهار أخبار متعلقة
من جانبه، قال دانيال هاغاري، المتحدث باسم جيش الاحتلال، إن بعض جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للقتال في غزة سيعودون إلى ديارهم "إلى عائلاتهم ووظائفهم"، على الأقل مؤقتا، مشيرا إلى أن هذا سيسمح بدعم الاقتصاد بشكل كبير".
ولفتت الصحيفة إلى أنه في الوقت الراهن، يتساءل صناع القرار وقادة الرأي حول الكيفية التي ستؤثر من خلالها تكلفة الحرب على مدتها؟ ومتى ستقرر الحكومة (حكومة الاحتلال) إعلان النصر ووقف النزيف المالي واستئناف جهود تنمية الاقتصاد؟.
ما هي تكلفة الحرب؟
قالت الصحيفة إن إسرائيل تنفق أموالا طائلة على نشر ما متوسطه أكثر من 220 ألف جندي احتياطي في المعركة خلال الأشهر الثلاثة الماضية ودعم رواتبهم. والعديد من هؤلاء هم عمال في مجال التكنولوجيا الفائقة في مجالات الإنترنت والزراعة والتمويل والملاحة والذكاء الاصطناعي والأدوية والحلول المناخية.
وحسب الصحيفة، فإن قطاع التكنولوجيا في إسرائيل يعتمد على الاستثمار الأجنبي ولكن كان يتضاءل حتى قبل الحرب، ويعود ذلك جزئيا إلى القلق بشأن عدم الاستقرار الذي يعتقد المستثمرون أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية جلبته إلى إسرائيل - على الرغم من إعلان شركة "إنتل" الأخير المضي قدما في إنشاء مصنع للرقائق بقيمة 25 مليار دولار في جنوب إسرائيل، وهو أكبر استثمار في البلاد على الإطلاق من قبل شركة.
وذكر التقرير أن إسرائيل لا تحتاج إلى دفع تكاليف قوات الاحتياط والقنابل والرصاص فحسب، بل تدعم أيضا 200 ألف شخص من الذين تم إجلاؤهم من القرى الإسرائيلية على طول حدود غزة والحدود الشمالية مع لبنان، والتي يقصفها حزب الله يوميا. ويتم إيواء العديد من هؤلاء الأشخاص الذين تم إجلاؤهم وإطعامهم في فنادق في الشمال والجنوب على نفقة الحكومة، وأغلبهم مصابون بصدمات نفسية وعاطلون عن العمل.
ماذا أيضا؟
وأضافت أن قطاع السياحة شُل، وأصبحت شواطئ "تل أبيب" والبلدة القديمة في القدس خالية من الأجانب، وألغيت احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة. وتوقفت أعمال البناء التي تعتمد عادة على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية. ومنذ أن شنت "إسرائيل" هجومها للقضاء على حماس، قامت بتعليق تصاريح العمل لأكثر من 100 ألف فلسطيني. كما انخفضت الصادرات في جميع المجالات. وتم إغلاق حقول الغاز الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط في وقت مبكر من الحرب ولكنها الآن تعمل جزئيا.
ما هي تكلفة الحرب على إسرائيل حتى الآن؟
أوضح التقرير أن الاقتصاديين الذين أجرت صحيفة "واشنطن بوست" مقابلات معهم، يقدّرون أن الحرب كلفت الحكومة حوالي 18 مليار دولار – أو 220 مليون دولار في اليوم. وأفاد زفي إيكشتاين، نائب محافظ بنك إسرائيل السابق والخبير الاقتصادي في جامعة رايخمان، بأن التأثير على ميزانية الحكومة – بما في ذلك انخفاض عائدات الضرائب – للربع الرابع من سنة 2023 بلغ 19 مليار دولار و من المحتمل أن تصل إلى 20 مليار دولار في الربع الأول من سنة 2024. وذلك على افتراض أن الحرب لن تمتد إلى لبنان، بحسب حديثه للصحيفة.
ماذا سيحدث إذا اندلعت حرب أوسع مع حزب الله؟
في هذه الحالة، أوضحت الصحيفة أن التكاليف سوف ترتفع بشكل كبير.
ما هي التكلفة الإجمالية؟
قالت الصحيفة، إن الحرب التي تستمر من خمسة إلى عشرة أشهر أخرى يمكن أن تكلف إسرائيل ما يصل إلى 50 مليار دولار، وذلك وفقا لصحيفة "كالكاليست" المالية. وهذا يعادل 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وقد تنتهي الحرب عاجلا أم آجلا. وتتوقع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تتحول "إسرائيل" في العام الجديد من القصف المكثف والقتال الشرس في الشوارع إلى هجمات أكثر استهدافا. ولكن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو حذر من أن الحرب "ليست قريبة من الانتهاء"، حيث صرح بأن "الحرب ستستمر لعدة أشهر أخرى".
كيف يتم قياس هذه التكاليف؟
قال يارون زليخة، الأستاذ في كلية أونو الأكاديمية، وهو خبير اقتصادي سابق في وزارة المالية الإسرائيلية، إنه من المهم فهم الآثار المترتبة على الحرب. وهناك تكلفة شن الحرب، والانخفاض الحاد في النشاط الاقتصادي وما نتج عنه من انخفاض في الإيرادات. وينتج عن العجز في الإنفاق تكاليف الاقتراض، التي ستؤثر على الميزانية لفترة طويلة بعد انتهاء القتال، وفقا لـ"واشنطن بوست".
ما هو رأي الإسرائيليين؟
أشار التقرير إلى أن استطلاع للرأي أجرته مجموعة "لاتيت" الخيرية، أظهر أن 45 بالمئة من الإسرائيليين أعربوا عن قلقهم من أن الحرب ستجلب لهم صعوبات اقتصادية. وقال خبراء اقتصاديون للصحيفة إن هجمات حماس كانت كارثية، حيث أدت إلى تآكل ثقة المواطنين والشركات والمستثمرين في الحكومة والجيش. وسوف يستغرق استعادة هذه الثقة وقتا.
كيف يمكن مقارنة حرب غزة الحالية بالصراعات الماضية؟
يتحدث الخبراء الاقتصاديون عن الاقتصاد الإسرائيلي الحديث باعتباره مرنا بشكل ملحوظ. فقد خاضت حروبا إقليمية على أراضيها في سنتي 1967 و1973، وفي لبنان وعلى طول حدودها الشمالية في سنتي 1982 و2006، ومعركة استمرت 50 يوما في غزة سنة 2014؛ وانتفاضتين في الضفة الغربية المحتلة شهدتا قتالا متواصلا بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، حسب التقرير.
اظهار أخبار متعلقة
وقال زليخة، إن "جزءا كبيرا من الضرر في الانتفاضة الثانية كان ناجما عن الإدارة الاقتصادية المضللة. وكان هناك إسراف حكومي كبير في الإنفاق وزيادة ضريبية متزامنة. ولكن الفرق الرئيسي بين ذلك الوقت واليوم هو أنه في ذلك الوقت، بلغ الدين الحكومي 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وليس 60 بالمئة كما هو الحال اليوم".
ما هي التكلفة التي يتحملها العمال؟
قالت الصحيفة إن واجبات الاحتياط والتهجير والآثار غير المباشرة للحرب، أدت إلى تعطيل ما يصل إلى 20 بالمئة من العمال الإسرائيليين.
ونقلت عن ميشال دان هاريل، المدير الإداري لشركة "مان باور إسرائيل"، أكبر وكالة توظيف في البلاد، قوله إن "الاقتصاد الإسرائيلي شهد موجة صدمة مماثلة لذروة جائحة كوفيد-19. لقد توقفت أجزاء كبيرة من الاقتصاد لمدة أسبوعين تقريبا. وكان الناس في حالة صدمة. وكان حجم الأزمة ينكشف كل يوم، وأصبحت المناقشات حول الحياة الطبيعية، مثل العمل أو كسب العيش، غير شرعية تقريبًا".
وأضاف دان هاريل، أن تأثير عمليات نشر جنود الاحتياط كان دراماتيكيا بشكل خاص، لأنه "يتم استدعاء الأفراد دون معرفة متى سيعودون إلى العمل، ولم يتوقع أحد أن يتم تجنيد الأشخاص لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر".
هل يتمتع الاقتصاد بالمرونة الكافية لتحمل الحرب؟
قال إيريل مارغاليت، رجل الأعمال في مجال التكنولوجيا الفائقة وصاحب رأس مال مغامر، إنه "على امتداد السنوات الخمس والعشرين الماضية، واجهت إسرائيل العديد من التحديات" مضيفا أن محاولة حكومة نتنياهو قبل الحرب للحد من سلطة القضاء أضرت بالاستثمار الدولي وتشكل "الحرب ضربة إضافية"، وفقا للتقرير.
اظهار أخبار متعلقة
ما مدى أهمية المساعدات الأمريكية للاقتصاد الإسرائيلي؟
أوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة تقدّم لـ "إسرائيل" دعما عسكريا بقيمة 3.8 مليار دولار سنويا. وتتقاسم الدولتان التكنولوجيا الدفاعية لمنح "إسرائيل" ميزة استراتيجية على خصومها. كما تبيع الولايات المتحدة لإسرائيل قنابل وصواريخ وقذائف بمئات الملايين من الدولارات. ويسعى البيت الأبيض لمشروع قانون تمويل إضافي يتضمن 14 مليار دولار كمساعدة لإسرائيل في مطلع سنة 2024. وقد توقف مشروع القانون في الكونغرس حيث يناقش الجمهوريون والديمقراطيون تمويل الحدود الأمريكية.
ونقلت الصحيفة عن إيتاي أتير، الخبير الاقتصادي في جامعة "تل أبيب" وزميل كبير في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، أن التمويل الأمريكي "حاسم"، مضيفا "نحن نتحدث عن حوالي 50 مليار شيكل. وإذا وصل الإنفاق على الحرب إلى نحو 150 إلى 200 مليار شيكل، فإنه سيشكل ربع تكاليف الحرب. وهذا مبلغ كبير للغاية ويوفر أيضًا للحكومة الأمريكية خيار ممارسة الضغط الدبلوماسي علينا، وهو أمر جيد بالنظر إلى حكومتنا".
وقال زليخة "إذا اضطررنا إلى تمويل الحرب بأنفسنا، فسيشكل ذلك مشكلة أكبر. ثانيا، مجرد تلقي المساعدات يشير إلى الأسواق المالية بأن لدينا دعما اقتصاديا، وهو ما يطمئن الأسواق. نحن بحاجة إلى شكر الرئيس بايدن على هذه المساعدة"، وفقا لما نقلته الصحيفة الأمريكية.