في أعقاب العدوان الإسرائيلي المدمّر على قطاع غزة، ومع انطلاق الحراك الداعم لفلسطين بالجامعات الأمريكية، عاد الموقع الذي يحمل اسم "
كناري ميشن" لجمع معلومات عن الطلاب والأساتذة الذين يدعمون
فلسطين في جامعات
الولايات المتحدة، وكذلك المنظمات الدولية، بما في ذلك وسائل الإعلام، وينفذ حملة للتشهير بهؤلاء الأشخاص والمنظمات، باعتبارها "معادية للسامية".
ولاحق الموقع الطلاب والأساتذة والأكاديميين المشاركين بالمظاهرات والموقعين على البيانات الشارحة للسياق الفلسطيني الذي أدى لـ"طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقام بوضعهم في ما يعرف بـ"القائمة السوداء".
ويتعقب الموقع الناشطين المؤيدين للحقوق الفلسطينية، بتهمتي معاداة السامية وكره إسرائيل وأمريكا، وينشئ لهم ملفات تعريفية، تضم صورهم ومعلومات خاصة عنهم، وتشجّع الناس على معاداتهم ومضايقتهم.
وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد أن اجتمعت التكتلات الطلابية في جامعة هارفارد بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ونشرت رسالة مشتركة في صحيفة الجامعة "هارفارد كريمسون" تدعو للوقوف ضد "إبادة" الفلسطينيين؛ أعد الموقع بعد النشر مباشرةً ملفات شخصية لأعضاء هيئة تحرير صحيفة "هارفارد كريمسون"، وقادة لجنة التضامن مع فلسطين بجامعة هارفارد والأندية الجامعية الأخرى الموقعة على الرسالة، ونشرها تحت عنوان "طلاب جامعة هارفارد يدعمون الإرهاب".
نشأة الموقع
يعود تأسيس موقع "كناري ميشن" الأمريكي لعام 2015، ولم يفصح عن هوية القائمين عليه وعلى عمليات رصد نشاطات الأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية .
ونشر "كناري ميشن" خلال أول ثلاث سنوات أكثر من ألف ملف شخصي عن طلاب ومحاضرين متضامنين مع الفلسطينيين، وشهّر بهم؛ بادعاء أنهم "ينشرون الكراهية ومعاداة السامية". كما رصد صفحات الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وراقب كتاباتهم، ونشاطاتهم ومشاركاتهم، وندد بها.
وقال الصحفي الاستقصائي جيمس بامفورد في مقابلة تلفزيونية، إن وضع أسماء الطلاب والأكاديميين في القائمة السوداء يهدف لإسكاتهم ومنعهم عن التعبير عن رأيهم بما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وشدد بامفورد أن حذف اسم الشخص من القائمة السوداء لاحقا غير ممكن، مضيفا أن وضع أسماء الطلاب والأساتذة بالقائمة السوداء للموقع يؤثر على حياتهم المهنية وفرصهم، وهو ما يحرم العديد من فرص العمل المستقبلية.
من يُغذّي الكناري؟
تصر قيادة التيارات اليهودية الأساسية في الولايات المتحدة الأمريكية على أنها تجهل مصادر تمويل الموقع، غير أن تحقيقا لصحيفة "فورورد" الأميركية كشف أن الموقع يتلقى تمويلاً ودعما ًمالياً ضخماً من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، لا سيما من "الاتحاد اليهودي" في سان فرانسيسكو، الذي يعد من أكبر المنظمات اليهودية وأكثرها تأثيرا.
وأشارت مجلة "ذا نيشن" الأميركية إلى أن موقع "كناري ميشن" يتجسس على الجامعات في الولايات المتحدة، ويعمل لدى وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية وجهاز الأمن (الشاباك).
خنق النشاط المناهض للاحتلالتقول جمعية دراسات الشرق الأوسط في ورقة بحثية أن ما يفعله الموقع ليس جديدا. فمنذ الثمانينيات، سعت الجماعات المناصرة لإسرائيل وسياساتها إلى التأثير على كيفية تدريس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومناقشته في الجامعات، فضلا عن خنق النشاط الطلابي الداعم للحقوق الفلسطينية.
وأضافت أن الأمر الجديد بشأن ما يفعله "كناري ميشن"، أنه يركز على تدمير حياة الطلاب واستهداف الفئات الاجتماعية الضعيفة، في حين يظل من يقوم بعملية
التشهير مجهولا تماما.
وستخدم إسرائيل لاستخباراتها بيانات موقع "كناري ميشن" الذي يقوم بالتشهير بمنتقدي الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومن بينهم يهود، لتمنع بذلك تطور حياتهم المهنية وحصولهم على فرص عمل جيدة ،وينشر الموقع معلومات الناس الشخصية على الإنترنت دون إذن.
وتشمل القائمة الموجودة في الموقع، التنظيمات الطلابية النشطة في الجامعات الأمريكية، بالإضافة إلى العديد من المؤسسات مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، وقناة الجزيرة القطرية.
وعلي الرغم من أن "كناري ميشن" يستهدف في المقام الأول الطلاب والأكاديميين والأشخاص المهاجرين المسلمين والعرب ومن مختلف الأعراق، إلا قائمته للتشهير تضم أيضًا يهودًا يعارضون احتلال فلسطين.
وحتى إن بدت الملفات الشخصية التي ينشرها الموقع عن الأشخاص والمنظمات كأنها تعتمد على معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، إلا أن بعض المعلومات التي ينشرونها تتكون من معلومات خاصة، حيث أن الملف التعريفي في الموقع للطالبة في جامعة ستانفورد، إستر تسفايج، وهي من أصل يهودي يتضمن صورا لها عندما كانت طفلة صغيرة.
ولدى البحث في محرك "غوغل" عن أسماء الأشخاص الذين شهر الموقع بهم، تظهر المعلومات التي يقدمها الموقع اليميني المتطرف.
وأعربت الطالبة تسفايج، في منشور لها عبر منصة "إكس" في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، عن سخطها إزاء التشهير بها.
وقالت: " قررت غوغل أن كناري ميشن هو المصدر الأكثر موثوقية فيما يتعلق بهويتي، وهذا ما يحدث عندما نعتمد على الخوارزميات لكشف الحقيقة".
من جانبها، ذكرت زوي جاسبر الطالبة اليهودية في كلية أوبرلين، وعضوة منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" أنها شعرت بالانزعاج والخوف لدى رؤية ملفها التعريفي في موقع "كناري ميشن".
ولا يزال اسم مؤسس أو مؤسسو الموقع الذي انطلق عام 2014 مجهولا.
ارتباطات سرية مع الاستخبارات الإسرائيلية
في مقالته المنشورة في صحيفة "The Nation" في 22 ديسمبر/ كانون الأول، بشأن أنشطة التشهير التي يقوم بها كناري ميشن، ذكر الصحفي الاستقصائي جيمس بامفورد أنه مثل جميع أنشطة التجسس الإسرائيلية في الولايات المتحدة، فإن ارتباطات الموقع مع الاستخبارات الإسرائيلية والممولين الأمريكيين "سرية تمامًا".
وكشفت صحيفة هآرتس العبرية في تقرير نشرته عام 2018، عن تحويل أموال إلى كناري ميشن عبر منظمة إسرائيلية تدعى "ميجاموت شالوم" (ليس لديها موقع الكتروني أو متحدث رسمي).
وبحسب الصحيفة، فإن منظمة ميجاموت شالوم، المسؤولة عن تمويل الموقع، يديرها جوناثان باش المقيم في مدينة القدس ويمتلك شركة تدعى "رويال ريسيرش"، تقدم خدمات البحث وجمع البيانات.
وذكرت أن باش ولد في الولايات المتحدة وعمل مع الحاخام اليميني المتطرف بين بيكر الذي يعد أحد شركاء منظمة ميجاموت شالوم.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، كشفت صحيفة "فوروورد" المختصة بشؤون اليهود في الولايات المتحدة، أن مؤسسة عائلة هيلين ديلر الأمريكية المدارة من قبل اتحاد الجالية اليهودية في سان فرانسيسكو، تبرعت بمبلغ 100 ألف دولار لموقع "كناري ميشن" عبر "ميجاموت شالوم".
وتم تحويل التبرعات من خلال الصندوق المركزي الإسرائيلي (مقره نيويورك)، الذي يسهّل تحويل عشرات الملايين من الدولارات سنويا إلى منظمات مختلفة في إسرائيل مرتبطة بجماعات يمينية متطرفة ومستوطنات يهودية.
وبحسب هآرتس، فإن الاستخبارات الإسرائيلية تستخدم أنشطة التشهير التي تقوم بها كناري ميشن لتحديد الأسماء التي سيتم منعها من دخول البلاد.
كيف يعمل الموقع
ويستهدف موقع "كناري ميشن" من يرفعون أصواتهم ضد الاحتلال والمجازر الإسرائيلية، عبر 3 أشكال مختلفة، بداية ينشر الصور والمعلومات الشخصية للطلاب والهيئة التدريسية، ويعد ملفات خاصة لكل شخص.
وبعد ذلك، يتم تعريف كل ملف خاص بشخص أو منظمة من خلال إلصاق تهم مختلفة به مثل "معاداة السامية" أو "الوقوف ضد إسرائيل" أو "دعم الإرهاب"، ومحاولات "شيطنة" هذه الملفات الشخصية عبر حسابات معظمها مجهول على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأخيرًا، ينشر الموقع المنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي المتعلقة بالهجوم على الأشخاص الذين شهر بهم، ويدعم أصحابها، حيث إن معظم تلك المنشورات عبارة عن إهانة ومضايقات وحتى تهديدات بالقتل، ما يؤدي إلى خلق ضغوط نفسية على الأشخاص الذين تعرضوا للتشهير.
وفي 26 فبراير/ شباط عام 2018، تم تعليق حساب كناري ميشن على موقع "إكس"؛ بسبب أنشطته على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنتهك معظمها شروط النشر على المنصة، ولكن تم إعادة تنشيطه بعد يومين.