نشر "مركز البحوث الإنسانية والإجتماعية" التركي
مقال رأي للكاتب عبدالله ألطاي تناول فيه تأثيرات "الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي" على السياسات الشرق أوسطية لروسيا والصين.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، تصدرت جرائم الإبادة الجماعية والمجازر التي ارتكبها نظام الاحتلال في
غزة المحاصرة عناوين السياسة العالمية، حيث إن الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لإسرائيل في غزة، تسبب في مقتل أكثر من 10 آلاف مدني، بينهم آلاف الأطفال، أمام أعين العالم، ويشير إلى واحدة من أكبر الشروخ بعد الحرب الباردة.
ويحسب الكاتب؛ فإن نهج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه غزة يمثل خيبة أمل كبيرة للجماهير في الشرق الأوسط، كما أنه وضع أنظمة الحلفاء في المنطقة في مواجهة شعوبهم. كذلك، فإن من المهم تقييم وجود
روسيا، التي تواجه أيامًا صعبة في أوكرانيا، والصين التي توسع نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي، في الشرق الأوسط، من أجل فهم مستقبل النزاعات في غزة ومسألة ما إذا كانت الأزمة ستتحول إلى حرب إقليمية أم لا.
اظهار أخبار متعلقة
الهجمات الإسرائيلية على غزة تخدم المصالح الروسية
وذكر الكاتب أن فريقا من قادة حركة حماس زار موسكو في 26 تشرين الأول/أكتوبر، والتقى خلال زيارتهم مع ميخائيل بوغدانوف، مستشار الرئيس الروسي للشرق الأوسط. ووصفت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الزيارة بأنها "مؤلمة" وأدانتها. وردًّا على ذلك، فقد أكدت موسكو استمرار قنوات الاتصال مع جميع الأطراف.
وبيّن الكاتب أن موسكو تعتبر سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين فرصة يمكن للقوة العسكرية الغربية نقلها من أوكرانيا إلى قوات الاحتلال. من هذا المنظور؛ يمكن للحرب في غزة تحويل انتباه واشنطن وحلفائها الأوروبيين نحو الشرق، ما يوجه دعمهم العسكري نحو الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يمكن أن يمنع إلى حد ما وصول الأسلحة والمعدات العسكرية إلى أوكرانيا.
وتابع الكاتب بأن الحرب في غزة تساهم أيضًا في تعزيز دور روسيا في المنطقة بفضل دعمها لدول الجنوب. ومع انتشار التصادم الروسي-الغربي الأمريكي على نطاق أوسع، أصبحت مواقف الولايات المتحدة والنظام الدولي الذي تؤثر عليه غير عادلة في نظر الدول الأخرى. بالإضافة إلى ذلك؛ تقوم وسائل الإعلام الروسية ببث تقارير تعكس وقوفها إلى جانب الفلسطينيين بوضوح، على عكس الدعاية التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية التي تدعم الاحتلال وتظهر معاناة "المدنيين".
ورأى الكاتب أنه على الرغم من الأحداث السابقة، فستتبع الدبلوماسية الروسية سياسة متوازنة بين المنافسين في الشرق الأوسط، لأن هذا سيزيد أيضًا من مكاسب روسيا؛ التي تريد الحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن موسكو تحتاج إلى أن تظل إسرائيل على الحياد في حرب أوكرانيا، خاصةً من خلال عدم تزويد كييف بالأسلحة المتقدمة ورفض الانضمام إلى العقوبات الغربية.
سيناريوهات وجود الصين وروسيا في المنطقة
وأشار الكاتب إلى أن موقف
الصين من العملية، بصرف النظر عن الرسائل التي تقدمها عبر القنوات الدبلوماسية، يجب تقييمه في سياق المنافسة مع الولايات المتحدة وحلفائها وليس في سياق "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
ومن خلال إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية، وعلى الرغم من أنها أظهرت موقفًا محايدًا في بداية الأزمة عبر استغرابها من هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن الصين اعتمدت في وقت لاحق استراتيجية تؤيد الفلسطينيين وتنتقد إسرائيل، متخذة موقفاً ضد الدعم المطلق من الولايات المتحدة وأوروبا للاحتلال الإسرائيلي.
وأكد الكاتب أن هذا الموقف يؤيد الرؤية التي ترى أنه من الضروري إنشاء نظام عالمي بديل إلى جانب النظام القائم الذي تقوده واشنطن.
وأوضح الكاتب أن الحرب في غزة تمنح الصين فرصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، الذي لطالما كان تحت الهيمنة الأمريكية؛ حيث تهدف بكين - في السنوات الأخيرة - إلى موازنة نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، ولا تستهدف أن يكون هذا التحول في سياستها الخارجية فقط من أجل مصالحها التجارية.
كما أن لدى الرئيس الصيني شي جين بينغ هدفًا أيضًا لتحقيق رؤيته للصين كقائدة للجنوب، الذي يتكون في الغالب من الدول العربية، ووضع نظام دولي جديد لصالح مصالحها في مواجهة واشنطن وحلفائها الغربيين.
باختصار؛ فإن أزمة غزّة أثرت على سياسات المنطقة لدى الصين التي زادت بصمت نفوذها في الشرق الأوسط. فالوجود العسكري المتزايد للولايات المتحدة في المنطقة وسياسات الطاقة لدى دول الاتحاد الأوروبي قد يكونا تطورًا سلبيًا على الخطط الاستراتيجية للصين مثل مبادرة الحزام والطريق، خاصة أن الصين تتبع استراتيجية تمتد عبر السنوات من خلال وساطتها والاستثمارات الاقتصادية التي قد تتجه نحو سياسة أكثر عدوانية في مواجهة سيناريو يمكن أن يؤثر سلبًا على خططها في المنطقة.
فقدان الولايات المتحدة مصداقيتها في المنطقة يعود بالفائدة على الصين وروسيا.
ووفق الكاتب؛ فقد أظهرت حرب غزة أن قضية فلسطين تؤثر بشكل مباشر على العديد من الدول العربية، لذلك فيبدو أنها ستستمر في أن تكون البند الرئيسي في جدول أعمال السياسة الإقليمية.
وأشار الكاتب إلى أن هذا الوضع سيجعل الدول المعنية تركز على إنتاج حلول نهائية ودائمة بدلاً من الحلول القديمة التي تحاول حل المشكلات الجزئية، وسيؤدي هذا الوضع إلى مراجعة دول المنطقة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة والبحث عن حلفاء بديلين مثل روسيا والصين. وبالتالي؛ فإن من المحتمل أن يتطور سيناريوهان محتملان في ما يتعلق بوجود الصين وروسيا في المنطقة، وكلا السيناريوهين سيدعمان مصالح روسيا والصين:
السيناريو الأول: زيادة التوجه نحو العمل المشترك بين دول المنطقة بغض النظر عن أجندة الولايات المتحدة، التي لا تفكر في مصالح دول المنطقة ولا تدعم الاستقرار الإقليمي بالطريقة التي تريدها هذه الدول. لا شك أن الولايات المتحدة لا تزال أقوى قوة في المنطقة، ومع ذلك فإن قدرتها على تشكيل جدول الأعمال الإقليمي آخذة في الانخفاض تدريجيًّا في السنوات الأخيرة. لذلك، فإن أزمة غزّة ستدفع دول المنطقة إلى العمل معًا أكثر لتعزيز مصالحها الإقليمية.
السيناريو الثاني: استمرار دول المنطقة في تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين بدلاً من الدول الغربية، نظرًا لأنها بدائل جديدة في هذه الأزمة التي أظهرت تحيزًا غير مسبوق، فلقد انزعجت الدول العربية من ضغوط الدول الغربية على أهالي غزّة للهجرة إلى الدول العربية. وقد أظهر هذا الوضع أن الغرب لا يهتم بأمن حلفائه، وأنه مستعد لحل مشكلة التركيبة السكانية للاحتلال دون مراعاة مصالح الدول الأخرى، وبالمقابل زادت روسيا والصين من جدية نداءات تحقيق وقف إطلاق النار في غزّة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
في الختام، أشار الكاتب إلى أن موسكو تعتبر الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة فرصة لتوجيه دعم الغرب العسكري من أوكرانيا إلى إسرائيل، بينما تقوم الصين بتقييم هذه الحرب في سياق المنافسة مع الولايات المتحدة بدلًا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبناءً على ذلك، تقدم الصين وروسيا - من خلال حرب غزّة - صورة عن فشل الولايات المتحدة في نظامها الدولي وسياسة الظلم التي تمارسها إسرائيل على دول المنطقة، ما يعرضها على أنها قوة بديلة وداعمة للدول الجنوبية.