نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" مقالا للصحفية روزينا علي، قالت فيه إنه "عندما وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تل أبيب بعد أيام من ’الهجوم الذي نفذته
حماس’ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي راح ضحيتها أكثر من 1400 شخص، فإنه أخبر جمهورا من الإسرائيليين بأن هذا لم يكن مجرد 11 أيلول/ سبتمبر في إسرائيل، بل كان يعادل 11 أيلول/ سبتمبر مضاعفا 15 مرة".
وأضافت الصحفية في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أن المقارنة التي ظهرت على نطاق واسع وعلى الفور، تبدو ملائمة على السطح: هجوم وحشي صدم أمة وغير مسار تاريخها. في الواقع، كان من المذهل أن نشهد السرعة التي تظهر بها نفس الأنماط التي رأيناها بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001. وقد انقطع الحداد على الهجوم الإرهابي بسبب القصف السريع للأحياء المدنية. وسرعان ما وقف المسؤولون والنقاد والشركات الأمريكية مع إسرائيل في حربها على
غزة، والتي تتصاعد حدتها بسرعة يوما بعد يوم.
وتابعت: "في الأسبوع الأول من الحرب، أسقطت إسرائيل من القنابل على غزة أكثر مما أسقطته الولايات المتحدة على أفغانستان خلال عام واحد. لقد تصاعدت أعداد الضحايا المدنيين في غزة بشكل كبير. وفي الضفة الغربية، فإن الصور الأخيرة للفلسطينيين وهم مقيدون ومعصوبو الأعين ومجردون من ملابسهم وسط مزاعم بأنهم يتعرضون لمحاولة الاعتداء الجنسي على أيدي الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، تذكرنا بأبو غريب".
وذكرت كاتبة المقال أنه "في الولايات المتحدة، يبدو الأمر كما لو أن البلاد قد أعادت عقارب الساعة إلى الوراء عقدين من الزمن، ولكن ليس بالطريقة التي يقترحها بايدن. بالنسبة لأولئك الذين عانوا من موجات المضايقات والمراقبة الحكومية في السنوات التي تلت 11 أيلول/ سبتمبر، فإن تعهد الرئيس بتقديم الدعم الثابت لإسرائيل قد أطلق أجراس الإنذار".
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت الصحفية إلى أنها "تحدثت مع محامين ومجموعات مجتمعية ومنظمات مناصرة عملت بشكل وثيق مع المسلمين بعد أيلول/ سبتمبر 2001 حول ما يرونه، موضحة أنها "لم تسمع منذ ذلك الوقت - ولا حتى بعد انتخاب دونالد ترامب الذي وقع على أمر تنفيذي يحظر الزائرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة في غضون أيام من توليه منصبه - كثيرا من أفراد المجتمع المسلم والعربي يقولون إنهم يشعرون بالعزلة. بعد التعايش مع العواقب المدمرة للحرب على الإرهاب، يبدو أن دروس الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر قد نُسيت".
وأضافت أنه "يبدو أن هناك شعورا بالاستسلام، لقد مررنا بهذا من قبل لكننا كنا بهذا الحال من قبل".
وذكرت معدة المقال أنه في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، قامت الحكومة الأمريكية بتفعيل القوة الكاملة لأجهزة الأمن القومي وإنفاذ القانون لمنع وقوع هجوم إرهابي آخر على الأراضي الأمريكية. وقد استهدفت مجموعة معينة: المسلمين في أمريكا. أدت الاعتقالات الجماعية والسجل الوطني للمهاجرين المسلمين إلى ترحيل الآلاف.
وتبين فيما بعد أن مخبري الشرطة، الذين أُرسلوا لمراقبة المساجد والأحياء الإسلامية، كانوا مفرطين في الحماس واتُهموا بإيقاع أشخاص لم يرتكبوا جرائم عنف. وامتد تركيز الحكومة على المسلمين الذين يحتمل أن يكونوا خطرين إلى وسائل الإعلام والمجتمع الأمريكي، وفقا لمكتب التحقيقات الفيدرالي. وارتفعت جرائم الكراهية ضد المسلمين في عام 2001. وعلى الرغم من تباطؤ هذا النمط في السنوات اللاحقة - وقد ارتفعت الاعتداءات مرة أخرى في عامي 2015 و 2016 - إلا أن المعدلات لم تنخفض أبدا إلى أرقام ما قبل عام 2001، بحسب المقال.
وشددت روزينا علي، على أن العديد من المسلمين في الولايات المتحدة يخشون اليوم من اندلاع أعمال عنف جديدة. فبعد أيام من الهجمات في إسرائيل، أعلنت إدارة بايدن أن ضباط إنفاذ القانون المحليين والفدراليين في جميع أنحاء الولايات المتحدة "يراقبون عن كثب" التهديدات المرتبطة بها. وفي غضون أسبوع من 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تم تقديم تقارير متفرقة إلى اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي. وورد في زيارات للمساجد، أن نساء محجبات تعرضن للاعتداء في عدة مدن.
ونوهت إلى أنه بالرغم من أن المجتمعات كانت مستعدة لما سيأتي، فلم يكن أحد يتوقع أن أول جريمة كراهية ستكون مقتل طفل فلسطيني مسلم يبلغ من العمر 6 سنوات، وديع الفيومي، الذي تم نقل والدته إلى المستشفى بعد أن أصيبت هي الأخرى بعدة طعنات.
اظهار أخبار متعلقة
واتهم جوزيف تشوبا، مالك المنزل، بالقتل. (ودفع بأنه غير مذنب). ووفقا لوالدة الصبي، فقد أصبح تشوبا عنيفا بعد أنباء 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وصرخ قائلا: "أنتم أيها المسلمون يجب أن تموتوا"، قبل أن يطعن وديع 26 مرة. أثناء حديثه في جنازة وديع، تساءل الإمام عمر سليمان قائلا: "ألم نتعلم أي شيء من 11 أيلول/ سبتمبر؟ هل نريد حقا أن نعيش تلك السنوات المظلمة مرة أخرى؟".
وتابعت معدة المقال قائلة: "ربما لأن تلك ’السنوات المظلمة’ لم تمر ببعيد، فإن الهجمات مثل تلك التي تعرض لها وديع تبدو كأنها تفتح جرحا بالكاد ينغلق. أخبرني أحد سكان إلينوي أن أفراد المجتمع يخططون الآن لتسيير دوريات لأطفالهم، لا تختلف عن تلك التي بدأتها بعض المساجد بعد انتخاب ترامب. قال لي عابد أيوب، مدير اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز، مؤخرا: هذا بالضبط ما كنا نخاف منه".
وأشارت إلى أن ما حدث للمجتمع المسلم في الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر ـ المراقبة والاستهداف والخوف ـ كان مرتبطا بشكل وثيق بإيمان العديد من الأمريكيين بصحة ما كانت تفعله حكومتنا في الخارج. ومع غزو الولايات المتحدة لأفغانستان أولا ثم العراق، وهما الحربان اللتان جلبتا خسائر فادحة في صفوف المدنيين ومهدت الطريق للفوضى السياسية، تراجعت نظرة عامة الناس إلى المسلمين في أمريكا إلى مستويات منخفضة جديدة.
وذكرت أنه في غضون عام من غزو العراق، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو أن عددا أكبر من الأمريكيين يعتقدون أن الإسلام أكثر ميلا إلى تشجيع العنف من الديانات الأخرى. وبحلول عام 2014، احتل المسلمون المرتبة الأدنى في استطلاع آخر لمركز بيو حول كيفية نظر الجمهور الأمريكي إلى الجماعات الدينية المختلفة. وقد بقي هذا التصور الذي لا أساس له من الصحة في السنوات التي تلت ذلك.
وقالت كاتبة المقال إن الوصول المفاجئ لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أدى إلى تعميق الشكوك حول المسلمين في أمريكا باعتبارهم تهديدا دائما. ومرة أخرى، ظهر الإسلام في ارتباط وثيق بالإرهاب في المخيلة الأمريكية، حيث عززت صور الشخصيات الملثمة التي تنفذ عمليات إعدام مروعة الصور النمطية الملتوية عن المسلمين. إن ظاهرة داعش المتمثلة في المجندين الغربيين تعني أن أي مراهق مسلم ضال يمكن أن يشكل تهديدا، وأنه حتى الأشخاص الأكثر اندماجا لديهم القدرة على أن يصبحوا إرهابيين.
وأضافت أنه منذ أن بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس، فيبدو أن هذه الشكوك التي طال أمدها تتسرب الآن إلى النقاش العام مرة أخرى حول إظهار الدعم للفلسطينيين في غزة، الذين قُتل أكثر من 8000 منهم منذ بدء القصف، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
وشددت على أن العلاقة الزائفة بين دعم المدنيين في غزة والأنشطة الإرهابية لحماس تتجلى في المؤسسات العامة في بلادنا. فمن الحرم الجامعي إلى أماكن العمل، يواجه الناس العقاب بسبب تعبيرهم عن دعمهم للفلسطينيين، وهو ما يُساء فهمه على أنه مناهض لإسرائيل أو مؤيد لحماس. فقد ألغت الشركات عروض العمل، وتم فصل الصحفيين بسبب مشاركة منشوراتهم، وتعرض الطلاب الذين وقعت منظماتهم على بيانات للتشويه علنا. كان حجم قمع التعبير من قبل منصات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الحظر المظلل [دون علم المستخدم] للمنشورات المتعلقة بغزة وحجب الحسابات على إنستغرام، مثيرا للقلق بدرجة كافية لدرجة أن منظمة هيومن رايتس ووتش بدأت في توثيقه.
وتابعت الصحفية قائلة، إن المقارنة بين أحداث 11 سبتمبر وثنائية الرجل الطيب والرجل الشرير يمكن استحضارها بنجاح لأنه لم تكن هناك أي مساءلة تقريبا عن إخفاقات الحرب ضد الإرهاب. وما زاد من سوء التبسيط سوءا الرئيس بايدن، الذي، في نفس الزيارة إلى تل أبيب، التي حذر خلالها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تجنب "الأخطاء" التي ارتكبتها أمريكا بعد 11 أيلول/ سبتمبر، أشار أيضا إلى الفلسطينيين باعتبارهم "الفريق الآخر".
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت إلى أنه لا توجد دعوة من إسرائيل لكسب "قلوب وعقول" الفلسطينيين، كما ادعى جورج بوش الابن أنه يفعل مع العراقيين. ولا توجد دعوة لجلب الحرية إلى غزة، كما قالت الولايات المتحدة إنها تريد أن تفعل في أفغانستان. وبدلا من ذلك، فإنه لم يوجه بايدن اللوم العلني لوزير الدفاع الإسرائيلي لقوله إن بلاده تحارب "حيوانات بشرية".
وفي الداخل، لم يقدم هو وغيره من القادة سوى القليل لتهدئة المخاوف المتزايدة في المجتمع العربي والإسلامي: ففي الأسبوع الماضي عقد اجتماعا خاصا مع القادة المسلمين لم تعلن عنه الإدارة علنا أبدا. وعلى الرغم من أن البيت الأبيض أصدر بيانا في اليوم التالي لمقتل وديع الفيومي، إلا أن الرئيس لم يتصل بأسرة الصبي إلا بعد مرور خمسة أيام، بحسب ما أورده المقال.
واختتمت روزينا علي مقالها بالقول، إن "هجمات 7 أكتوبر لم تحدث على الأراضي الأمريكية، لكن هذه حرب حميمية بالنسبة للعديد من الأمريكيين. وتنتظر بعض العائلات بفارغ الصبر الحصول على قصاصات من الأخبار عن أحبائها الذين احتجزتهم حماس كرهائن. ويبحث آخرون عن أي علامة تشير إلى أحبائهم في غزة، في انتظار العلامة الزرقاء التي تظهر أن رسائل الواتساب الخاصة بهم قد تمت قراءتها من قبل أفراد الأسرة الذين يحاولون البقاء على قيد الحياة وسط القصف شبه المستمر ونقص الغذاء والماء".