مع استمرار العدوان الإسرائيلي على
غزة، تتجه الأنظار إلى
إيران وخياراتها بين التدخل المباشر في حرب طوفان الأقصى و"المجازفة" بتحمل تبعات مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة، وبين الاكتفاء بالتهديدات السياسية دون الانخراط في المواجهات، وهو ما يؤثر سلبا على نفوذ إيران ومشروعها السياسي في المنطقة.
ومع مواصلة قوات الاحتلال اتخاذ الاستعدادات للتوغل البري في غزة، تثار تساؤلات عن الخيارات التي ستتخذها إيران الحليفة والداعمة لفصائل المقاومة
الفلسطينية.
توجيه الأذرع الإيرانية
وسبق أن أكدت إيران أنها لن تدخل الحرب بشكل مباشر ما لم يشن الاحتلال هجوماً عليها أو على مصالحها أو مواطنيها.
ويرى الباحث والخبير بالشأن الإيراني الدكتور محمد عبد المجيد، أن الشرط الذي تحدثت عنه طهران ما زال قائماً، معتبراً أنه "يستحيل أن تتدخل إيران بشكل مباشر، ما لم توجه أمريكا وإسرائيل ضربة مباشرة لإيران وتستهدف مواقع داخل إيران وهو أمر مستبعد للغاية".
وتابع في حديثه لـ"عربي21" أن "إيران لن تدخل حربا مباشرة مع أمريكا أو إسرائيل، طالما أن بإمكانها استخدام أدواتها المدربة والمسلحة، وهي ترى اليوم أن هؤلاء الأبناء قد كبروا وأصبحوا ناضجين للدفاع عن مصالحها دون أن تتدخل هي بشكل مباشر".
وفي رأيه "يتعامل نظام إيران الذي يهمه البقاء في الحكم بالدرجة الأولى، مع الأذرع المحلية كمصدات له لحمايته، دون النظر إلى الخسائر البشرية من السنة والشيعة من أبناء المنطقة العربية"، وفق تعبيره.
اظهار أخبار متعلقة
وقال عبد المجيد، إن إيران ستكتفي بتوجيه "حزب الله" بمواصلة المناوشات الحاصلة مع إسرائيل، وقد توجه رسائل من جبهات أخرى كما فعلت عبر الحوثيين قبل أيام، مستدركاً: "لكن في حال اشتد الصراع ورأت أنه لا بد من الانخراط بشكل أكبر، فقد ترى نفسها مضطرة لتوجيه "حزب الله" لخوض المعركة، وعندها ستقوم بالتأكيد بتفعيل جبهات أخرى من سوريا وحتى اليمن لاستهداف
الاحتلال الإسرائيلي وكذلك المصالح الأمريكية في المنطقة".
المقاومة حسمت قرارها
أما المستشار في القانون الدولي والفيزياء النووية هادي عيسى دلول من طهران، فقال لـ"عربي21" إن توازن المعركة بين حماس والاحتلال يقوم حاليا على الضغط، مستدركا بقوله: "لكن دخول الولايات المتحدة وأوروبا على خط المعركة يعني زيادة القوة لدى الاحتلال، وبالتالي تدخل حزب الله".
وأضاف دلول أن أمريكا تدرك أن تدخلها المباشر في الحرب يعني دخول روسيا والصين، ما يجعل حسابات واشنطن صعبة.
وقال إن "قرار دخول المعركة من جانب محور المقاومة قد حُسم، والاحتلال يبدو متخوفا من الصمت السوري، وهو على قناعة بأن مصيبة قادمة له من الجانب السوري".
وتابع دلول بأن هناك "محاولات للتلاعب بالقانون الدولي لتجريم حماس بتهم كيميائية، كما حدث في سوريا".
بدوره يقول المحلل السياسي الإيراني عدنان زماني، إن إيران لا ترغب في الدخول في حرب لحسابات داخلية وخارجية لكن قد لا يكون أمامها خيار سوى الدخول في الحرب بشكل محدود أو شامل، فهي تدرك جيدا أن القضاء على حماس يعني بالضرورة أن الضربة القادمة ستحل بحزب الله وبعدها إيران لا سيما وأن إسرائيل وحلفاءها الغربيين أظهروا عزما مقلقا هذه المرة على القضاء على حماس التي يزعمون بأنها تتلقى تعليماتها من إيران.
وتابع لـ"عربي21": معروف أن إيران لا تود حماس كثيرا لأسباب تتعلق بموقف الحركة من السياسات الخارجية الإيرانية خلال العقد الأخير لكن طهران اليوم تجد نفسها مضطرة إلى منع سقوط حماس اعتقادا منها أن الدور سيأتي على حزب الله حليفها الرئيسي في المنطقة إذا تم التخلص من حماس.
اظهار أخبار متعلقة
وقال زماني، لذلك أعتقد أن إيران ستعمل ما بوسعها للضغط على الأطراف الغربية لإجبار إسرائيل على قبول أي نتيجة سوى القضاء على حماس، وأبرز ما تملكه إيران في هذا الصدد هو تحريك الجماعات المسلحة في لبنان وسوريا والعراق وحتى اليمن لإرباك المعادلة، وقد تضطر إلى الدخول المباشر في حال فشلت محاولات الضغوط عبر وكلائها.
وأكد أن أول أهداف إيران ستكون توجيه تهديد إلى القواعد الأمريكية في منطقة الخليج وزعزعة استقرار أسواق الطاقة العالمية عبر تعطيل حركة مرور السفن في مضيق هرمز التي يسهل عليها إغلاقه بالرغم من التكلفة الباهظة التي سيترتب على إيران دفعها لكن ذلك سيكون خيارا أخيرا بيد إيران وبعد أن تيأس من جميع الأدوات الأخرى.
إيران تخفف حدة خطابها
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد قالت الاثنين إن واشنطن لم ترصد أي أمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي بمهاجمة القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك في أعقاب موجة من الهجمات في العراق وسوريا نفذتها ميليشيات مدعومة من إيران.
تزامنا، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، مساء الاثنين إن إيران لا تريد توسيع الصراع.
وأضاف أن "واشنطن أرسلت لنا مرتين والقوى الأخرى بضرورة عدم التدخل وتوسيع الصراع". معتبرا أن "المقاومة حق مشروع للفلسطينيين ولا ننوي توسيع دائرة الصراع في المنطقة".
ويقرأ الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي في التصريحات الأمريكية والإيرانية "الهادئة" مؤشرات واضحة على استبعاد دخول إيران في "طوفان الأقصى"، ويقول لـ"عربي21": "كما لا ترغب واشنطن بمواجهة طهران، نرى أن لدى الأخيرة النية ذاتها، وإيران لا ترغب في زيادة التوتر مع الغرب بل تطمح في تحقيق مكاسب سياسية متعلقة بملفها النووي والاقتصاد".
ويضيف النعيمي أن إيران لن تنخرط في أي معركة، مستدركا: "لكن تبقى الاحتمالات مفتوحة تجاه أي تغير أو تموضع مستقبلي ينجم عن هذا الاشتباك فربما قد تضطر إيران في إطار الدفاع عن النفس للتدخل، وحينها ستنتقل الحرب إلى رقعة أكبر مما سيضغط على المنظومة الدولية من أجل ضبط المشهد مجددا".
رهن تطورات الحرب
أما الخبير بالشأن الإيراني الدكتور نبيل العتوم، يرى في حديثه لـ"عربي21" أن شكل التدخل الإيراني يرتبط بالسيناريوهات للحرب في غزة، وقال: "السيناريو الأول هو فشل الجهود في تهدئة الوضع واستمرار الحرب، وهذا يعني خروج الحرب عن الوضع الثنائي والاعتيادي إلى الاستثنائي ودخول أطراف أخرى الحرب"، في إشارة إلى إيران والولايات المتحدة.
أما السيناريو الثاني، بحسب العتوم، هو "أكرنة" الحرب بين الاحتلال وحماس، أي تحويلها إلى نموذج آخر للحرب الأوكرانية، بحيث لا تدخل أي دولة في الحرب بشكل مباشر لدعم الأطراف المتنازعة، ولكنها تقدم سرا أو علانية دعما ماليا وإعلاميا وعسكريا ولوجستيا لأحد الأطراف.
اظهار أخبار متعلقة
وثمة سيناريو آخر، وفق العتوم، وهو ترك حماس والاحتلال وحدهما لمواصلة الحرب، وقال: "في إطار هذا السيناريو، قد يتم في بعض الأحيان تقديم مساعدات غير مباشرة في مناطق مختلفة من قبل الدول الداعمة للجانبين، ولكن هذه المساعدات تتم بطريقة لا تمتد إلى نطاق الحرب".
يذكر أن الاحتلال تحدث عن "أدلة على تورط" إيران في الهجوم الذي نفذته حركة حماس على مناطق الاحتلال في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وقال اللواء مايكل إدلشتاين، من القيادة الجنوبية لقوات دفاع الاحتلال، إن "المهاجمين كانوا مدربين جيدا ومجهزين جيداً"، مضيفاً للصحفيين الإثنين "لدينا أدلة على تورط إيراني".
والجمعة، شنت مقاتلات أمريكية، سلسلة غارات استهدفت مواقع تابعة للميليشيات الإيرانية شرقي سوريا.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن الجيش نفذ ضربات ضد منشأتين في شرقي سوريا يستخدمهما "الحرس الثوري الإيراني" وميليشيات تابعة له، رداً على سلسلة هجمات شنتها جماعات مدعومة إيرانياً ضد القوات الأمريكية في كل من سوريا والعراق.
يأتي ذلك بعد يوم من تأكيد البنتاغون أن نحو 900 من القوات الأمريكية الإضافية تتجه إلى الشرق الأوسط أو وصلت في الآونة الأخيرة إلى هناك لتعزيز الدفاعات من أجل حماية الجنود الأمريكيين في ظل تصاعد الهجمات بالمنطقة من ميليشيات مدعومة من إيران.