أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ما
وصفها بـ "حرب التجويع والتعطيش والتسبب بالأوبئة" التي قال بأن إسرائيل تشنها
على قطاع
غزة، بالتزامن مع
جرائم القتل الجماعي والتدمير الواسع للأحياء السكنية
على رؤوس قاطنيها لليوم العشرين تواليًا.
وقال المرصد الأورومتوسطي، ومقره في جنيف،
في بيان له اليوم الخميس أرسل نسخة منه لـ "عربي21"، إنه يتابع بخطورة
بالغة عمليات القصف الإسرائيلي الممنهجة التي ترمي إلى مفاقمة أزمة النقص للمواد
الغذائية والتموينية التي بلغت ذروتها في الأيام الأخيرة.
ووثق فريق الأورومتوسطي ما قال إنه "تعمد
إسرائيل قصف المخابز في قطاع غزة، إذ طال التدمير 10 منها حتى الآن، آخرها مخبز
المغازي الذي استهدف مساء أمس الأربعاء بعد ساعات من تزويده بالدقيق من وكالة
الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين (أونروا) ما أدى إلى تدميره ومقتل
10 فلسطينيين ممن كانوا يصطفون في طوابير لشراء الخبز".
ولفت بيان الأورومتوسطي إلى أن بعض المخابز
المستهدفة تلقت كميات من الدقيق من وكالة الأونروا لتأمين احتياجات مئات آلاف
النازحين في مناطق جنوب وادي غزة التي حددتها إسرائيل كمنطقة آمنة مزعومة، رغم
استباحتها على مدار الساعة بمئات الغارات.
وأشار الأورومتوسطي إلى تعمد إسرائيل
استهداف الأسواق ومراكز تسوق في وقت ذروة تحرك السكان لشراء احتياجاتهم؛ ما يدلل
على وجود قرار بشل قدرة وصول المدنيين إلى هذه المراكز لتأمين احتياجات لبعض ما
تبقى فيها من مواد غذائية.
كما أن القصف الإسرائيلي طال مخزنا للمواد
التموينية لوكالة الأونروا شمال قطاع غزة، في الأيام الأولى من الهجوم العسكري
واسع النطاق المستمر على القطاع.
وذكر المرصد أن فرقه الميدانية، رصدت تعمد
هجمات إسرائيل استهداف تمديدات المياه البديلة التي عملت عليها البلديات لتوصيل
المياه للتجمعات السكنية ومراكز إيواء النازحين كما حدث في خانيونس خلال الأيام
الماضية؛ وهو ما يدلل على وجود قرار سياسي وعسكري إسرائيلي بحرمان المدنيين من
حقهم في الحصول على المياه.
يترافق ذلك مع تفاقم لأزمة نقص حاد في
الموارد الأساسية مثل الماء والغذاء والدواء في وقت نزح فيه نحو مليون ونصف مليون نسمة من
أصل 2.3 مليون من مناطق سكنهم وغالبيتهم يقيمون في مراكز إيواء وساحات المدارس
والمستشفيات من دون أي من احتياجاتهم الأساسية.
ولا يزال الوقود، الذي تشتد الحاجة إليه
لتشغيل المولدات الاحتياطية، محظورا من الدخول إلى قطاع غزة بقرار إسرائيلي،
ونتيجة لذلك، فإن الأونروا وهي أكبر جهة تقدم المساعدات الإنسانية في غزة، استنفدت
تقريبا احتياطاتها من الوقود وبدأت في تقليص عملياتها بشكل كبير.
كما أن أزمة الوقود تهدد بتوقف شامل لعمل
المخابز المتبقية في قطاع غزة، فيما تتصاعد التحذيرات من تأثيرات انعدام الأمن
الغذائي، بما في ذلك تعرض النساء والأطفال لخطر سوء التغذية، مما سيؤثر سلبًا على
صحتهم المناعية، ويزيد من خطر الوفاة لكل من الأمهات والأطفال.
ونقل بيان المرصد عن سيدة نازحة تبلغ من
العمر 52 عاما في مركز إيواء في غزة قولها إنها شعرت قبل يومين بألم شديد في
المعدة تبعه غثيان شديد ليتبين أنها لم تكن المصابة الوحيدة بل الكثير من النازحين
معها بسبب تناول أطعمة فاسدة في ظل انقطاع الكهرباء.
فضلا عن ذلك فإن سكان قطاع غزة مهددون بموجة
أوبئة واسعة النطاق في ظل الازدحام الكبير في مراكز الإيواء إلى جانب شح المياه
الصالحة للشرب والاستخدام الآدمي وانعدام النظافة الشخصية.
وقال عاملون في منظمات إغاثية لفريق
الأورومتوسطي إن مراكز الرعاية الأولية سجلت في الأيام الأخيرة آلاف الإصابات بأمراض
وبائية جلها بين الأطفال، شملت أمراض الإسهال والتسمم الغذائي وأمراضا جلدية وجربا والتهابات شعب هوائية إلى جانب تسجيل عشرات الحالات من جدري الماء.
وقال رجل عرف عن نفسه بـ "أبو حامد
عودة" في مركز إيواء في شمال قطاع غزة لفريق الأورومتوسطي، إن أطفاله الخمسة بهم أمراض جلدية وجرب بفعل شح المياه النظيفة وأزمة الصرف الصحي إلى جانب غياب أزمة
الرعاية نتيجة إخلاء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
(أونروا) موظفيها في المنطقة.
بموازاة ذلك تتصاعد مخاطر تكدس النفايات في
الأحياء السكنية في ظل مصاعب شديدة تواجهها أطقم البلديات سواء في جمع تلك
النفايات -في ظل الغارات الإسرائيلية وأزمة الوقود ـ أو حظر وصولهم إلى المكبات
الرئيسية الواقعة على الأطراف الحدودية لقطاع غزة بغرض ترحيل النقابات ما يهدد
بكارثة صحية وبيئية خطيرة.
ووثق المرصد في مدينة غزة وحدها تكدس نحو 16
ألف طن من النفايات تم تجميع 50% منها فقط وتجميعها حالياً في مركزين مؤقتين يقعان
وسط المدينة.
وأعاد المرصد الأورومتوسطي التذكير بما
أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في 9 أكتوبر الجاري في تصريحات
تلفزيونية قال فيها: "نفرض حصارا كاملا على قطاع غزة، لا كهرباء، لا طعام
ولا ماء ولا غاز... كل شيء مغلق"، مدعيا أن ذلك جزء من معركة ضد "حيوانات
بشرية".
كما ذكر بما سبق أن أعلنه وزير البنى
التحتية الوطنية والطاقة والمياه الإسرائيلي مساء 7 أكتوبر الجاري، بأن إسرائيل
ستتوقف عن تزويد قطاع غزة بالكهرباء كخطوة إضافية من العقاب الجماعي.
وقال الأورومتوسطي إن هذه التصريحات تعبر عن
موقف إسرائيلي رسمي بتنفيذ حرب تجويع وتعطيش وحرمان من مقومات الحياة لأكثر من 2.3
مليون إنسان في قطاع غزة، في سابقة تكاد تحدث لأول مرة في التاريخ الحديث، وكل ذلك
بدعم وإسناد أمريكي وكذلك من العديد من الدول الأوروبية، وسط عجز المجتمع الدولي
عن وقف الكارثة الإنسانية التي تحدث.
وشدد المرصد الحقوقي على أن كل ما يجري في
غزة يمثل تجسيدا حقيقيا للإبادة الجماعية كما ورد في تعريفها في المادة الثانية من
اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وجاء فيها: تعني الإبادة
الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي
لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: ( أ ) قتل أعضاء من
الجماعة. (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. (ج) إخضاع الجماعة،
عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
وأكد توثيق فريق الأورمتوسطي للأحداث أن
إسرائيل ارتكبت جميع هذه الانتهاكات الفظيعة وبتوسع، وبقرار معلن رسمي من أعلى
المستويات السياسية والعسكرية في سابقة غير معهودة في تاريخ النزاعات المسلحة.
وشدد على أن تصعيد إسرائيل سياساتها
الانتقامية ونهجها القائم على الإبادة الجماعية، وانتهاكاتها الجسيمة لقواعد
القانون الدولي الإنساني، يتطلب تدخلا عاجلا من المجتمع الدولي والأمم المتحدة؛
لضمان الوقف الفوري لها، والمحاسبة عليها، والتوقف عن ازدواجية المعايير التي تحكم
مواقف الكثير من الدول والجهات حتى الآن على حساب حقوق الإنسان.
ولليوم الـ20، واصل الجيش الإسرائيلي
استهداف غزة بغارات جوية مكثفة دمّرت أحياء بكاملها، فيما تستمر الفصائل
الفلسطينية في إطلاق صواريخ من القطاع على بلدات ومدن إسرائيلية.
وحتى الأربعاء، قتلت إسرائيل في غزة 6546
فلسطينيا في غزة، بينهم 2704 أطفال و1584 سيدة و295 مسنا، وأصابت 17439 شخصا،
بالإضافة إلى أكثر من 1600 مفقود تحت الأنقاض، وفقا لسلطات غزة.