تعود علاقات
العراق والتّحالف الدوليّ
بقيادة الولايات المتّحدة إلى الخامس من أيلول/ سبتمبر 2014، حيث شُكّل التّحالف بعد
ثلاثة أشهر من سيطرة "داعش" على ثلث العراق.
ويضمّ التّحالف قوّات من ثمانين دولة، نحو 2500 عسكريّ أمريكيّ و1000 من بقيّة الدول، ويتمركزون بقواعد
عسكريّة متفرّقة.
وغالبيّة الحوارات العراقيّة مع التّحالف
تكون مع واشنطن كونها القائد الأقوى للتّحالف، وهي لم ترحل من العراق رغم إعلان بغداد
انتصارها على "داعش" في العام 2017.
وعاد الحديث هذه الأيّام حول علاقة العراق
بالتّحالف، وذلك بعد إعلان رئيس حكومة بغداد محمد شياع السوداني يوم 12 أيلول/ سبتمبر
2023 أنّ "العراق ليس بحاجة إلى أيّ قوّات قتاليّة"، وأنّ "اللجنة
العراقيّة الأمريكيّة المشتركة ستعقد اجتماعها منتصف شهر أيلول/ سبتمبر،
لتحديد شكل العلاقة مع التّحالف الدوليّ".
وبعد أقلّ من أسبوع على تصريحات السوداني، أكّد المتحدّث باسم الخارجيّة الأمريكيّة أنّ تواجد القوّات
الأمريكيّة في العراق "ضمن دور غير قتاليّ، وبناءً على دعوة الحكومة العراقيّة"!
وتأتي التصريحات العراقيّة بعد أقلّ من
عامين على توقيع الرئيس الأمريكيّ جو بايدن ورئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي،
اتّفاقا يُنهي رسميّا المهام القتاليّة للقوّات الأمريكيّة في العراق نهاية العام
2021!
بعيدا عن الدور السابق للتّحالف في العراق، ومساهمته في حسم المعارك في المناطق التي سيطر عليها "داعش" وخصوصا بالدعم الجوّيّ، لا ندري كيف سيكون شكل العلاقة المستقبليّة بين العراق والتّحالف (الأمريكيّ/ الدوليّ)، وهل ستكون قائمة على أُسس العلاقات الدوليّة، وعدم التدخّل في إدارة العراق من قبل واشنطن؟ وهل ستكون شراكة قويّة أم فاترة وهشّة؟
وبعيدا عن الدور السابق للتّحالف في
العراق، ومساهمته في حسم المعارك في المناطق التي سيطر عليها "داعش" وخصوصا
بالدعم الجوّيّ، لا ندري كيف سيكون شكل العلاقة المستقبليّة بين العراق والتّحالف
(الأمريكيّ/ الدوليّ)، وهل ستكون قائمة على أُسس العلاقات الدوليّة، وعدم التدخّل
في إدارة العراق من قبل واشنطن؟ وهل ستكون شراكة قويّة أم فاترة وهشّة؟
وتدّعي واشنطن أنّها تريد من بغداد إفساح
المجال أمام القوّات المسلّحة العراقيّة لأخذ دورها وتقليص دور القوى غير الرسميّة
في إدارة الملفّ السياسيّ، ولكن هل تمتلك بغداد القدرة على ضبط ملفّ القوّات غير
الرسميّة أو المليشيات؟
أظنّ أنّ هذه المعضلة تتنامى يوما بعد يوم،
وفي النتيجة ستصل أيّ حكومة (وطنيّة) تريد فرض القانون إلى مرحلة كسر العظم مع تلك
القوّات التي تمتلك قدرات موازية لإمكانيات الجيش والشرطة وأجهزة الأمن الرسميّة!
وقد يكون السؤال السابق لأوانه: ماذا لو
عاد الرئيس دونالد ترامب لإدارة البيت الأبيض، وبالذات بعد رفض المحكمة العليا
الأمريكيّة منعه من الترشّح للانتخابات الرئاسيّة القادمة، فكيف سيكون حينها شكل
علاقات بغداد مع واشنطن/ التّحالف؟ وهل ستقبل إدارة ترامب بالتعايش مع حالتي
الدولة واللا دولة القائمة في العراق، كما تفعل إدارة الرئيس بايدن الآن؟
والأمر العراقيّ الأغرب
يتمثّل بتجاهل الزوايا السياسيّة المظلمة داخل العراق وخارجه.
فداخليّا ربّما تَتمثّل
بحالة السكون الغامض لزعيم التيّار الصدريّ، مقتدى الصدر، الذي فاز في الانتخابات
الأخيرة ومع ذلك اعتزل
السياسة وترك أتباعه في حيرة مهلكة، وحتّى الساعة هنالك قلق
من عدم إجراء الانتخابات المحليّة في شهر كانون الأوّل/ ديسمبر القادم، واحتماليّة
تأجيلها لفسح المجال للتيّار للعودة إلى الملعب السياسيّ.
والأهم أنّ وزير
الصدر المقرّب من زعيم التيار نشر الاثنين الماضي صورة للصدر بموقع "إكس"
(تويتر سابقا) وعلّق عليها: "توكلنا على الله"! فهل هي إشارة لعودة
الصدر وتيّاره للانتخابات وللعمليّة السياسيّة، أم هنالك خطوة صدريّة جديدة في
العراق؟
والأعظم من كلّ ذلك ملفّ إدارة العراق دون
إملاءات خارجيّة، وهذه واحدة من المهلكات فضلا عن تهريب العملة الصعبة، والذي تراه
واشنطن من الملفّات التي أجهضت عقوباتها على طهران.
والزاوية الأخرى تمثّلت
بالتطوّرات السياسيّة والقضائيّة الكبيرة لحزب تقدم بزعامة رئيس مجلس النواب محمد
الحلبوسي، حيث تم في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 التهديد بمقاضاة رئيس الوزراء الأسبق
حيدر العبادي، واتّهامه "بتغييب آلاف الأبرياء إبان حقبته"، بعد أن اتّهم
العبادي غالبيّة المُغيّبين بالإرهاب!
ومن زاوية منسيّة
هنالك عشرات الكيانات ومئات الشخصيّات المعارضة خارج العراق وداخله، وتتعمد غالبيّة
الحكومات والقوى السياسيّة التغاضي عن وجودهم، وتستمرّ بغلق الأبواب أمام أيّ تفاهمات
مع القوى غير المتورّطة بدماء العراقيّين!
بناء الدولة لا يكون بالقبضة الحديديّة، بل يُفترض إتمام ملفّات حسّاسة ومنها المعارضة الداخليّة والخارجيّة، وإنهاء الأطراف المالكة للقوّة لمسرحيّة اختطاف المركب السياسيّ وتجاهل مكوّنات عراقيّة معارضة رصينة!
شعبيّا، خرجت في بغداد
وبعض المحافظات في الأوّل من تشرين الأول/ أكتوبر الحاليّ مظاهرات شبابيّة لمناسبة
الذكرى الرابعة لثورة تشرين، وقد ندّد المتظاهرون بحكومة السوداني، وهذا مؤشّر على
الرفض لما آلت إليه العمليّة السياسيّة.
إنّ الحكومة
القائمة اليوم ذات ألوان محدّدة، ولا تمثّل بدقّة كافّة أطياف الشعب. وهذه إشكاليّة
تنبغي معالجتها بحكمة، وليس بالتّجاهل وفرض منطق القوّة على المخالفين والمعارضين.
إنّ بناء الدولة لا يكون بالقبضة الحديديّة،
بل يُفترض إتمام ملفّات حسّاسة ومنها المعارضة الداخليّة والخارجيّة، وإنهاء الأطراف
المالكة للقوّة لمسرحيّة اختطاف المركب السياسيّ وتجاهل مكوّنات عراقيّة معارضة رصينة!
وكذلك وجوب إغلاق مهزلة الاعتقالات
العشوائيّة، وضرورة التصويت على قانون العفو العامّ، وإعادة محاكمة الذين أُخذت
اعترافاتهم بالإكراه، ومعالجة التهجير الداخليّ والخارجيّ، وغيرها من القضايا
الشائكة وشبه المُستعصية!
وبخلاف هذه الخطوات فكلّ كلام عن استقرار للعراق هو نَسْج من الخيال وبعيد عن
الواقع والمنطق!
فمتى تُحسم هذه الملفّات؟ وكيف؟ ومَنْ
سيجرؤ على تحريكها في العراق؟
twitter.com/dr_jasemj67