قال
موقع "
بوليتكو" إن شركاء الاتحاد الأوروبي على الجانب الآخر من
البحر المتوسط يقومون بحملات عنف وتهجير
جماعي وقمع سياسي.
وأضاف في
تقرير أعدته باولا تاما من مدينة صفاقس
التونسية الساحلية، إن فاطمة توراي استفاقت
على صوت الصياح وقرقعة علب الغاز المسيل للدموع التي تدحرجت في البيت الذي كانت
تعيش فيه. وسافرت توراي، 22 عاما من سيراليون إلى صفاقس لزيارة صديق لها، لكن
العنف اندلع بعد مواجهة بين المهاجرين الأفارقة من دول الصحراء والسكان المحليين، أدى لمقتل رجل تونسي. ودفعت الشرطة فاطمة وابنها خارج البيت، ثم إلى مركز الشرطة، و"فجأة
شاهدت في الصباح حافلة كبيرة"، و"حاولت السؤال عن سبب جلب الحافلة؟ إلى
أين سيأخذوننا؟ وقالوا إنها من أجل سلامتنا".
إلا أن الحقيقة كانت
مختلفة تماما، فقد كانت توراي وابنها من بين 1.000 أفريقي اعتقلتهم السلطات
التونسية ونقلتهم إلى الحدود مع ليبيا، تاركة إياهم لمدة شهر دون طعام أو ماء أو
ظل من الشمس.
ومات
على الأقل 27 شخصا نقلوا قسرا إلى المنطقة، وذلك حسب السلطات الليبية.
وتعتبر
تجربة توراي جزءا مما تسميه الأمم المتحدة "المعاملة العنصرية للمهاجرين من
دول الصحراء والطرد الجماعي الذي استهدف المهاجرين من دول الصحراء"، بمن فيهم
طالبو اللجوء واللاجئون وحملة التأشيرات السياحية القانونية، والتي قامت بها
الحكومة التونسية في وقت كانت تتفاوض فيه مع بروكسل لتخفيض عدد المهاجرين الراغبين
بالمغادرة عبر شواطئها.
وفي
منتصف تموز/ يوليو، وبعد رمي توراي وابنها مادي في الصحراء الليبية، أنهى الاتحاد
الأوروبي اتفاقا متعدد الأوجه مع الحكومة التونسية، يشمل أيضا حزمة مساعدات بمليار
يورو مقابل الإجراءات الأخرى، وهي منع المهاجرين غير الشرعيين من عبور البحر
المتوسط إلى
أوروبا.
وفي
تعليقات إلى جانب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، مدحت رئيسة المفوضية
الأوروبية أورسلا فاندرلين الاتفاقية بأنها "نموذج" عن الطريقة التي يجب
أن تدير فيها الكتلة الأوروبية علاقاتها مع دول المنطقة.
وقالت
منظمات
حقوق الإنسان إن الاتفاق مع الرئيس قيس سعيد يعني المزيد من القصص مثل
توراي، وبخاصة أن حكومته ذات الميول
الديكتاتورية المتزايدة هي من تثير مشاعر الكراهية ضد الأجانب لحرف النظر عن الاقتصاد
المتدهور.
وقالت
سارة يركيس، الزميلة البارزة في وقفية كارنيغي، إن "فكرة موافقة سعيد على ظروف
لحقوق الإنسان سخيفة"، "فهو لم يلتزم بحقوق الإنسان خلال العامين
الماضيين ولن يبدأ الآن". وكافحت توراي مع ابنها ولأكثر من شهر كي تبقى على
قيد الحياة، حيث كانت محاصرة من الشرطة التونسية على جانب وحرس الحدود الليبيين على
الجانب الآخر. وتذكرت قائلة: "لم يكن الأمر سهلا"، و"أحيانا كان
لدينا قنينة ماء واحدة، وكان عليها قياسها بعلامة حتى نشرب. وأحيانا قنينة واحدة
لخمسة أو ستة أشخاص. وكان علينا القتال حول الخبز والأشياء الأخرى". وأشارت
إلى سن مكسورة وكدمات داكنة أخرى قالت إنها عانت منها عندما هربت وابنها من رجال
كانوا يحاولون الهجوم عليهما.
ونقلت
مرة أخرى بعدما وافقت تونس وليبيا على إعادة 300 من المهاجرين على الحدود وتقيم
بملجأ تابع لمنظمة
الهجرة الدولية في مدينة مدنين القريبة من ليبيا. وتخطط للانتقال
إلى البلدة الساحلية جرجيس، حيث كانت تعيش مع خطيبها.
اظهار أخبار متعلقة
وظلت
تونس حتى وقت قريب مرحبة بالمهاجرين ومنحت ملجأ آمنا للقادمين من دول الصحراء
الذين فروا من العنف والجفاف أو يبحثون عن فرص أحسن، إما في البلد أو إيطاليا التي
لا تبعد سوى مسافة صغيرة بالقارب وإن كانت رحلة محفوفة بالمخاطر. وقد تغير كل هذا
في ظل سعيد الذي استحوذ على السلطة في 2021، وقاد حملة لشيطنة المهاجرين من دول الساحل والصحراء.
ففي
خطاب ناري بشباط/ فبراير اتهم "المرتزقة والعملاء الأجانب والخونة والأحزاب
المشبوهة" بالتآمر من أجل "تغيير الطابع السكاني لتونس" وطلب من
قوات الأمن طرد المهاجرين. وكانت النتيجة حملة موجة طرد وعنف عنصري ضد المهاجرين
وطالبي اللجوء واللاجئين وزيادة بمعدلات الهجرة نحو أوروبا. وتضاعف عدد القادمين
إلى أوروبا خلال الأشهر السبعة الماضية مقارنة مع نفس الفترة في 2022، ووصلت
ذروتها إلى 1.000 مهاجر في اليوم، وذلك حسب أرقام وزارة الداخلية الإيطالية.
ولم
تمنع معاملة تونس السيئة للمهاجرين الاتحاد الأوروبي من عقد صفقة مع البلد. ووصفت
فاندرلين وميلوني ورئيس وزراء هولندا أنفسهم بـ "فريق أوروبا" وسافروا
مرتين إلى تونس، في حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو ووقعوا مذكرة تفاهم غطت موضوعات
تتراوح من الطاقة المتجددة إلى إدارة الحدود.
وبناء
على شروط العقد فستتلقى تونس 105 مليون يورو للحد من المهاجرين غير المسجلين و 150
مليون يورو لدعم الميزانية. وستعطى أيضا 900 مليون يورو كدعم مشروطة بعقد تونس
صفقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة مساعدات بـ 1.9 مليار دولار.
ولم ترد
السلطات التونسية على أسئلة المجلة للتعليق، أما متحدث باسم المفوضية الأوروبية
فقد قال "يجب إدارة الهجرة بطريقة تؤكد الالتزام بالحقوق الأساسية والواجبات
الدولية".
وبالنسبة
لتونس، فقد جاءت الصفقة وسط مشاكل
اقتصادية وسياسية. وعانى الاقتصاد من تداعيات وباء كورونا وكذا آثار الحرب الروسية
على أوكرانيا حيث تعتمد بنسبة 40% على الحبوب المستوردة من روسيا وأوكرانيا. وزاد
التضخم أكثر من 16% وهو في تزايد مستمر. ونتيجة لهذا الوضع بدأت أعداد كبيرة من
التونسيين بالهجرة نحو أوروبا، وأصبحوا في المرتبة الرابعة بالنسبة للجنسيات التي
وصلت إلى إيطاليا هذا العام.
وبسبب
الجفاف يتوقع أن يتراجع الناتج المحلي من القمح هذا العام بنسبة 60%. وتدعم
الحكومة المحروقات والطعام، لكن زيادة الأسعار العالمية تزيد من الضغوط على
الميزانية.
وفي
التفاوض مع صندوق النقد الدولي طُلب من تونس تخفيف الدعم، ولكن الحكومة التي تعرف
أن زيادة الأسعار كانت سببا في اندلاع انتفاضات الربيع العربي، رفضت حتى الآن. وفي
نيسان/إبريل وصف سعيد طلبات صندوق النقد الدولي بـ "الإملاءات".
ولا
يزال الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تدهور رغم تحسن السياحة وزيادة تحويلات
التونسيين في الخارج وحزمة دعم من السعودية بـ 400 مليون دولار ووعود بالدعم من
الأوروبيين.
وقام
200 مخبز بالإضراب ضد قرار الحكومة تخفيض الدعم عن الدقيق ضد المخابز المتهمة
بالمضاربة. وقال الخباز عبد الباقي عبدلاوي "جئت إلى هنا لعدم وجود
دخل". وقال إن "1.500 مخبزا أغلقت ويواجه أصحابها السجن لأنهم لا
يستطيعون دفع الأجر والديون".
ومنذ
انتخابه عام 2019 يحكم سعيد بيد حديدية وقلب الكثير من الإنجازات التي تحققت بعد
الربيع العربي. وقالت يركيس من كارنيغي "في كل يوم أو شهر يمضي نرى تآكل
الديمقراطية".
وفي
تموز/ يوليو 2021، علق سعيد الحكومة وحل البرلمان فيما وصفه النقاد بانقلاب ذاتي.
وفي 2022 عزل 57 قاضيا ومدع عام ووضع نفسه مسؤولا عن النيابة العامة ومرر تعديلات
دستورية منحته سلطات واسعة، ثم تبع ذلك حملة قمع وملاحقات بناء على تهم واهية
للمعارضين والصحفيين والناشطين.
وقالت
دليلة بن مبارك مصدق: "السجون اليوم مليئة بغير
المجرمين" وهي تمثل ثمانية أشخاص بمن فيهم شقيقها متهمون بجرائم تتراوح من
الخيانة إلى محاولات اغتيال سعيد "عدنا مرة أخرى لعصر الديكتاتورية وكل صوت يعارض الحكومة يعتبر صوتا خائنا".
ولا
يزال سعيد يحتفظ بدعم معظم التونسيين الذي يثمنون الاستقرار. وتقول يركيس:
"ما توصل إليه التونسيون هو أن الثورات لا تجلب الخبز". ومن يعارض يحاول
الخروج بدلا من الدعوة للاحتجاجات.
ومنعت
تونس منذ بداية العام الحالي حوالي 35.000 مهاجرا حاولوا العبور لإيطاليا، وهو ما
اعتبرته روما نجاحا. وبنفس الفترة نجح حوالي 100.000 مهاجر من الوصول إلى الشواطئ
الإيطالية وغرق 2.000 شخص، وذلك حسب إحصائيات منظمة الهجرة العالمية.
اظهار أخبار متعلقة
وقال
ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية: "هذه
قضية قدرات" و"نطلب من الدول النامية والضعيفة وبنظام بيروقراطي متداع
أن تتعامل مع مشكلة نكافح نحن الأوروبيين لمواجهتها في المقام الأول".
في أحد الأمسيات بتونس، جلس ساني جارجو، 20 عاما
من غامبيا على مقعد مكسور وكان يأكل شطيرة قدمتها له منظمة الهجرة العالمية. وكان
يعمل كلحام ولكنه ترك بلاده مع صديق عندما اندلع العنف: "كنا نبحث عن السلام
ونريد النجاح في حياتنا". وسافرا إلى السنغال ومالي والجزائر حيث اعتقلا
وصودرت منهما هواتفهما النقالة وهوياتهما، ولكنهما استطاعا الهرب إلى تونس، حيث
مشيا مدة 3 أسابيع في الصحراء. وقال جارجو: "عندما تسير في الصحراء تشاهد
الجثث في كل مكان". ومثل غيره ممن تحدثت إليهم المجلة، فهو ينتظر وصول المال
من أهله لكي يحاول العبور نحو أوروبا. وقال إنه يحلم بالعمل كلحام في أوروبا
والعودة يوما لغامبيا وفتح ورشة: "أريد فتح ورشة كبيرة وتدريب الشباب
فيها" و"هذا هو حلمي، ولا أريد من الشباب المضي بنفس الطريق وأنصحهم أن
هذا الطريق غير آمن وهو خطير جدا".
وتجاهل
فكرة أن رحلته للبحث عن حياة أفضل يمكن وقفها، "الترحال والهجرة ليست اليوم،
الهجرة هي ما فعله الأنبياء، وهي قصة طويلة ورحلة الإنسانية". وهو وإن نصح
الآخرين بعدم المضي في نفس الطريق، إلا أنه لا يخطط وصديقه للتخلي عن حلمهم، و"نعتقد أننا عندما نصل إلى أوروبا فلديهم فهم لمساعدتنا"، كما
يقول: "يعرف ناس أوروبا الإنسانية".