قضايا وآراء

العشرية السوداء.. لقد وقعنا في فخ القروض (17)

حمزة زوبع
مشاريع تغرق مصر بالديون- جيتي
مشاريع تغرق مصر بالديون- جيتي
في الثامن من أيار/ مايو 2023 نشر مركز مالكوم كير- كارنيجي للشرق الأوسط مقالا بعنوان: "هل مصر أكبر من أن تفشل أم أكبر من أن تنقذ؟"، ناقش كاتب المقال إسحق ديوان، مدير الأبحاث بكلية باريس للاقتصاد، قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بمتطلبات صندوق النقد الدولي في ظل زيادة حجم الدين الخارجي وانخفاض تدفق الاستثمارات كما توقع الصندوق.

وجاء في المقال: "إن صندوق النقد الدولي، من خلال افتراضه بأن مصر ستحقّق معدل نمو مرتفعاً، سهّل على إدارته نهج غضّ الطرف في الوقت الراهن، وبالتالي تقديم الدعم لدولة غالباً ما توصف بأنها، سياسياً، أكبر من أن تفشل".

نلاحظ هنا المفردات المستخدمة، مثل أن الصندوق سهّل على إدارته نهج غض الطرف في الوقت الراهن وتقديم الدعم لدولة أو سلطة يعلم الصندوق أنها لن تفي بالوعود، ولن تحقق معدل التنمية المنشود، ولن تتدفق إليها الاستثمارات كما كان يمنّيها البنك، على اعتبار أن مصر أكبر من أن تفشل أو تسقط أو تنهار أو تفلس.

هنا مربط الفرس، فالقروض يتم تيسير منحها للنظم وفق أرضية سياسية لا اقتصادية بغرض الإيقاع بتلك الدول، بحيث تكون فريسة سهلة للجهات المقرضة وبالتالي يتم تنفيذ كل ما يطلب وعلى طريقة الأفلام المصرية القديمة إما الدفع أو الحبس..

القروض يتم تيسير منحها للنظم وفق أرضية سياسية لا اقتصادية بغرض الإيقاع بتلك الدول، بحيث تكون فريسة سهلة للجهات المقرضة وبالتالي يتم تنفيذ كل ما يطلب وعلى طريقة الأفلام المصرية القديمة إما الدفع أو الحبس

هذا بالضبط ما حذر منه جون بيركنز المعروف بالقاتل الاقتصادي، وهو أمريكي كان يعمل لدى مؤسسة أمريكية اسمها "ماين" وهي تصنف على أنها ذات الصلة مع شركات زميلة للاستخبارات الأمريكية. وتقوم هذه الشركات بتقديم الطعم للدول المستهدفة سواء محتاجة أو غير محتاجة، ولكن يجب استهدافها بقروض المنظمات المقرضة مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وتقدم روشتة مقنعة للطرفين بأن الاقتراض من الصندوق سيفتح لكم أبواب النعيم وستأتيكم الاستثمارات من كل صوب وحدب، كما تقنع الصندوق بأن هذه الدولة أو تلك قادرة على السداد وستكون جنة الله في الأرض وأن لديها من المقدرات الاقتصادية ما يؤهلها للسداد. وتقدم هذه الشركات للحكومات روشتة إقناع الشعوب بأن القروض دواء مر وسنين عجاف وبعدها سنجني الحصاد، وستكون بعدها سنين الرخاء والخير وذهب ياقوت مرجان أحمدك يا رب، كما قال بعض إعلاميي النظام في مصر.

ومنذ توقيع النظام مع صندوق النقد الدولي في 2016 وإلى اليوم والوعود تنهال على الشعب المصري بأن العام المقبل سيكون أفضل من العام الحالي، ولكن الحقيقة هي أن القادم دائما أسوأ ولا أحد يتوقع أو يتخيل كيفية الخروج من المأزق، لذا فقد ارتفعت الأصوات في الداخل والخارج تحذر من الانهيار الحتمي، لكن الجنرال لديه اعتقاد جازم بأن مصر لن تسقط، والسبب كما قال لأن الله سبحانه وتعالى لن يرضى لها ذلك، أو بسبب ذوي الاحتياجات الخاصة كما صرح ذات مرة. 

في عام 2014 وبعد اعتلائه المنصب بانتخابات مزورة جرت بعد عام من انقلاب 2013، طالب الجنرال الشعب بالصبر سنتين فقط لا غير (اصبروا وحاسبوني بعد سنتين)، ثم وفي عام 2016 طالب الشعب بالصبر ستة أشهر كمان وفي 2017 قال انتم هتستحملوا معانا سنة كمان، وفي عام 2018 قال للشعب "اصبروا علي شوية كمان"، دون تحديد المدة المطلوبة ووعد ساعتها بأن المصريين سيشاهدون دولة ثانية في 30 حزيران/ يونيو 2020 (دولة تانية.. آه دولة تانية بفضل الله). ثم في عام 2019 قال إنه خلال سنة أو سنتين سيكون الوضع أفضل وأنه إنسان صادق وأمين "بس أنت ما بتصدقنيش" (لا تصدقني). ثم في عام 2021 وأثناء الاحتفال بمشروع الاستزراع السمكي وعد السيسي الشعب قائلا: "هتشوفوا مصر خلال ثلاث سنوات" ، ثم تبخر كل ذلك حين صرخ في وجه الشعب قائلا: "لم أعد بالسمن والعسل".

وأعود إلى المقال الذي أشرت إليه والذي يضعنا في صورة التعامل بين صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية، ولماذا يفترض كاتب المقال أو يطرح السؤال حول إمكانية فشل الإنقاذ أو حدوثه، فيقول إن مصر ليست أكبر من أن تفشل بمعنى حدوث الفشل، "لكن الحقيقة هي أن مصر قد تصبح أكبر من أن تُنقذ. في نهاية المطاف، لم يجعل صندوق النقد الدولي سوى قدرٍ ضئيل من أمواله متاحاً، فثمة مقولة شائعة في الدوائر المالية، ومفادها: إذا كنت مديناً للبنك بمبلغ 100 دولار، فهذه مشكلتك، ولكن إذا كنت مديناً للبنك بمبلغ 100 مليون دولار، فهذه مشكلة البنك. ونظراً إلى أن مصر هي بالفعل ثاني أكبر دول العالم استدانةً من صندوق النقد الدولي، فثمة خطر أن تصبح، على غرار الأرجنتين، مشكلة الصندوق. في ظل هذا الوضع، كان القرض الجديد الذي منحه الصندوق لمصر بقيمة 3 مليارات دولار بمثابة حل وسط". إذن القرض الأخير ليس حلا، ولكنه مؤقت وغير دائم لحين النظر في الأمر.

وقعنا في الفخ إذن كما صرخت داليا زيادة، الباحثة الأكثر تأييدا للجنرال والانقلاب والتي عملت من قبل في مركز ابن خلدون تحت إشراف الدكتور سعد الدين إبراهيم؛ الذي اتُهم بأنه عميل للمخابرات الأمريكية وسُجن في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك. فقد غردت داليا زيادة في نيسان/ أبريل 2023: "ربنا يكون في عون مصر. ضغوط شديدة من القريب قبل الغريب مستغلين الملف الاقتصادي اللي هو مع الأسف أكبر نقطة ضعف في الجولة (إيدينا اللي بتوجعنا يعني). نصبوا لنا الفخ ودخلناه بمزاجنا على أمل أنه قد يصلح الحال.. لكن لم يصلح شيء، ده بالعكس الحناق بيشتد، واحنا مش عارفين نخرج منه خلاص".

الحديث حول انهيار الاقتصاد في ظل الانصياع التام وغير المشروط لصندوق النقد الدولي ولسياسة الاقتراض حديث لم ينقطع منذ بداية الانقلاب وحتى اليوم، ولطالما حذرنا منه عبر برامجنا الممتدة لتسع سنوات عبر شاشة قناة مكملين، وكنا نحذر دوما من أنه سيأتي يوم تضطر فيه مصر لبيع مقدراتها أو رهنها على غرار ما جرى ويجري اليوم، كما ستضطر إلى تعويم الجنيه مرات ومرات تاركة إياه لسعر السوق، وهو ما يعني انخفاض سعره بدرجات هائلة

رغم أنها في عام 2019 كانت ترى السيسي مخلصا ومخلصا وكتبت تغرد "#احنا_معاك_يا_سيسي علشان كل ال قولته فوق في الثريد ده.. احنا معاك يا ابن مصر يا ال خلقت فينا الأمل وقربتنا من أحلامنا، ورديت في كل واحد فينا الروح.. احنا معاك يا مخلص يا أمين يا ال ربنا أرسلك لمصر بس علشان هو بيحب البلد دي وأراد بها الخير. معاك من أول يوم ولآخر المشوار يا ريسنا".

الحديث حول انهيار الاقتصاد في ظل الانصياع التام وغير المشروط لصندوق النقد الدولي ولسياسة الاقتراض حديث لم ينقطع منذ بداية الانقلاب وحتى اليوم، ولطالما حذرنا منه عبر برامجنا الممتدة لتسع سنوات عبر شاشة قناة مكملين، وكنا نحذر دوما من أنه سيأتي يوم تضطر فيه مصر لبيع مقدراتها أو رهنها على غرار ما جرى ويجري اليوم، كما ستضطر إلى تعويم الجنيه مرات ومرات تاركة إياه لسعر السوق، وهو ما يعني انخفاض سعره بدرجات هائلة تشبه السقوط الحر.

ولا يزال صندوق النقد الدولي يضغط حتى اللحظة من أجل خفض قيمة الجنيه أمام الدولار لكي يصبح فوق الأربعين جنيها، وهذا الخفض لن يكون الأخير لأن معدلات النمو لا تزال دون المأمول كما أن التدفقات الأجنبية متراجعة والاستثمارات قليلة ومشروطة بتنفيذ رغبات المستثمرين وشروطهم؛ على النحو الذي أعلنته السعودية والإمارات وقطر مؤخرا بأنها لن تمنح مساعدات أو قروضا على بياض.

لم يكن صراخ داليا زيادة فريدا ولا منفردا، وبدا الصراخ جماعيا حكوميا وغير حكومي. فقد تناول الاقتصادي المعروف هاني توفيق موضوع القروض بأنها وصلت إلى 100 في المائة من الناتج القومي، وقال في تصريحات نشرها موقع الجزيرة مباشر: "فشلوا في تركيعنا عسكريا فأوقعونا اقتصاديا، والأمثلة من تقاريرهم المضللة والمخدرة: مصر الأعلى نموا بين دول المنطقة، وسادس أكبر اقتصاد في العالم سنة 2030. واتضح أن كل ما سبق كان الغرض منه إسقاطنا في مستنقع الديون، وهم يعلمون قبلنا أننا لن نستطيع سدادها في مواعيدها لهشاشة اقتصادنا وسذاجة سياساتنا النقدية والمالية". انتهى كلام الخبير الاقتصادي ولم تنته عملية الخداع الاستراتيجي لإيقاع مصر في الفخ، والسؤال كيف فات هذا كله على الجنرال طبيب الفلاسفة والخبير الملم بكل كبيرة وصغيرة وتتم استشارته من قبل الحكومات والمخابرات والعالم كله؟ (طالع كيف عملوا لنا البحر طحينة).

المشكلة ليست في الكارثة التي نحن فيها ولكن في تأويلات مفسري أحلام النظام الذين يرون أن الأزمة في الفخ الذي وقعنا أو أُوقعنا فيها، كما يرى الكاتب الصحفي مصطفى بكري أن ما يجري اليوم هو أن البلد تعرض لضغوط خارجية من أجل فرض أجندات محددة (دون أن يوضحها)، وأننا -أي مصر- دخلنا في مرحلة المقايضات "سيب وأنا أسيب" ولم يشرح لنا من سيسيب ماذا؟ وإن كنا نعلم أننا أي مصر يجب أن "تسيب" البلد رهنا لسداد القروض والديون التي أغرقها فيها الجنرال.

بعد عشر سنوات من انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013 وبدلا من أن نناقش التنمية وآفاقها المستقبلية وتأثيراتها الإيجابية على الأجيال المقبلة، وبدلا من أن نترك الأجيال المقبلة تعاني من الديون كما وعد الجنرال في حملته الانتخابية (2014) يدور الحديث اليوم عن الانهيار والسقوط والإفلاس وكيفية الخروج من المأزق أو منع الانهيار والسقوط، وهذا ما عنيناه بالعشرية السوداء التي ليس فيها نقطة ضوء واحدة.

ففي مقال نشره موقع ناشيونال إنترسيبت بتاريخ 5 أيار/ مايو 2023 للكاتب ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب، بعنوان "هل تتجه مصر نحو الانهيار"، ناقش فيه نفس فكرة مقال مركز كارنيجي "هل مصر أكبر من أن تنهار" كما يرغب أو يود أو يرى الجنرال السيسي ويروج لذلك. وقال شينكر بعد أن شرح الأجواء الاحتفالية والخمر التي كانت توزع وتشرب في المتحف الجديد في العاصمة الإدارية الجديدة: "ورغم الجو الاحتفالي، إلا أن رجال الأعمال الذين قابلهم الكاتب كانوا في مزاج يائس، فقادة الصناعة كانوا في مزاج سيئ لأن الاقتصاد في انهيار مستمر. بدأ الانهيار الحاد الذي نشاهده اليوم قبل عقد، عندما مضت القاهرة باتجاه الإنفاق غير المستدام، واقتراض المال للإنفاق المفرط على الأسلحة والمشاريع الكبرى والبنى التحتية".

في المقال ذاته يشير الكاتب وهو سياسي أمريكي في المقام الأول؛ إلى أن المأزق عميق جدا ويقول: "المستنقع عميق جدا، فمنذ انتخاب عبد الفتاح السيسي عام 2014، زاد الديْن الخارجي للدولة بنسبة ثلاثة أضعاف، ووصل إلى 160 مليار دولار. وستخصص نسبة 45 في المئة من ميزانية هذا العام لخدمة الدين الوطني. أما التضخم فهو في مستوى 30 في المئة، وزادت أسعار الطعام خلال العام الماضي بنسبة 60 في المئة".

في آذار/ مارس 2023 نشرت رويترز تقريرا بعنوان "كم هي عميقة المتاعب الاقتصادية في مصر؟"، تحدثت فيه عن عمق الأزمات وسببها وطريقة المعالجة والديون والشكوك حول القدرة على السداد وعدم القدرة على الوفاء بمعدلات تنمية تصل إلى 5 في المئة كما هو مرغوب، أو جلب استثمارات حقيقية للحفاظ على ضخ رأسمال أجنبي في مصر. كل ذلك كان على مسمع ومرأى من السلطة في مصر ورغم ذلك كانت الردود باردة وكأننا قادرون على السداد فعلا.

ولا يزال الجنرال يمارس جولاته المعتادة بين أعمدة الأبنية العسكرية الجديدة في عاصمته الجديدة غير آبه أو مهتم بالمقالات ولا بالتقارير التي تحذر من السقوط، وغير معني بالنداءات التي تصدر من كل مكان وآخرها من عمرو موسى، وزير الخارجية المصري المخضرم، الذي قال كلمته في جلسات الحوار الوطني التي أذيعت على الهواء ثم ألغي قرار البث المباشر: "أين فقه الأولويات؟"، وطالب بضرورة وقف إنفاق المال العام على مشاريع تزيد من متاعب الاقتصاد ومتاعب المواطنين على النحو الذي يعيشه المواطنون اليوم في 2023.

لم يكن حديث السقوط أو الانهيار أو الإفلاس جديدا بل إنه قديم، فلطالما كتبت الإيكونوميست وحذرت بلومبيرج وتوقعت وكالة رويترز، وخفضت وكالة فيتش مع زميلاتها استاندرد آند بورز وموديز تصنيف مصر الائتماني وحذرت من تدهور الأوضاع وحذر غيرها من الانهيار القادم منذ بدء عملية الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ وكان الرد المشهور: هذه البلد محفوظة ومحمية بعناية الله ولولا عناية الله لسقطت، وكأننا يحكمنا نبي يوحى إليه أو رسول جاء برسالة طمأنة من السماء.

الجنرال السيسي يهرب من الإجابة عن كيفية الخروج من المأزق، ويعيد رواية نفس السردية بالقول إن السبب في الديون هو ثورة 25 يناير 2011 و"ما تقوليش بعد ما عملت اللي عملته تعال حل، لا تعالوا نحل مع بعض"، وينسى الجنرال أنه أنفق المليارات على مشروع قناة السويس الجديدة وعلى مؤتمرات الشباب المحلية والعالمية وعلى حفلات الترويج لعصر الفراعنة وعلى مشروع العاصمة الجديدة، ولا يزال مصرّا على الإنفاق على هذا الوهم والإنفاق على الطرق والكباري بشكل مثير للشفقة، وكأن مصر هي جمهورية الكباري الجديدة.

بلغت ديون مصر 155 مليار دولار حتى نهاية عام 2022، وتصل إلى 160 مليارا حتى تاريخه، ومطلوب منها في الفترة من 2022-2023 سداد حوالي 20.5 مليار دولار من ديونها، وهو ما لا يمكنها توفيره بكل السبل المتاحة وهذا هو المأزق، وحتى بيع الشركات الناجحة أو بيع شركات الجيش لن يحل المشكلة التي باتت أكبر من أن يتم إخفاؤها وأكبر من أن يتم احتواؤها.

يجادل وزير مالية النظام محمد معيط صاحب تصريح "نستلف تاني" (أي نقترض مرة أخرى!) حين سئل وماذا تفعل إذا زادت الديون؟.. بأن مصر قادرة على سداد الديون المستحقة عليها وهي حسب تصريحه 5-6 مليارات دولار شهريا إذا رفعت من قيمة صادرتها سنويا إلى 35 مليار دولار وتم الحفاظ على تحويلات المصريين ودخل قناة السويس.

وأوضح معيط أن الدولة تستطيع تسديد هذه القروض من خلال التصدير بما يعادل 35 مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى الاعتماد على تحويلات المغتربين التي تصل إلى 32 مليار دولار سنويا، إضافة إلى 8 مليارات دولار من قناة السويس، و12 مليار دولار من عوائد السياحة، وبذلك فإنها ستحصل على 90 مليار دولار على الأقل، ما يكفي لتسديد الالتزامات الخارجية على حد قوله.

وإذا عدت للواقع فإن السياحة المصرية لم تحقق المنشود، وتحويلات المصريين في الخارج شهدت تراجعا يصل إلى 23 في المئة خلال العام 2023، وزيادة الإنتاج والصادرات لم تعد بالدرجة التي يمكن أن يعول عليها، وكل ما هو متاح حاليا هو بيع الأصول والاقتراض من جديد أو إعلان الإفلاس لا قدر الله، كما أنه لا سبيل في الوقت الراهن لجلب استثمارات في الوقت الذي يفر فيه رأس المال الأجنبي والمصري من مصر، مثلما صرح الملياردير المصري سميح ساويرس بأنه لا يرغب في بدء مشاريع جديدة في مصر، مشيرا إلى شروعه في مفاوضات للاستثمار في السعودية. 

تعترف الحكومة ذاتها بأنها تواجه خروج تدفقات كبيرة ومفاجئة من المحافظ الاستثمارية إلى الخارج، وذلك وفقا لما جاء في تقرير لمركز معلومات مجلس الوزراء ونشر مؤخرا.

على مدار قرابة عقد من الزمان ونحن نصرخ في برامجنا ونقدم الدليل تلو الدليل والقصة تلو الأخرى والبرهان تلو الآخر والعبرة تلو الأخرى على أن عالم القروض هو عالم الديون، وهو عالم بيع الأوطان، ولكن لا عبرة لمن ينادي، بل كان البعض وعلى رأسهم الجنرال نفسه يرى الاقتراض هو الطريق نحو بناء الجمهورية الجديدة، وبعد عشر سنوات ونحن على مفترق الطريق لا نرى ولا نسمع سوى صراخ الشعب متألما مما وصلت إليه الأمور وصراخ إعلامييه وحوارييه من المؤامرة المزعومة.

البعض وعلى رأسهم الجنرال نفسه يرى الاقتراض هو الطريق نحو بناء الجمهورية الجديدة، وبعد عشر سنوات ونحن على مفترق الطريق لا نرى ولا نسمع سوى صراخ الشعب متألما مما وصلت إليه الأمور وصراخ إعلامييه وحوارييه من المؤامرة المزعومة

في كتابه المثير -القاتل الاقتصادي للدول- يشرح جون بيركنز كيف يتم السيطرة على الدول من خلال القروض المبنية على دراسات تقوم بها شركات أمريكية تابعة للاستخبارات أو موالية لها، بهدف إغراء الزبون بتمويل البنية التحتية بقدر كبير من القروض ذات الفوائد المرتفعة التي ستغري المستثمرين لدخول بلد ما وضخ استثمارات هائلة، ولكن فجأة وكما جرى مع الزبون المصري فقد تم إقراضه عشرات المليارات وبنى مئات الكباري وجهّز الطرق ثم لم يجد مستثمرا واحدا، وحين حل موسم السداد باع ويبيع وسيبيع كل أصول البلاد وإلا فالإفلاس أو السيطرة على البلد من ساسه إلى رأسه.

مصر تنتظر المجهول، وهي على حد تعبير أحد الأصدقاء الذي زارني قادما من مصر قبل أسابيع قليلة، أشبه بمجموعة تنتظر الموت ولا تعرف من أين يأتيها ولا حيلة لها، الكل يعرف أن الجدار سينهار من فوق رؤوس الجميع، والكل يعلم بحقيقة الأمر وحتمية السقوط لكن كيف ومتى، الله أعلم وربنا يستر على الشعب والبلد.

يمكنكم الاطلاع على إنفوغراف بديون مصر حتى نهاية عام 2022.

كما يمكنكم مطالعة التقرير الوافي المنشور عبر موقع "عربي21" في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 هنا.
التعليقات (0)