آراء ثقافية

فيلم "مثلث الحزن": نقد مباشر للبؤس الغربي

يقسم أوستلند فيلمه بشكل ملحمي لثلاث قطع- موقع الفيلم
يقسم أوستلند فيلمه بشكل ملحمي لثلاث قطع- موقع الفيلم
حصد المخرج السويدي روبن أوستلند سعفته الذهبية الثانية العام الحالي في مهرجان كان السينمائي مع فيلمه "مثلث الحزن" المتماهي مع آليات النقد الجذابة في عالمنا المعاصر. فيلم أوستلند كان مثل وصفة مصنوعة بحرفية متقنة للغاية لربح السعفة الذهبية في مهرجان "كان" بعد أن غدت جوائز المهرجانات السينمائية تميل للخطابات المباشرة المتزامنة مع "تريندات" العصر الراهن، ومثلث الحزن كان القالب الهجائي الأكثر موائمة مع توجه المهرجان، فهو نقد مباشر وسطحي للعالم المعاصر وتفجير فعلي للرأسمالية.

يستعاض عن العالم في مثلث الحزن، بيخت تجتمع عليه مجموعة من الأولغارشيين والأثرياء الذين يمثلون وجه الرأسمالية المعاصرة، إلى جانب تسلسل هرمي عامودي تشكله العناصر الأخرى الموجودة في اليخت، بداية من القاع/ المحرك وصمام حركة القارب الحار جداً الشبيهة بالجحيم والذي يحوي عمّال الطبقة الأدنى القائم عملهم على الجهد العضلي، يليهم طبقة عمال التنظيف المهاجرين الآسيويين بغرف تتكدس كخلايا النحل، وعبر صعودنا طبقة للأعلى سنرى المطبخ وعماله بالتوازي مع عمال وعاملات الاستقبال والضيافة الذين يشكلون طبقة الموظفين الكلاسيكية بملابسهم البيضاء وابتسامتهم الثابتة وخنوعهم الدائم، وهم شباب من بلدان متقدمة يؤدون عملهم بشكل ميكانيكي ينتشرون كالنمل على سطح اليخت وفي طبقاته المختلفة، لنرى صورة العمل الميت مقابل العمل الحيّ الفعلي بين أثرياء يتفوهون بالسخافات ومجموعات بشرية تبذل جهد عضلي فعلي لتحريك هذا العالم.

يتحول اليخت إلى صورة أشبه بصورة العالم التي قدمها جون كينيث غالبريث في مشورته لخمسة من رؤساء أمريكا ومنهم جون كينيدي، وهي مشورة قائمة على دراسة أزمة عام 1929 وهي بداية الأزمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي "الانهيار الكبير"، تحدث غالبريث عن الهوة الشاسعة بين أغنياء العالم والأفراد الآخرين وشخص غالبريث الأعراض التي أدت للانهيار الكبير، هذه الأعراض التي رتبها أوستلند على يخته والتي أصبحت اليوم واقعاً راهناً، فئة ضئيلة تستحوذ على ثروات العالم فئة من الأغنياء اعتزلوا المجتمع تعيش في عالم آخر خاص بها، عالم يملك جحيمه الخاص و جنته الخاصة وما بينهما من طبقات.

يقسم أوستلند فيلمه بشكل ملحمي لثلاث قطع، يبدأ من يايا وكارل ليستعرض الفيلم حياة الموضة المزيفة عبر دخول عالم عروض الأزياء وإعلانات شركات الملابس لنرى عرض أزياء معاصر يفتتح مع بيرفورمانس مباشر يتماشى مع خطابات الصوابية السياسية والجندرية الحالية ويتحدث عن الحب والسلام لينتهي العرض بشكل هزلي ب "تباً للبيئة" يعمل كارل ويايا كعارضي أزياء وهما على علاقة عاطفية قائمة بشكل أساسي على المصلحة المتبادلة في عصر السوشيال ميديا، من بداية الفيلم يوجه أوستلند نقداً لعالم الموضة وطرحاً مباشراً لموضوعة المساواة والعدل ليوجه النقد الساخر للنسوية ذاتها حيث تصرّ يايا على الثبات ضمن دور نمطي للمرأة فيما يخص دفع فاتورة الطعام ليصرخ كارل بعد جدل حول المساواة ب "تباً للنسوية".

اظهار أخبار متعلقة


في اليخت، يجتمع أغنياء العالم المتهربين من الضرائب مع وجهي الموضة الجديدين أو طبقة الأغنياء الجدد حيث أصبح الجمال مقياساً لكسب المال، فكارل ويايا يحصلان على دعوة لقضاء عطلة على اليخت عن طريق السوشيال ميديا. على سطح اليخت نرى وحوش المال القدماء الأصليين مع محدثي الغنى حيث انقلبت أساليب تحصيل الثروة اليوم، نرى الرأسمالي الروسي "عملاق بيع الخراء" كما يطلق على نفسه وهو ثري روسي استثمر في بيع السماد العضوي وكان سباقاً لبناء إمبراطورية من بيع الخراء للناس إلى جانبه زوجته وشريكة حياته وعشيقته الجديدة، وثنائي عجوز بريطانيين يقضون سنوات تقاعدهم على ظهر يخت بعد أن بنوا ثروتهم عبر تصنيع القنابل والأسلحة وبيعها، تقول العجوز البريطانية "لقد دمرنا اختراع الحزام الناسف وعانينا في تجارتنا، لكن عدنا لنصبح مرغوبين من جديد".

يجمع أوستلند هذه الصورة للأقصى ويشحنها حدّ الانفجار الفعلي، بعد مشاهد ساخرة وتهكمية وتشريح لعالم اليخت، يضع اليخت كعالم على حافة الانهيار فتهب العاصفة ويترنح اليخت مع ظهور القبطان الأمريكي الماركسي، في مشهد مهيب من الناحية الجمالية، إذ يفيض العالم بالقيء والبراز بعد أن أصاب الجميع دوار البحر، مع عالم يهتز من تحتهم، فقدت الأرضية توازنها وبدأ العالم بالانهيار تدريجياً، وينهار بشكل يتناسب مع قذارته الفعلية ينهار ضمن شلالات من السوائل البشرية ومسابح من القيء الفعلي، مع نقاش هزلي بين قبطان أمريكي ماركسي وثري روسي رأس مالي عن صراع الشيوعية والرأس مالية.

تلتهم الرأسمالية نفسها بنفسها، بعد تخبط العالم بطبقاته المختلفة، يسطو قراصنة على القارب عبر أسلحة من نفس شركة الثريين البريطانيين ليتم تفجير القارب بأدواته وينهار العالم، وهنا الصورة المباشرة الفجة التي استطاع أوستلند لعبها ليتم توليف الفيلم ليناسب المهرجان، فالحل الفعلي للعالم المعاصر هو نسّفه من أساسه وإعادة بنائه، وهل بنسفه سيصبح من مات معه شهيداً؟ وبهذه الحال يصبح القبطان الأمريكي الماركسي أضحية لبناء عالم جديد.

ننتقل لصورة العالم الجديد في الجزء الثالث من الفيلم، لنعود لفكرة العمل وتأسيس العالم فتاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام، من يصطاد ويأكل يمتلك زمام الأمور، لنرى أبيغيل وهي عاملة تنظيفات ومهاجرة أسيوية على متن القارب قد أصبحت سيدة الجزيرة مع بقايا الأثرياء الذين بقوا على قيد الحياة، لتعيد بناء العالم وتصنع نظاماً جديداً يستمد أسسه من النظام السابق وكأننا في لعبة دائرية تكرارية.

لم يستطع أوستلند إخفاء الإطار النظري لنقده، صرنا في الفيلم أمام عناصر نمطية وليست شخصيات حيث استحالت الشخصيات حوامل أفكار ضمن لعبة رمزية، لعبة استطاعت لمس المتفرج المعاصر وتقديم صورة كلاسيكية للبؤس الغربي، صورة عبر منها بسيل من القيء البشري الفعلي إلى جانب شلال من القيء اللفظي الذي يتحدث به ملك الخراء الروسي مع القبطان الماركسي الأمريكي.

التعليقات (2)
نسيت إسمي
الأحد، 07-05-2023 03:16 م
'' اليخت يقتحم عالم البحار و يعتبر خيارًا مثاليّاً للأثرياء '' استُخدمت اليخوت من أجل المتعة في أمريكا الشمالية، حيث بدأ الشعب الهولنديّ في نيويورك منذ القرن السابع عشر في الإبحار من أجل المتعة باستخدام اليخت، واعتُبر يخت جورج كروينشيلد المسمى بـ بارج كليوباترا عام 1815م الذي كان يبحر في البحر الأبيض المتوسط، معياراً للفخامة والجمال في أواخر القرن التاسع عشر، وبعد ذلك تمّ تأسيس أول نادٍ لليخوت الأمريكية، بهدف المتعة من قبل جون سي ستيفنز في عام 1844م. 1 ـ (الرأسمالية: قصة حب) هو فيلم وثائقي إنتاج عام 2009 كتابة وإخراج مايكل مور يرز الفيلم على الأزمة المالية العالمية ومحاولات الإنعاش منها ويصور الفيلم أيضا العنصر الديني حيث يسأل مور هل الرأسمالية خطيئة وهل السيد المسيح سيكون الرأسمالي. ويقول مور إن «هناك عائلة تطرد من منزلها كل سبع ثوان ونصف الثانية، وهذا رقم مخيف». ويزخر فيلمه الجديد بمشاهد أطفال يبكون في الشارع أو يضطرون للنوم في شاحنة مع أهلهم فضلا عن عائلات أو متقاعدين فقدوا كل شيء بسبب الأزمة. وكما يقول الفيلم فإن الأزمة المالية العالمية ناجمة عن تواطؤ بين المصارف الكبرى وإدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، فضلا عن عمل تدميري داخلي عائد إلى «الإصلاحات ونزع القيود والأنظمة» الذي جعل وول ستريت تتحول إلى «كازينو فعلي يمكن المراهنة فيه على أي شيء». وقال مور في البندقية «سمحنا لوول ستريت بالقضاء على البنية التحتية الصناعية في بلادنا لتحقيق المزيد من الأرباح». وجاء في التعليق المرافق للفيلم بصوت المخرج أن الولايات المتحدة لم تعد ديمقراطية بل أصبحت «حكم الأغنياء» حيث تتملك أقلية صغيرة جدا معظم الثروات. واعتبر مور أن خطة إنقاذ المصارف البالغة قيمتها 700 مليار دولار، تأتي على حساب المكلف الأميركي تشكل «انقلابا ماليا». في مشهد رائع يضع مور على مدخل مصرف كبير شريطا اصفر يحمل عبارة «يرجى عدم اجتياز هذا الخط: مسرح جريمة». 2 ـ (الفيلم السويدي "بدون مصفاة") ويلقي فيلم « بدون مصفاة » نظرة ساخرة على المجتمع الاستهلاكي ويتناول صراع الطبقات من خلال فكاهة شرسة، تنطوي على كثير من الصرامة. ويحكي الفيلم قصة كارل ويايا ، وهما عارضا أزياء ومؤثران، تمت دعوتهما على متن يخت لرحلة بحرية فاخرة بعد أسبوع الموضة مباشرة. بينما يعتني الطاقم بالمدعوين، يرفض القبطان مغادرة مقصورته مع اقتراب حفل العشاء الشهير. وتأخذ الأحداث منعطفا غير متوقع وينقلب ميزان القوى عندما تندلع عاصفة وتنذر بتعريض راحة الركاب للخطر. 3 ـ (سينما شعب) فيلم الإيطالي "جرف بعيداً1975" رحلة إلى البحر المتوسط تتحول إلى رحلة لاستكشاف الهيكل المجتمعي، وعلاقة الفقراء بالأغنياء؛ إذ يعمل البطل مُساعدًا لقمرة "كابينة" يخت تملكه امرأة مُتجبِّرة مُتطلِّبة. حين يتحطم اليخت، تنقلب الآية ليعاملها البطل بتسلُّطٍ؛ ينتقم لسوء تعامُلها معه. بالنسبة لمُشاهدٍ ينتمي لثقافة القرن الواحد والعشرين، قد تبدو تلك الكلاسيكيات ساذجةً أو بالية عند مشاهدتها الآن، لكن تلك الطريقة القديمة لحَبْك القصص، والمؤثرات البصرية المُتواضعة، والأداء المُفتعل أحيانًا لبعض الأبطال الذين اتبَّعوا في أسلوبهم مدارسًا قديمة في التمثيل، كل ذلك يُعتبَر في ذاته جزءًا من تجربة العودة إلى الكلاسيكيات. قد تخذلك بعض الأفلام، وقد يعجبك بعضها، وهذا هو الحال دائمًا فيما يخص السينما، لكنها بالتأكيد أفلامٌ تستحق المشاهدة، ومرحلة من تاريخ السينما جديرة بالإمعان. كل ما عليك هو أن تضع ظروف الحياة آنذاك في اعتبارك، وأن تحاول النظر للفيلم، بسلبياته وإيجابياته، في السياق المُحيط به .. الفيلم الثاني: "سعياً وراء الماس الأخضر1984" كاتبة الروايات الرومانسية جوان ويلدر تسافر إلى أمريكا الجنوبية للبحث عن شقيقتها المخطوفة وإنقاذها. تجد نفسها عالقة في الأدغال وتجد المساعدة على شكل جندي فورتشن جاك كولتون. يمر الاثنان بالعديد من المغامرات ويتعاملان مع الأشرار السيئين رالف أند كومباني وينتهي بهم المطاف بالوقوع في الحب حتى نهاية الفيلم، مع ما يماثله: محرر جوان يبكي على رواية جديدة للروائي المفضل لديها، والتي تنتهي مع لم شمل الزوجين البطلين في المطار، كما بكت في بداية الفيلم على الرحلة الرائعة المزرعة وحبيبها بعد المغامرات.عادت جوان إلى المنزل، مرتدية في البداية سترة ضخمة منفوخة، مع كعكة، خائفة من الباعة الجائلين، في النهاية بعباءة وشعرها منسدل، تبتسم للبائعين و النظرة المتعثرة على مركب شراعي رائع، أنجلينا "اسم بطلة وايلدر"، مسجلة في كولومبيا. أكثر جنونًا من المطار، جاك يلتقط جوان أمام مبناه على مركب شراعي الذي كان يحمل في ما مضى صورة اليخت و يتأملها عندما تتحقق الأحلام، تكون قد ربحت ألماسك في هذه الحالة، الحب، ولكن أيضًا وقبل كل شيء الثقة بالنفس، مهاجر أمريكي في كولومبيا، يبدو أنه جاء مباشرة من خيال جوان. يمكن رؤية الفيلم بأكمله على أنه تأثير مخيلة وايلدر معها، وليس كمزرعة شرسة كما في روايتها الأخيرة ، كبطلة. وجاك تي كولتون هو بالضرورة رجل مثالي، لأنه يتوافق تمامًا مع توقعاته وأوهامه كمغامر صعب المراس وفي نفس الوقت قادر على الرقة والحنان والوفاء بوعده لاصطحابها على حصانه الأبيض اليخت.
احمد
الأحد، 07-05-2023 07:18 ص
الفلم يذكرني بنظام حافظ البغل والذي كان على مدى سني حكمه يسمح بنقد النظام من باب التنفيس والظهور بمظهر الديمقراطي ولعل قمه ما وصل له في مسرحيه كأسك يا وطن ..... هوليود و التي ما كانت يوما لتشق عصا الطاعه على الرأسماليه التي هي احد أوجهها .... الفلم يمنح الاوسكار بنفس منطق النظام السوري والا لماذا لا تعالج قضايا اكثر الحاحا و واقعيه ولعل اهمها جرائم امريكا في العراق فعلى سبيل المثال ما حصل في الفلوجه يصلح لفلم لا مثيل له في تاريخ السينما وجوائز الاوسكار لكن هنا تنسى الديمقراطيه نفسها حيث يمنع تداول اي ادانه لجرائم امريكا التي حصلت و ليس المفتعله مثل سوء معامله الشرطه لرامبو المظلوم الذي زهق من قتل الفيتناميين فرجع للغابه لقتل الشرطه ( الوحشين أوي ) على رأي احبابنا المصريين