قال موقع "
ريبيليون" الإسباني إنه لأول مرة منذ 500 عام؛
تواجه القوى الغربية قوة اقتصادية كبيرة غير بيضاء يمكنها التنافس معها وتحاول
تحدي النظام العالمي؛ ألا وهي
الصين.
وأوضح الموقع في تقرير، ترجمته "عربي21"، أن هناك حربَا تدور
رحاها حاليًا لكي تفرض دول عدة ما تسميه التعددية القطبية؛ حيث إنه منذ التسعينيات،
والسنوات الأولى من هذا القرن، كان من الصعب التشكيك في الهيمنة العالمية للولايات
المتحدة، والتي - بغض النظر عن مقياس القوة الذي يتم النظر إليه - أظهرت أنها
مدمرة.
وأفاد الموقع بأنه الآن، يبدو أن القوة الأمريكية قد تضاءلت إلى حد
كبير، ففي العقدين الماضيين؛ عانت الولايات المتحدة من تدخلات فاشلة ومكلفة في
أفغانستان والعراق، وأزمة مالية مدمرة، ما أدى إلى تعميق الاستقطاب السياسي. في
غضون ذلك، واصلت الصين صعودها الاقتصادي الملحوظ وأصبحت أكثر أمانًا من أي وقت
مضى. بالنسبة للكثيرين، كان الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 بمثابة ناقوس الموت
للتفوق الأمريكي، وهي علامة على أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على احتواء قوى
التحريف وفرض النظام الدولي الذي بنته.
وأكد الموقع أنه من ضمن جبهات القتال المتعددة التي تشهدها الحرب بين
هذه القوى العالمية؛ تقع معركة السيطرة على صناعة أشباه الموصلات؛ باعتبارها
الضامن للثورة الصناعية الرابعة؛ حيث تدخل أشباه الموصلات تلك في مجال التقنيات
الذي بات يدخل في كل ما يستخدمه الإنسان بدءًا من الهواتف المحمولة، مرورًا بأدوات
كي الملابس والسيارات، وانتهاء بعربات وصواريخ استكشاف الفضاء والمريخ.
وذكر الموقع أنه في عام 2021؛ بلغ إجمالي مبيعات أشباه الموصلات
العالمية 556 مليار دولار، كما يمثل تصميم أشباه الموصلات -الذي يتضمن تصميم
الدوائر المادية المتكاملة والبرامج المرتبطة بها- ما يقرب من نصف استثمارات البحث
والتطوير والقيمة المضافة في الصناعة، وهو ما يجعلها مادة للصراع بين الشركات
العملاقة في الصناعة، وسباقًا بين الحكومات للتحكم فيها على حد سواء، خاصة أن
إنتاجها صعب ومكلف للغاية لدرجة أن عدد الشركات المعتمدة عالميًا قليل، ما يجعل
التحكم في سوق الرقائق سلاحًا جيوسياسيًا دفع أمريكا لزيادة القيود على صادراتها
إلى الصين لوقف صعود منافسها الاقتصادي.
وبيَّن الموقع أن سلسلة توريد أشباه الموصلات هي واحدة من أكثر
سلاسل التوريد أهمية وتعقيدًا في العالم، فهناك شركات تصمم رقائقها ولكنها تعهد
بإنتاجها وتجميعها إلى أطراف ثالثة، وشركات أخرى تدمج جميع المراحل (الشركة
المصنعة للأجهزة المتكاملة)، وفي هذه العملية، تعتبر الشركات المكرسة لتوريد أحدث
المواد والمعدات ضرورية حتى يمكن تصنيع الرقائق.
وأشار الموقع إلى أن الرقائق المصنوعة من السليكون تقوم بمجموعة
متنوعة من الوظائف؛ فهناك وحدات ذاكرة تخزن البيانات، وهي بسيطة نسبيًا ويتم
تداولها كسلع، فيما يعتبر البرنامج الذي يعمل كعقل الجهاز، أكثر تعقيدًا وتكلفة.
ونوه الموقع إلى أن الولايات المتحدة تهيمن على أكثر الأجزاء ذات
القيمة المضافة في السلسلة مع الشركة الرائدة في التصميم "كوالكوم"،
ولكن لديها مشاكل كبيرة في جعلها الأكثر تقدمًا، فيما تهيمن الشركة
التايوانية
لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) على تصنيع أقوى الرقائق، في
حين أن شركة "سامسونج" للإلكترونيات الكورية الجنوبية وشركة "إنتل"
الأمريكية أقل بكثير من سابقاتها.
اظهار أخبار متعلقة
من جانبه؛ ينتج الاتحاد الأوروبي 9 بالمئة من الرقائق على مستوى
العالم فقط، على الرغم من امتلاكه لشركة الطباعة الحجرية لمواد أشباه الموصلات
المتقدمة (ASML)، أي أنه باختصار؛ تسيطر الولايات المتحدة
وحلفاؤها على سلسلة القيمة الكاملة لأشباه الموصلات.
واعتبر الموقع أن الجانب السلبي هو أن عمالقة التكنولوجيا
الأمريكيين -بما فيهم كوالكوم وتسلا وآبل- يتعرضون لانتقادات بسبب علاقاتهم
التجارية مع الصين، لكنها ليست الشركات الغربية الوحيدة التي تحاول حماية أسواقها
التي كسبتها بشق الأنفس في الشرق في بيئة سياسية يتزايد فيها العداء؛ حيث إن تركيز
الصين الجديد على الاكتفاء الذاتي التكنولوجي وأمن سلسلة التوريد في مواجهة
العقوبات الأمريكية المتصاعدة على صناعة التكنولوجيا لديها يمثل مشكلة تجارية
خطيرة.
وقال الموقع إن نجاح واشنطن في سياسة احتواء الصين يعتمد جزئيًا
على حمل حلفائها على فرض قيود مماثلة على أعمالهم المحلية المرتبطة بالصين؛ وهو ما
أتى بثماره عندما أعلنت اليابان وهولندا في أول عام 2023 عن فرضهما قيودا على وصول
الصين إلى آلات أشباه الموصلات المتقدمة، حتى على حساب الخسائر الهائلة، حيث انخفض
السوق الأكبر الموجود في الصين؛ حيث لا يزال صانعو الرقائق في الصين يعتمدون على
التكنولوجيا الأمريكية التي يتقلص وصولهم إليها.
ولفت الموقع إلى أن إنفاق الصين الضخم في هذا المجال لم ينجح في
خلق إمدادات محلية كافية من المكونات الحيوية؛ حيث تبرز مقاطعة جوانجدونج كمركز
جديد لتصميم وتصنيع أشباه الموصلات مع حوالي 40 مشروعًا متعلقًا بأشباه الموصلات
بقيمة 72.6 مليار دولار أمريكي إما قيد التنفيذ أو في مراحل التخطيط، وهو ما يمثل
زيادة بنسبة 40 بالمئة عن الـ52.7 مليار دولار المخصصة لصناعة أشباه الموصلات في
الولايات المتحدة بموجب قانون "CHIPS" الذي
أصدرته إدارة بايدن.
ونقل الموقع عن رابطة صناعة أشباه الموصلات، التي تجمع بين مصنعي
أشباه الموصلات في أمريكا - في تقرير لها - إن حصة السوق المجمعة للشركات
الأمريكية المخصصة لتصميم الرقائق انخفضت بنسبة 4 بالمئة في ست سنوات فقط؛ حيث
كانت 50 بالمئة في عام 2015، ووصلت في عام 2021 إلى 46 بالمئة، حيث تخوفت الرابطة
من أن هذا الاتجاه التنازلي قد يتسارع في السنوات القادمة، ما قد يفقد واشنطن
ريادتها في مجال تصميم الرقائق، كما فقدت ريادتها في تصنيعها لصالح منافسيها
الأساسيين في الصين وكوريا الجنوبية.
وشدد الموقع أن من يحكم الرقائق سيحكم العالم؛ فوفقًا للخبراء،
تواجه الصين أكبر تحدٍ لها، وهي تجاوز تأخرها البالغ مدته 20 عامًا بين تقنية
الرقائق الخاصة بها عن تلك الخاصة بالغرب؛ حيث تمتلك أكبر شركة صينية لتصنيع
الرقائق - وهي شركة تصنيع أشباه الموصلات (SMIC) - حصة سوقية تقريبية تبلغ 5
بالمئة، ولكن هناك شيء مهم للغاية يجعل هذه الشركة الصينية في وضع غير موات بشكل
واضح مقارنة بمنافسيها الأمريكيين والتايوانيين والكوريين الجنوبيين: فهي لا تملك
إمكانية الوصول إلى آلات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية الشديدة (EVU)، والتي تعد حاليًا الأكثر تطورًا والتي
ينتجها مصنع هولندي قيّد وصول منتجاته إلى الصين وفقا للاتفاقية المذكورة أعلاه،
وهو ما يجعل قدرة الشركة الصينية على المنافسة عالميًا ضعيفة.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب الموقع؛ فعلى الرغم من أن معظم صناعة الرقائق في العالم
تتمركز في شرق آسيا، إلا أن الصين تعتمد على الرقائق الأجنبية، فهي أكبر مستورد
لأشباه الموصلات في العالم، وقد أنفقت أموالاً على شرائها أكثر من النفط. ففي عام
2021؛ اشترت الصين رقائق قياسية بقيمة 414 مليار دولار، أو بأكثر من 16 بالمئة من
قيمة إجمالي وارداتها، وفقًا لإحصاءات الحكومة.
واختتم الموقع التقرير بالقول إن حرب أشباه الموصلات تحمل في
طياتها العديد من المخاطر؛ فقد أدى عدم وجود اتفاقية شاملة متعددة الأطراف إلى
إثارة مشكلة تحفيز الشركات الأجنبية على "هندسة" المكونات الأمريكية،
وتكرار تقنيتها، وإنشاء سلاسل توريد مستقلة لخدمة السوق الصينية، كما اتضح أنه -مع
استمرار الخلاف- فالأمن القومي لا يعني شيئًا إذا تأثرت الأرباح، وأن سيطرة الشركة
التايوانية لصناعة أشباه الموصلات على 54 من سوق الرقائق قد أضاف سببًا أكبر للحرب
على الوصاية على الجزيرة بين الصين وأمريكا.