قضايا وآراء

انعكاسات حرب السودان على المشهد المصري

قطب العربي
مثّل احتجاز الجنود المصريين على يد قوات الدعم السريع مؤشرا على علاقة مصر بأطراف الصراع بالسودان
مثّل احتجاز الجنود المصريين على يد قوات الدعم السريع مؤشرا على علاقة مصر بأطراف الصراع بالسودان
لا شك أن مصر من أكبر الجيران المتضررين من حرب السودان إن لم تكن أكبرهم، فطوفان المهاجرين يتدفقون بعشرات الآلاف عبر الحدود البرية، والذين قد ينتقلون من خانة الآلاف إلى خانة الملايين، ومع استمرار وتصاعد الحرب تتزايد الأخطار الأمنية والاقتصادية أيضا.

يظهر عمق العلاقات التاريخية الممتدة منذ عهد محمد علي بين مصر والسودان عند الأزمات، دعك من الصيحات النشاز في مصر والسودان والتي تحاول صناعة "ترند" بين الحين والآخر، وانظر إلى التعامل المصري الحالي مع تدفق آلاف المهاجرين؛ حفاوة استقبال من الجميع على المستويين الرسمي والشعبي، والشعبي هنا أيضا بمختلف توجهاته السياسية سواء مؤيدة للنظام أو مناهضة له، الجهات الرسمية والوزارات تتسابق في تقديم التسهيلات، شركات اتصالات توفر مكالمات مجانية بين البلدين، خطوط السكك الحديدة تضاعف قاطراتها، خدمات صحية للنازحين، مواطنون يعرضون بيوتهم لاستضافة السودانيين وتقديم الخدمات لهم..

هذا الموقف حدث من قبل حين اضطر آلاف المصريين إلى الهجرة عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 فكان السودان هو الوجهة للعدد الأكبر منهم سواء بقوا في السودان، أو انتقلوا منها إلى دول أخرى لاحقا، ولا ننسى أيضا سيمفونية الحب التي عرفها السودانيون من مختلف الاتجاهات خلال استقبالهم لأولئك المهاجرين المصريين.
كان أهم ما كشفته تلك السفسطة هو تراجع إن لم يكن غياب الدور المصري في السودان وعموم أفريقيا بعد أن كان ذلك يمثل ركنا ركينا في السياسة الخارجية المصرية على مدار عقود سابقة، ولم تكن وزارة الخارجية فقط هي من تتابع تلك العلاقات، بل كانت رئاسة الجمهورية والمخابرات العامة تسبقانها في ذلك بحكم أهمية الملف

هذا المظهر جاء بعد سفسطة نخبوية من شخصيات أو مجموعات لا وزن لها على الجانبين، وبلغت ذروتها في مباراة ناديي الأهلي المصري والهلال السوداني قبل اندلاع الحرب، وكان أهم ما كشفته تلك السفسطة هو تراجع إن لم يكن غياب الدور المصري في السودان وعموم أفريقيا بعد أن كان ذلك يمثل ركنا ركينا في السياسة الخارجية المصرية على مدار عقود سابقة، ولم تكن وزارة الخارجية فقط هي من تتابع تلك العلاقات، بل كانت رئاسة الجمهورية والمخابرات العامة تسبقانها في ذلك بحكم أهمية الملف.

الأهم من تلك المظاهر هو التداعيات المتوقعة للحرب السودانية على المشهد المصري بكل تموجاته، سواء في قدرة النظام على امتصاص صدمة الحرب وتداعياتها الاقتصادية، أو حتى استغلالها لتمرير سياسات وقرارات جديدة، أو في علاقات مصر الإقليمية، أو الانعكاس على الملف الأهم بالنسبة للمصريين وهو ملف سد النهضة.

بدا من تطورات الأحداث أن السلطات المصرية فوجئت بما حدث في السودان، وخاصة أسر عدد من ضباط وجنود الجيش المصري في قاعدة مروي العسكرية رغم أن قوات الدعم السريع كانت تحاصر تلك القاعدة قبل أيام من جريمتها، ما يعني أن الأمر كان متوقعا للجميع، لكن السلطات المصرية لم تسارع لسحب جنودها، الذين لم يتم إطلاقهم إلا بعد وساطة إماراتية؛ من الواضح أنها تضمنت تعهدات مصرية بعدم التدخل المباشر في الحرب دعما للجيش، رغم أن الرواية الرسمية التي ترددها الأذرع الإعلامية المصرية هي مساندة الجيش ووصف قوات الدعم السريع بالمتمردين!!

مهما حاول نظام السيسي ادعاء الحياد فإن تداعيات الحرب كبيرة على مصر، فالهجرة الواسعة تصاحبها مخاوف أمنية عبر الحدود، وهذه المخاوف الأمنية لن تقتصر على الحدود المصرية بل ستظهر حال طالت الحرب عبر تنظيمات مسلحة إقليمية ودولية داخل السودان، وستمثل تهديدا جديدا لمصر أيضا، ناهيك عن احتمالات انفصال بعض أجزاء السودان في الغرب أو الشرق لتكون دولا جديدة على حدود مصر الجنوبية، وستكون لها سياساتها التابعة لداعميها الإقليميين والدوليين.

من وجهة النظر العسكرية المصرية فإن الجيش الوطني السوداني هو الأولى بالرعاية والدعم كونه جيشا نظاميا له تراتبية عسكرية مثل غيره من الجيوش، على عكس قوات الدعم السريع التي هي مجرد مليشيا جهوية استخدمها نظام البشير لمواجهة خصومه في دارفور، وقامت بمهمتها ولذا تم إسباغ صفة عسكرية عليها، واعتبارها جزءا من القوات المسلحة وإن كانت تبعيتها للبشير شخصيا بعد أن رفض الجيش تبعيتها له بصورتها تلك، وتم منح قادتها وأفرادها رتبا عسكرية وصولا إلى رتبة فريق أول لقائدها حمدان دقلو الذي لم يتلق تعليما عسكريا فضلا عن عدم تلقيه تعليما عاديا، وحتى حينما زار حميدتي مصر قبل الحرب رفض الجيش المصري استقباله باعتباره ليس عسكريا محترفا، واقتصرت لقاءاته على المسئولين المدنيين.

ستستغل إثيوبيا هذه الحرب للمسارعة في إكمال عمليات الملء والتشغيل دونما اتفاق مع مصر أو السودان، كما أن الموقف السوداني الرسمي تحت قيادة البرهان الداعم لمصر سيتحول 180 درجة دعما لإثيوبيا في حال انتصار قوات حميدتي وتبوؤه منصب الرئاسة. فحميدتي يرفع أو يغذي شعارات الكراهية لمصر، واعتبارها دولة محتلة، وفي الحد الأدنى متكبرة على بلاده، وهذه الدعاية السلبية تروق لبعض السودانيين
انطلاقا من هذه العقيدة العسكرية ظهر النظام المصري وعبر أذرعه الإعلامية مساندا للجيش السوداني في مواجهة الدعم السريع، وربطته اتفاقيات تدريب عسكري معه، وبقت بعض قواته في قاعدة مروي حتى وقعت الحرب والأسر، كما أن السيسي يحتفظ بعلاقة جيدة مع البرهان الذي هو جنرال مثله، وقد أدى له التحية العسكرية في زيارة سابقة في إشارة رمزية لاحترامه كقائد أعلى رتبة عسكرية منه، وكان النظام المصري يعتمد على البرهان كثيرا في ملف سد النهضة، بينما اتخذ حميدتي موقفا معاكسا بدعم إثيوبيا.

هنا ندخل مباشرة إلى الأزمة الأخطر وهي تداعيات الحرب على ملف سد النهضة، حيث ستستغل إثيوبيا هذه الحرب للمسارعة في إكمال عمليات الملء والتشغيل دونما اتفاق مع مصر أو السودان، كما أن الموقف السوداني الرسمي تحت قيادة البرهان الداعم لمصر سيتحول 180 درجة دعما لإثيوبيا في حال انتصار قوات حميدتي وتبوؤه منصب الرئاسة. فحميدتي يرفع أو يغذي شعارات الكراهية لمصر، واعتبارها دولة محتلة، وفي الحد الأدنى متكبرة على بلاده، وهذه الدعاية السلبية تروق لبعض السودانيين (وإن لم يكن جميعهم)، وهو يحاول توظيفها لصناعة ظهير سياسي أوسع له مع قوى الحرية والتغيير التي يغازلها بشعار الديمقراطية (التي لا يعرف عنها شيء)

وبمناسبة الحديث عن الديمقراطية فإن النظام المصري يخشى بالفعل من انتصار المسار الديمقراطي في السودان، وقد بذل كل جهده لتعطيل هذا المسار خلال السنوات الأربع الماضية، حتى لا تنتقل العدوى إلى شمال الوادي، أو تحيي آمال المصريين نحو الديمقراطية. وهذا سبب إضافي يفسر موقف النظام المصري الداعم للجيش السوداني حتى الآن.

في هذه الأزمة الجديدة قد يوظفها النظام لصالحه في تبرير بعض سياساته الحالية التي تلقى انتقادات واسعة، أو ربما بهدف فرض سياسات أشد قسوة بحجة حماية الأمن القومي المصري، وربما يكون ضمن تلك الإجراءات تنصله من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حال طالت الحرب حتى موعدها.. فلننتظر ولنراقب
وفي المقابل ورغم الصورة التي رسمها حميدتي وأنصاره المدنيون للبرهان أو للجيش السوداني بزعم أنه جيش الكيزان (الإسلاميين)، فإن النظام المصري يثق بأن البرهان سينقلب على هؤلاء الإسلاميين، وسيتم إعداد خطة الانقلاب في مصر هذه المرة، بحيث يخلو الحكم بعد انقشاع المعارك للبرهان ورجاله المخلصين. وقد بادر البرهان نفسه بالتصريح بأنه لن يسمح للدعم السريع أو الإسلاميين بالوصول إلى الحكم؛ في ربط غير منطقي بين قوه عسكرية وأخرى مدنية تنافس على السلطة عبر الآليات الديمقراطية.

يبقى أن نعرف ان النظام المصري يتحرك سريعا عند كل أزمة داخلية أو خارجية لتوظيفها لصالحه مستغلا سيطرته على وسائل الإعلام، واحتكاره للرواية الرسمية، وملاحقته لمن ينشر ما يناقضها، فعل ذلك في أزمة كورونا وفي الحرب الأوكرانية، وفي هذه الأزمة الجديدة قد يوظفها النظام لصالحه في تبرير بعض سياساته الحالية التي تلقى انتقادات واسعة، أو ربما بهدف فرض سياسات أشد قسوة بحجة حماية الأمن القومي المصري، وربما يكون ضمن تلك الإجراءات تنصله من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حال طالت الحرب حتى موعدها.. فلننتظر ولنراقب.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (1)
مصري
الأحد، 30-04-2023 12:58 م
هذه الحرب فضحت عورات السيسي و مع ذلك يحاول اتخاذها وسيلة للشحاته ثم هو لا يحتاج لكارثة للزيادة في اجرامه هذه الحرب ايضا اوضحت الفرق لو حمل الاخوان السلاح لان هناك اكثر من 12 مليون انتخبوا الرئيس مرسي رحمة الله عليهم لو نصفهم او ربعهم حمل السلاح ربما كنا اسوا من السودان الان و لكن هم رضوا القتل و النهب و جميع الاتهامات و المعتقلات بدلا من ان يحمل في رقبتهم الدماء جزاهم الله خيرا