تقارير

مذهب الشيخ صالح المغامسي الجديد ما حقيقته ولماذا أثار كل هذه الضجة؟

المغامسي أراد التقرب من ولاة الأمر، في التقارب السني الشيعي، وتقديم مدرسة العقل على النقل.. (تويتر)
المغامسي أراد التقرب من ولاة الأمر، في التقارب السني الشيعي، وتقديم مدرسة العقل على النقل.. (تويتر)
أثارت تصريحات الداعية الإسلامي السعودي صالح المغامسي، والتي عبر فيها عن رغبته بإنشاء مذهب فقهي جديد، استهجانا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، لغرابتها الشديدة، ونشوزها عن المسارات الفقهية المعروفة من جهة، ولعدم أهلية المغامسي للقيام بتلك المهمة من جهة أخرى وفق منتقديه.

عُرف الشيخ صالح المغامسي بدروسه وبرامجه الوعظية والإرشادية العامة، وهو وإن كانت له مشاركة فقهية وأصولية عامة إلا أنه ليس عالما بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق التي تؤهله لإنشاء مذهب جديد، فما هي دوافعه في إطلاق ذلك القول؟ وهل هي دعوة علمية محضة أم تعكس توجهات سياسية معينة لتجاوز المذاهب الفقهية الأربعة المعروفة، بإنشاء مذهب جديد يتبنى جملة الاختيارات الفقهية التي تتناسب مع تلك التوجهات السياسية؟

في مقابلته مع قناة السعودية لم يوضح المغامسي معالم المذهب الفقهي الجديد الذي يرغب بإنشائه، بل اكتفى بالقول: "هم يستكثرون عليك أن تراجع الفقه الإسلامي.. إذا اعترفتم أنهم بشر (أئمة وعلماء المذاهب) ما الذي يمنع؟ من قرأ الفقه الإسلامي وتاريخه من مصادره الحقيقية وأعطاه الله وعيا، وتجردا لله وحبا للخير للناس، نحن لا نقول إننا أولى الناس أن يأتي بمذهب، كثيرون في الأمة أكفاء لهذ الأمر".

وتابع: "لكن إذا كان فلان تردد، وفلان عجز وفلان توارى وفلان خشي، هذا شيء يخصه هو، لكن لا بد أن يكون هناك مراجعة للفقه الإسلامي القائم، ولا بد من قيام مذهب إسلامي جديد، لا يعني هدم السابق، ولا يعني أن ننتقص أحدا، ولا أن نذمه ولا نعيبه، ولا أن نقول فيه وفيه، كلهم علماء أجلاء من نعرف ومن لا نعرف..".

وكان لافتا أن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في السعودية، أوضحت "أن الدعوة إلى إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد، تفتقد الموضوعية والواقعية"، وقالت: "إن الفقه الإسلامي بمذاهبه الفقهية المعتبرة، واجتهاداته المتنوعة، يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، ويوفق بين حاجاتها والشريعة الإسلامية، وهو ما تبرهن عليه الهيئات العلمية، والمجامع الفقهية، التي تمارس الاجتهاد الجماعي".

وأضافت: "إن من نعم الله على المسلمين ـ في هذا الوقت ـ تيسر الاجتهاد الجماعي عبر هذه الهيئات والمجامع، التي تتفاعل إيجابا مع حاجات المجتمع وتطوراته المعرفية والاجتماعية والاقتصادية، ومئات القرارات التي صدرت عن هذه المؤسسات المجمعية في مختلف المجالات برهان ساطع على ذلك".

وفي الإطار ذاته تساءل أستاذ مقاصد الشريعة، الدكتور وصفي عاشور أبو زيد "ما الداعي لهذا المذهب؟ وما المشاكل التي تقتضيه؟ وهل المغامسي عنده من المؤهلات ما يمكنه من ذلك، وهل المذاهب الموجودة فيها نقص سيستدركه بمذهبه الجديد"؟

وتعليقا على ما قاله المغامسي من أن الثغرة الموجودة الآن تتطلب تأسيس مذهب جديد، ولا مناص من ذلك، تساءل أبو زيد: "ما هي هذه الثغرة التي يتحدث عنها المغامسي هنا، والتي دعته إلى تأسيس مذهب فقهي جديد"؟ ناقلا عن المغامسي أن مما دعاه إلى ذلك "طغيان السند على صحة المتن"، متسائلا: "وهل هذا مذهب فقهي جديد؟ هذا كلام في السنة النبوية ولا علاقة له بالفقه، وهذا يتعلق بمسألة واحدة من مسائل فقه السنة..".

ورأى أبو زيد أن ما قاله المغامسي ينطبق عليه تماما المثل القائل "تمخض الجبل فولد فأرا"، لأن حديثه عن نقد المتن الحديثي لا جديد فيه، ولا علاقة له بإنشاء مذهب فقهي جديد، فهذا مبحث من مباحث فقه السنة النبوية، وثمة جهود معروفة للأئمة والعلماء المتقدمين في نقد متون الحديث، ككتاب "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" لابن القيم، وكتاب "مشكل الآثار" للطحاوي، وكتاب "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة "ومسألة اهتمام علماء الحديث بالسند لأنه طريق نقل الأحاديث وتدوينها..".

من جهته قال الأكاديمي السعودي، المتخصص في العلوم الشرعية، الدكتور إبراهيم الحازمي: "صالح المغامسي واعظ وخطيب سابق، وليس أكاديميا ولا عالما ولا فقيها، وليس لديه مؤهلات ومواصفات المجتهد القادر على إنشاء مذهب فقهي جديد، مع أنه لم يبين ما هي معالم ذاك المذهب الجديد الذي يرغب بإنشائه، لقد وجد في تاريخنا الإسلامي علماء وفقهاء كبار كابن تيمية وابن القيم وابن حزم وغيرهم، لكنهم لم يقولوا ما قاله المغامسي".


                     إبراهيم الحازمي، أكاديمي سعودي متخصص في العلوم الشرعية

وأضاف: "والذي يظهر أنه أراد بذلك التقرب من ولاة الأمر، في التقارب السني الشيعي، وتقديم مدرسة العقل على النقل، ورد أحاديث الآحاد والأحاديث الصحيحة التي تخالف العقل مثل ما فعله بعض المعاصرين، لكن رد هيئة كبار العلماء وغيرهم من العلماء يدل على جهله وعدم معرفته بأن أصحاب المذاهب المعروفة والمشهورة لم يقوموا هم بإنشاء مذاهبهم وإنما طلابهم فعلوا ذلك بعدهم، ولهذا اندثر مذهب سفيان الثوري والأوزاعي والطبري لعدم قيام تلاميذهم بنشر مذاهبهم ونقلها".

وأردف الحازمي لـ"عربي21": "في تقديري هو لا يريد تأسيس مذهب جديد في الواقع، وإنما يريد أن ترضى عنه الدولة (ولاة الأمر)، بعد أن تم طي ملفه من مسجد قباء وغيره، فجرت هذه الكلمة على لسانه وهو ما أثار عليه الناس، وعرضه لانتقادات شديدة، فهي محاولة منه للتقرب إلى أولياء الأمر في هذه المرحلة".

ولفت الحازمي إلى أن إمام مسجد قباء الحالي، الذي حل محل المغامسي بعد إعفائه من مهام الإمامة والخطابة فيه، الدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي ألف رسالة في الرد على المغامسي سمّاها "الجواب السديد على مدعي المذهب الجديد" ناقش فيها ما قال ورد عليه ردا مفصلا.

وفي ذات الإطار وصف أستاذ التفسير وعلوم القرآن، الدكتور مصطفى عليان الدعوة إلى إنشاء مذهب إسلامي جديد بـأنها "دعوة سطحية، غالبا ما تصدر ممن لم يدرس أصول الفقه وفروعه وتاريخ المذاهب، وممن يطمح إلى الشهرة، والداعي إلى مثل هذه الأفكار إن كان يقصد إنشاء مذهب جديد بأصوله وفروعه فدعوته أقرب ما تكون إلى الخيال، ورجاؤه داخل في قسم المحال".

وأضاف في حواره مع "عربي21":  "لكن إن كان يقصد الاختيار من المذاهب الأربعة فهذا جائز بشروطه المعروفة، ولا ضير في ذلك، وما زال علماؤنا يفتون بالمذاهب الأربعة بلا إشكال، أما مآلات الدعوة إلى مذهب جديد فيلزم منها أمور خطيرة، كاتهام الأئمة بأنهم اخترعوا المذاهب من عند أنفسهم، أو أن مذاهبهم هي نتيجة إرادة سياسية للخلفاء والتاريخ يشهد بكذب هذه المزاعم".



وتابع عليان: "فالإمام أبو حنيفة ضُرب من أجل أن يقبل القضاء، والإمام مالك رفض أن ينشر الخليفة كتابه في الأمصار ويحمل الناس عليه، والإمام أحمد رفض تقرب المتوكل منه وردَّ عطاياه كلها، كما وقف في وجه ثلاثة خلفاء في فتنة خلق القرآن، كما يلزم من الدعوة إلى مذهب جديد الجهل بأن المذاهب قادرة على الإجابة عن النوازل المعاصرة، وفتح الباب أمام أدعياء التجديد للتلاعب بالشريعة".

وردا على سؤال هل من الممكن الاجتهاد اليوم.. وفيم يجتهد العلماء؟ قال عليان صاحب المؤلفات في التفسير والعقيدة والفقه: "باب الاجتهاد مفتوح بدليل أن الفقهاء ما زالوا يفتون في النوازل والمستجدات، وهذا يحتاج ـ بلا شك ـ لاجتهاد، فالقول بأن باب الاجتهاد قد أُغلق قول غير صحيح إلا إذا أريد منه الاجتهاد المطلق فهو متعذر اليوم؛ لأن الفقهاء قد اتفقوا في أكثر الفروع الفقهية، فيحرم الخروج عن قولهم، واختلفوا في مسائل على أقوال فيحرم إحداث قول جديد لم يقولوا به".

وأوضح ذلك بقوله: "بمعنى أننا لسنا بحاجة إلى إعادة النظر في أحكام الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والزواج والطلاق والأيمان والنذور.. إلخ، فإنه لا جديد فيها إلا في بعض النوازل المعاصرة كالصلاة في الطائرة، وتوسعة المسعى بين الصفا والمروة وبعض أنواع البيوع والشركات، فمثل هذه المسائل باب الاجتهاد مفتوح فيها لأصحاب التخصص الشرعي الدقيق ممن درسوا المسألة دراسة تامة واستفرغوا طاقتهم في طلب الحق".

ولفت إلى أن "هذا الباب واسع، وقد بحثه علماؤنا في كتب أصول الفقه، وتاريخ المذاهب، ومن أفضل الكتب المؤلفة في ذلك كتاب "التمذهب" للدكتور عبد الفتاح اليافعي، وكتب الشيخ العلامة محمد أبي زهرة حول المذاهب الإسلامية، فإنها من أحسن الكتب في هذا الباب".

بدوره قال أستاذ الفقه الشافعي في المحظرة العالمية، الدكتور علي إسماعيل القديمي: "كأن المغامسي من خلال كلامه الأخير يشير إلى أن معالم المذهب الجديد الذي يرغب بإنشائه اعتماد العقل في رد وقبول النصوص التي فيها اجتهاد، أو تتعارض مع نصوص أخرى أقوى منها، وكذلك المسائل الجديدة لا بد من الاجتهاد والتجديد بما يتناسب مع العصر".


                      علي إسماعيل القديمي، أستاذ الفقه الشافعي في المحظرة العالمية

وعن دوافع ما قاله المغامسي إن كانت علمية محضة أم ثمة مؤثرات سياسية، لفت القديمي في تصريحاته لـ"عربي21" إلى أن "عزل المغامسي عن الإمامة والخطابة في مسجد قباء، وربما الإقامة الجبرية التي يعيشها حاليا، من الوارد أنها أدخلته في حالة نفسية معينة، حملته على إطلاق مثل هذه الدعاوى الغريبة".

وأرجع في ختام كلامه أسباب إثارة تصريحات المغامسي لهذه الضجة والتفاعلات الواسعة إلى "ثقله الإعلامي، وحضوره الوعظي الواسع في أوساط عامة المسلمين، من خلال برامج فضائية قدمها أو شارك في تقديمها لها جمهور واسع، ولا يبعد أن يكون تأثير لمن يقف وراء تصريحاته تلك فيما يتناسب مع اتجاهه".
التعليقات (4)
نسيت إسمي
الثلاثاء، 18-04-2023 12:43 م
صفحات وضّاءة في التاريخ الإسلامي الذي سطره بحروف الإيمان المشرقة نبيُّ البشرية جمعاء محَّمد بن عبد الله صلوات الله و سلامه عليه. و هي صورة من صور الجهاد الدؤوب، و النضال الصادق، نستخلص منها القيم الإنسانية و الخُلُقية الفاضلة، لتكون منارة تضيء للأجيال المؤمنة طريق الهداية و الفلاح، نحو حياة كريمة، تتوفر فيها سعادة الدنيا و الآخرة. قال الله جل و علا: "قل هو من عند أنفسكم" أكثر المشكلات التي تعاني منها الشعوب و الأمم ـ منها أمتنا ـ يعود إلى قصور داخلي. يقول إبن خلدون أيقونة علم الإجتماع في ما يقول ملاخصه عندما يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء و المزايدات على الإنتماء، و مفهوم القومية و الوطنية و العقيدة و أصول الدين، تتكشف الأقنعة، و يختلط ما لا يختلط، يضيع التقدير و يسوء التدبير، و تختلط المعاني و الكلام، و تشح الأحلام و يموت الأمل ، و تزداد غربة العقل.
Dr. Walid Khier
الثلاثاء، 18-04-2023 12:29 م
المضحك أن نقرأ تعليقات تعبر أن أزمات اصحابها النفسيه تدعى أن هذا الأراجوز يدعو إلى تحكيم العقل بينما هو يدعو للانبطاح لولى الأمر كائناً أياً كان. السجال بين العقل والنقل قديم وتم حسمه فعلاً، ولم يطرأ عليه جديد منذ ألف عام تقريباً. لذلك من السذاجه، أو الجهل لست أعلم، تحميله مسؤوليه تردى حال الأمة اليوم. ما نحن فيه من ضعف وهوان سببه فساد الحكام وتزيين أمثال المغاميسي من الفسده للشعوب ما فيه من ذل وهوان لضمان إستكانتهم وخضوعهم للسلطان.
أبو فهمي
الثلاثاء، 18-04-2023 05:58 ص
ليس الأول ولن يكون الأخير في """" حب الظهور """" والانتفاع المادي الشخصي فقد أصبح """ غثاء السيل فقهاء عصورهم يتناطحون فيما بينهم على أن كل واحد منهم أفهم من الآخر وكما نرى ونقرأ ونسمع عنهم ومنهم جميعا أنهم عبارة عن """"" حثالة """"" تطلب النفع ورضاء أولياء الأمر عنهم لرفع مكانتهم وهم بالنتيجة كما يقول المثل ::::::::::: وضعناهم على الرف فوجدناهم بين الصرامي :::::::::::. وهذا ليس بغؤيب على """" مقشات الششامي وأكبر مثال غنهم هو ما فعل """"""" مبس """""""" بالوهابية وشيوخها الذين أصبحوا بخبر كان وأصبحت الأراضي المقدسة """""" ماخور """""" عام لجماعة """" الترفيه """"" يفعلون ما نراه ونسمعه علنا بدون خجل أو حياء فاذا """" نط """" هذا المغامسي فلا مانع عندهم ومن المحتمل أن يدعموه فالمهم هو """"" الفساد والافساد """"" ولكن مشكلتهم لمن ؟؟؟؟؟؟ لغثاء سيل لا يعرفون رؤوسهم من أرجلهم!.
كريم وجدة المغرب
الإثنين، 17-04-2023 07:30 م
لا زالو يسخرون ممن يدعو الى استعمال العقل ولا يستحون من تعييره بالجهل ! اربعة عشر قرنا ونحن نتبعكم الى ما اوصلتمونا؟ امتنا في العالم لا تكاد تنتج شيئا غير المواد الاولية، كل حاجيتنا نشتريها اما من الغرب من اوربا وامريكا واما من الشرق الصين واليابان نحن عالة على الناس لا نصنع شيئا