يعد
أدب الأطفال جسر الخيال الذي يعبر من خلاله الناشئون إلى عالم من المتعة يناسب
عقولهم الصغيرة حجما والواسعة إدراكا. وجسر الخيال المقروء أفضل على كافة الأصعدة
التعليمية والتربوية والنفسية من جسر الخيال المرئي عبر الشاشات المختلفة. وهي
حقيقة يعرفها الجميع ولا يملكون الأدوات الكافية لمكافحة ظاهرة غزو الشاشات لعقول
وقلوب الصغار، بشكل يؤثر سلبا في خيالهم بغض النظر عن المحتوى المرئي.
وهنا
تبرز أهمية أدب الأطفال كوسيلة للتشجيع على فضيلة القراءة من ناحية، ولتشكيل ملامح
خيال الجيل الجديد من ناحية أخرى. ولأن هذه القضية على الصعيد العربي قتلت بحثا،
سأكتفي في هذا المقال بإشعال شمعة تضيء تجربة فريدة في أدب الأطفال العربي بدلا من
لعن الظلام.
كانت
قصص الأستاذ خليل حداد أول ما قرأت وأنا في بواكير المرحلة الابتدائية في مجلة
ماجد الشهيرة، فقد كان يحرر باب أحباب الله ثم أبوابا أخرى لاحقا. تعلقت أول الأمر
برسوم القصة التي كانت تحمل توقيعه، فهو فنان تشكيلي يجيد الرسم التعبيري غير
المباشر. فكل قصة تحمل رسمة تكاد تتطابق مع الصورة التي يرسمها بكلماته في قصته، وبكل
رسمة قدر كبير من الجمال والغموض يغري القارئ بأن يسرح بخياله فيها طويلا.
رسالة من القيم ينقشها في قلب القارئ من دون أن يشعر، وتذوب في بحر نشوة البيان العذب والحبكة القصصية
وكانت
مواضيع باب أحباب الله ليست وعظية بقدر ما كانت حكايات ممتعة نابعة من التاريخ
أحيانا ومن الواقع أحيانا أخرى، غير أن فيها رسالة من القيم ينقشها في قلب القارئ
من دون أن يشعر، وتذوب في بحر نشوة البيان العذب والحبكة القصصية.
لم
أكن أعرف حينها أن حداد هو أحد مؤسسي مجلة ماجد، وأنه صحفي مصري وشاعر وفنان
تشكيلي له تجارب مهنية عريقة في مصر وعدد من الدول العربية، لكنه آثر أن يستثمرها
كلها في أدب الأطفال. وقد قررت بعض الدول العربية قصصه في مناهجها لتلاميذ المدارس،
وله عدة قصص وروايات مطبوعة وديوان شعر.
ولا
يزال رغم تقاعده يفيض إبداعا، وقد بدأ في نشر تفسير للقرآن الكريم للصغار من جزء
عمّ، وحصل على إجازة له من الأزهر الشريف. وما لفت نظري في تجربته هذا الأديب
والفنان الموسوعي عدة أمور: أولها أنه دخل إلى أدب الأطفال من باب الصحافة التي
تحترم الطفل كقارئ؛ تحدثه بلغة بسيطة لكن تعامله كرجل أو امرأة ناضجة. واستثمر
موهبته الصحفية في مخاطبة الأطفال، في وقت يعتبر فيه كثير من الموهوبين أن تقديم
مثل هذه الأعمال للأطفال مجرد محطة مهنية يتجاوزونها بعد فترة قليلة من الزمن.
تجربة الأستاذ خليل حداد أن أدب الأطفال لا ينفصل عن الأديب نفسه وتجربته وحوافزه لخوض هذه التجربة، فكلما تجلى الصدق والوعي التربوي في كلماته كانت أسرع في النفاذ بسرعة عجيبة إلى عقول وقلوب الصغار
وثانيا
أنه استخدم واحدة من أهم خصائص وسائل الإعلام مبكرا بشكل نادر مع الأطفال وهي
التفاعل المباشر، فقد كان يحرر أسبوعيا باب "أنا عندي مشكلة" ويرفقه بقسم
آخر هو "إلى كل أب وأم". وبصيغة أدبية تضاهي أسلوب الصحفي الراحل عبد
الوهاب مطاوع في الأهرام؛ يستقبل ويعرض مشاكل الأطفال والمراهقين ويقدم ما يراه من
حلول لها، أو يطلب الإحالة لمختص إن تطلبت الحالة ذلك، ومن وحي هذه المشاكل يقدم
نصائح تربوية أسبوعية للآباء والأمهات.
وثالثا
أن ملامح الأسلوب
الأدبي له هو السهل الممتنع الذي يعكس تجربة شخصية واسعة وفهما
للجغرافيا والتاريخ؛ بشكل عميق يقدم للطفل سياحة أدبية حول العالم. فشخصيات قصصه
تتنوع بين شاب في أمريكا وعائلات في صعيد مصر وبدوي في الصحراء، وغيرها.
تثبت
تجربة الأستاذ خليل حداد أن أدب الأطفال لا ينفصل عن الأديب نفسه وتجربته وحوافزه
لخوض هذه التجربة، فكلما تجلى الصدق والوعي التربوي في كلماته كانت أسرع في النفاذ
بسرعة عجيبة إلى عقول وقلوب الصغار. وهي تجربة تثبت أن المشكلة ليست في نوعية
الأدب المقدم للأطفال ولا في نوعية الأدباء، ولكن ربما في مناخ يسمح ويشجع ويرعى
هذا الإبداع.
twitter.com/HanyBeshr