نشرت
صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا حول تنامي الدبلوماسية
الصينية في الشرق الأوسط،
وإنجازها الأخير في إعادة العلاقات
السعودية-
الإيرانية.
وأضافت
أن الاتفاق الذي تم التفاوض عليه في بكين لاستئناف العلاقات بين البلدين المتنافسين
هو بمثابة إعادة تشكيل ولو مؤقت للتحالفات والعداوات في وقت وقفت فيه الولايات المتحدة
مع المتفرجين.
وفي
التقرير الذي أعده بيتر باركر قال: "في النهاية، هناك اتفاقية سلام من نوع ما
في الشرق الأوسط، ولكنها ليست بين إسرائيل والعرب ولكن بين السعودية وإيران المتنافستين
منذ عدة عقود، ولم تتوسط فيه الولايات المتحدة بل والصين". وعلق أن هذا يعتبر
التطور الأعلى والأكثر تقلبا ما كان لأحد أن يتخيله "تحول ترك الكثير من الرؤوس
في عدد من العواصم والعالم في حالة دوران"، وعليه فالتحالفات والعداوات التي طبعت
العمل الدبلوماسي "انقلبت رأسا على عقب" على الأقل في الوقت الحالي.
ويجد
الأمريكيون الذين كانوا لاعبين مركزيين في الشرق الأوسط خلال ثلاثة أرباع القرن الماضي
ودائما في الغرفة حيث تحدث الأمور، أنفسهم على الهامش وبعيدين عن التغيرات المهمة.
والمتغير الجديد هو أن الصينيين الذين طالما لعبوا دورا ثانويا بالمنطقة تحولوا وأصبحوا
اللاعب الجديد. ويتساءل الإسرائيليون الذين يحاولون التقرب من السعودية باسم مواجهة
إيران، أين سيذهبون بعد هذا.
وتقول
إيمي هوثورون، نائبة مدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "لا مجال للتجاهل،
فهذه صفقة كبيرة"، "نعم، لم تكن الولايات المتحدة قادرة على عقد صفقة كهذه
نظرا لعدم وجود علاقات مع إيران. وفي الحس العام، فإن الإنجاز الصيني المميز يدفعها
إلى قمة دبلوماسية جديدة ويؤثر على أي شيء حاولت الولايات المتحدة تحقيقه وبايدن في
الرئاسة".
ومن
الناحية العلنية، رحب البيت الأبيض بالاتفاق السعودي -الإيراني، ولم تعبر علنا عن قلق
من دور الصين في جمعهما معا، ولكن في الأحاديث الخاصة، اقترح مساعدو بايدن بأن هناك
الكثير من التحليلات التي سيقت حول الاختراق الدبلوماسي وسخروا من المقترحات حول تآكل
التأثير الأمريكي في المنطقة.
ويظل
السؤال قائما، كما يقول المحللون حول المدى الذي سيمضي فيه التقارب بين البلدين. وبعد
عقود وأحيانا من المواجهة العنيفة والتنافس على قيادة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي
بشكل عام، فقرار إعادة فتح السفارات بين البلدين هي خطوة أولى. وهذا لا يعني أن الرياض
وطهران قررتا التخلي عن الخلافات العميقة بينهما. وبالتأكيد، فربما لم يحدث تبادل السفراء
في النهاية، وبخاصة أن عودة السفراء جاءت ضمن صيغة حذرة "في غضون شهرين".
وتضيف
الصحيفة أن المحدد الرئيسي للاتفاق، حسبما أخبر السعوديون الأمريكيين، فهو تعهد إيران
بوقف الهجمات على السعودية والحد من دعم الجماعات المتشددة التي تستهدف المملكة.
وخاضت
السعودية وإيران حرب وكالة مدمرة في اليمن، حيث دعمت إيران جماعة الحوثيين ضد القوات
السعودية وخلال السنوات الثماني الماضية. ورعت الولايات المتحدة هدنة في العام الماضي
أوقفت الأعمال العدوانية بين الطرفين.
وتقدر
الأمم المتحدة أن حوالي 377.000 يمني ماتوا بسبب الحرب والجوع والأمراض. وفي نفس الوقت
أطلق الحوثيون مئات الصواريخ والمسيرات المسلحة على السعودية.
وبحثت
الرياض عن طرق لتعليق الأعمال العدوانية مع طهران ومنذ عدة سنوات. وعقدت بداية مفاوضات
في بغداد لم تكن مثمرة. وقال المسؤولون في إدارة بايدن إن السعودية أطلعتهم حول اللقاءات
في بكين، إلا أنهم عبروا عن شك في التزام إيران بما تعهدت به.
وأشارت
الصحيفة إلى العلاقات الأمريكية- السعودية الباردة، حيث تردد الرئيس جو بايدن بزيارة
جدة العام الماضي في محاولة منه لتخفيض أسعار النفط التي ارتفعت بسبب الغزو الروسي
لأوكرانيا. ولقي بايدن انتقادات حادة في محاولاته لترطيب العلاقات بين البلدين، وتم
التركيز على السلام بقبضة اليد على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وبسبب ملف الصحفي
جمال خاشقجي، وتعهدات بايدن السابقة بعزل السعودية. وغضب بايدن وفريقه بعدما خرقت السعودية
اتفاقا تم التوصل إليه أثناء الزيارة للحد من إنتاج النفط في الخريف الماضي والحفاظ
على استقرار أسعار النفط. وفي هذا الحادث اعتقد المسؤولون الأمريكيون أن ولي العهد
يقف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهدد بايدن "بتداعيات" لم يحددها وبدون
أن يفرض أيا منها.
اظهار أخبار متعلقة
وتحول
ولي العهد الآن نحو الصين، حيث يعلق ستيفن كوك، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي
"يرى البعض في دول الخليج أن هذا هو العصر الصيني" و"عبر السعوديون
عن اهتمام للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون والكثير من النفط يذهب إلى الصين".
وقارن كوك رهان محمد بن سلمان بما قام به جمال عبد الناصر في الحرب الباردة عندما حاول
اللعب بورقة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والتنافس بينهما. و"لم تثمر
كما كان يأمل ناصر" و"ربما ارتدت عكسا على ابن سلمان".
إلا
أن السفير الأمريكي السابق في تل أبيب ومصر دانيال كيرتزر يرى أن الديناميات المتغيرة
ورعاية الصينيين اتفاقية سلام تمثل تحديا لإدارة بايدن التي تريد تركيز انتباهها على
مكان آخر.
وقال:
"إنها إشارة عن رشاقة الصينيين واستفادتهم من بعض الغضب في السعودية الموجه ضد
الولايات المتحدة والفراغ القليل هناك"، و"هو انعكاس للأحاديث التي يجريها
السعوديون والإيرانيون منذ فترة، وهذا إدانة للسياسة الأمريكية".
واستطاعت
الصين تقريب إيران والسعودية في وقت كانت تأمل فيه تل أبيب التقرب إلى السعودية برعاية
أمريكية، بعدما رعت واشنطن اتفاقيات مماثلة مع دول أخرى في الخليج، الإمارات العربية
المتحدة والبحرين.
وترى
تل أبيب أن اتفاقية تطبيع مع السعودية ضمن ما يطلق عليها "اتفاقيات إبراهيم"
ستكون بمثابة خروج لها من العزلة في المنطقة. إلا أن السعودية طلبت ثمنا أكبر مما تستطيع
الولايات المتحدة تقديمه، ضمانات أمنية وقيودا أقل على صفقات التسلح ومساعدة في بناء
مشروع نووي مدني.
وفي
الوقت الذي نجحت فيه إدارة بايدن بوقف الأعمال العدائية في اليمن، إلا أنها فشلت في
إحياء الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015. وبعد عامين من المفاوضات توقفت المحادثات،
وزادت إيران من معدلات تخصيب اليورانيوم ولديها كميات كافية لصناعة القنبلة، مع أنها
لم تستطع بعد إحكام صناعة الرؤوس النووية.
وبسبب
العقوبات المتزايدة من أمريكا، تحركت إيران بشكل عميق نحو كل من الصين وروسيا، وقدمت
للأخيرة مسيرات قتالية لاستخدامها في حربها بأوكرانيا. وبتحركها نحو الصين لكي تلعب
دور الوسيط، فقد منحتها طهران دورا مميزا في سياسة المنطقة، ووجدت تل أبيب نفسها بوضع
غير مريح، فقد كانت تأمل بعقد تحالف ضد إيران مع السعودية. ويقول المسؤولون الأمريكيون
إن إيران تعاني من أزمات داخلية واقتصادية مستعصية بسبب العقوبات، وهذا لا يعني أن
الصين، التي وقعت على الاتفاقية النووية، تدعم حصول طهران على السلاح النووي. وعلى
العكس يأمل الأمريكيون استخدام الصين تأثيرها على إيران والحد من نشاطاتها النووية.
ومهما
يكن، فهناك حالة من عدم الارتياح بين صناع السياسة الأمريكيين المخضرمين من الدور الكبير
الذي باتت تلعبه الصين بالمنطقة وبعد سنين من التقدم الذي حققته هناك.
وتقول
مارا ردمان، النائبة التنفيذية لمدير مركز التقدم الأمريكي والسفيرة السابقة بالشرق
الأوسط في عهد باراك أوباما: "هذا آخر تذكير من أن التنافس بات على المسرح الدولي"
و"لم تعد مقتصرة على منطقة إندو- باسيفيك ولا على الاقتصاد أو الأمن أو التواصل
الدبلوماسي".
ولا
تزال الولايات المتحدة تملك العديد من الأوراق التجارية والأمنية والاستخباراتية وأصبحت
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الدولة الأجنبية الوحيدة بالمنطقة، إلا أن روسيا عادت
بقوة في عام 2015 لمساعدة بشار الأسد في الحرب الأهلية.
وتريد
الصين بناء قواعدها بالمنطقة وتريد الحصول على مصادر الطاقة والتأثير أبعد من آسيا.
ويظهر قرارها المشاركة في الخلاف السعودي- الإيراني بأن هناك لاعبا جديدا يجب أخذه
بالحسبان. وبحسب كيرتزر: "أعتقد أن هذا يعكس الطريقة التي بات فيها حلفاء الولايات
المتحدة يستخدمون علاقاتهم المتزايدة مع الصين" و"هل هذا تهديد مباشر للولايات
المتحدة؟ هذا محل نقاش، ولكن نظام المنطقة يتغير".