مقالات مختارة

"عسكرة المقاومة" والقيادة الفلسطينية

أحمد جميل عزم
أرشيفية
أرشيفية
ليس سرّا أن القيادة الفلسطينية، الممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، لا تؤيد عسكرة المقاومة، ولا تؤيّد العمل المسلّح، وفي لقاء حديث لأمين سر اللجنة التنفيذية، لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، مع قناة "العربية"، كرّر موقف القيادة الفلسطينية (منظمة التحرير والرئيس)، وهي الالتزام بـ"المقاومة الشعبية السلمية"، وعند سؤاله عن مظاهر المقاومة المسلّحة التي تنتشر في فلسطين، بما في ذلك وجود شباب من حركة "فتح" فيها، وضع الشيخ الموقف الرسمي، في إطارين هما، " من حق شعبنا أن يرد"، و" ما يحدث هو ردود فعل شعبية فردية لا يمكن منعها" من أناس " لم تعد تحتمل هذا الإجرام الإسرائيلي".

بعيداً عن الكلمات السياسية للشيخ، وهي تعبّر إلى حد كبير عن موقف القيادة الفلسطينية (قيادة السلطة والمنظمة)، فإنّ الموقف العملي "للسلطة" يمكن استنتاجه من الممارسات على الأرض، ويتمثل في نقطتين، الأولى أنّ مثل هذه العمليات المسلّحة تكتيكياً، توجّه رسالة للإسرائيليين بأنّ الأمر غير مستتب، وغير هادئ، وبالتالي تطرح السلطة طلب إعطائها المسؤولية الأمنية كاملة، أي توسعة قدرات السلطة، بدل حصارها من قبل إسرائيل والعالم. والنقطة الثانية، أنّ هذه العسكرة لا تمثل خياراً استراتيجياً للقيادة الفلسطينية، وبالتالي لن تدعمها لتتسع، بل ستعمل على احتوائها وإبقائها في نطاق محدد، إذا كان لا بد وأن تحصل.

اعتبر الشيخ الاستراتيجية الفلسطينية، "واضحة"، في "السلوك والأداء وفي مواجهة إسرائيل"، وأهم معالمها، "تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه" و"رحيل الاحتلال"، أمّا الأدوات فهي المقاومة الشعبية السلمية.

المشكلة المنهجية الكبيرة في الوضع الراهن، أنّ أي فعل ميداني على الأرض يجب أن يكون جزءا من الاستراتيجية الوطنية، تجسيداً لمبدأ فلسطيني قديم "المقاومة تزرع والسياسة تحصد"، وبالتالي على المستوى السياسي يجب أن يتحدث باسم المستوى الميداني، كما أن على المستوى الميداني أن يخدم الهدف السياسي وتتناغم عملياته معه. وإذا كان التناغم يتحقق على صعيد رفض الاحتلال، فإنّه لا يوجد تناغم بعيد المدى في مسألة الأدوات والوسائل، ولا توجد وحدة حال عملياتية أو ميدانية، ودون هذه الوحدة ستصطدم الاستراتيجيات. والملاحظ أن المجموعات المسلّحة بدأت تنتقل لمرحلة التعبير عن نفسها سياسياً مؤخراً، ولا تنتظر من يعبر عنها، كالبيانات التي صدرت عن قمة العقبة من هذه المجموعات مؤخراً، وهي بهذا تطرح نفسها استراتيجياً.

المستوى القيادي، عدا واجبه التمثيل السياسي للفعل الميداني، من واجبه تقديم دعم لوجستي وتدريبي وتوجيه، ولكن بما أنّ القيادة تعتبر ما يحدث رد فعل لا يمكن منعه، لكن دون اعتباره استراتيجية فإنّ هذا يعني أن ما يحدث على الأرض، هو، أولاً مجموعات من الشباب لم تقتنع بالاستراتيجية الرسمية المعلنة، ولم تستثمر وقتها وجهدها وأرواحها فيها واختارت "استراتيجية" بديلةـ ثانياً، مجموع القيادة الفلسطينية لا يعتبر تحرك الشباب استراتيجية متبنّاة. ثالثا، بالنتيجة فإنّ الفعل الميداني للفدائيين الجدد، ترك للاجتهاد والتجريب، ومراكمة الخبرة ذاتياً مع ما يعنيه هذا من ثمن باهظ مؤلم.

لا يُعتبر واجب حركة "فتح" أو القيادة الفلسطينية، منح ضوء أخضر، أو إقرار "رد فعل" الشعب والدفاع عنه. بل أن تقوم بصناعة هذا الفعل، وليس المقصود هنا أن يكون شباب "فتح" في الميدان سواء مدنياً أو في المقاومة المسلّحة، فهذا متحقق دون قرار من أحد، وهو في جزء منه تعبير عن إرث نضالي، وفي جزء رد فعل على الاحتلال. واجب حركة تتولى القيادة، وتطرح نفسها كقائد للنضال، أن تطرح استراتيجية تصبح هي الفعل الميداني الأول على الأرض، وهي الفعل وهي ردّ الفعل، وضمن استراتيجية واحدة متفق عليها والمستوى الشعبي يعيها ويؤيدها. لذلك تبدو التصريحات القيادية الفلسطينية التي تتحدث عن مشروعية الفعل الشعبي الفلسطيني، أو تصريحات بعض القيادات بدعوة المعارضة أو المتظاهرين في رام الله للذهاب إلى حوّارة إشكاليّة، فالقيادة الفعلية تنسّق وصول الناس لمواقع المواجهة، وتتولى قيادة الفعل الشعبي، وصناعته، وليس التعليق عليه، أو حتى تأييده، أو حتى في أحسن الأحوال استثماره سياسيا، وإلا فهي تكرّس فراغا سيفرض الواقع، وردة الفعل التي تحدث عنها الشيخ، قد تتحول لاستراتيجية من قبل أصحابها أو غيرهم.

الغد الأردنية
التعليقات (0)