قضايا وآراء

الناس لبعضيها

أسامة جاويش
فقراء مصر يعولون على شهر الخير لسد حوائجهم- (الأناضول)
فقراء مصر يعولون على شهر الخير لسد حوائجهم- (الأناضول)
"عيب يا جدع دي الناس لبعضيها".. كم مرة سمعت أذناك هذه العبارة الصادقة قولا، المعبرة فعلا، عن رغبة عارمة لدى الشعب المصري في مساعدة بعضه البعض ومواجهة المحن والصعاب معا، ربما شاهدتها في أحد الأفلام أو تابعتها في مسلسل من مسلسلات الدراما المصرية، هي حكاية الجدعنة دون انتظار مقابل، أو إن شئت قل هي حكاية "المليان اللي بيصب عالفاضي".

الناس لبعضيها، بالعامية المصرية، هي حكاية سنوات وعقود من التكافل الاجتماعي والتضامن وقت الشدة والسعي في قضاء حوائج المحتاجين بين قطاعات المجتمع المصري بعيدا عن السياسة والدولة وأنظمة الحكم المختلفة.

بعد أفراح المصريين وبعد قدوم أول مولود، هناك عادة مجتمعية تسمى "السبوع" يأتي لزيارتك الأهل والأصدقاء والجيران والمعارف والأحباب، ليترك كل منهم مبلغا من المال أو هدية ذات قيمة أو قطعة ذهبية، كل على حسب مقدرته وقربه ومدى معرفته بأوضاع العريسين المادية.

قبل رحيلي عن مصر منذ عشر سنوات، حضرت جلسات طويلة، تناقش فيها عدد كبير من الأصدقاء عن مدى احتياج صديقنا الذي تزوج حديثا أو رزقه الله بمولود جديد للمال، كان كل تفكيرنا هو كيف نترك له مبلغا كبيرا يساعده على تجاوز أزمته المالية والبداية في حياته الجديدة دون قلق أو خوف، فعلناها مع صديقنا هذا، وفعلها أصدقائي وأقربائي معي وفعلها كثيرون من أبناء الشعب المصري مع بعضهم البعض لا لشيء إلا لأن الناس لبعضيها.

مصر الآن تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، الأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم، أصبح الحصول على وجبة واحدة من اللحم أو الدجاج أو الأسماك بل وحتى من البيض والكشري أمرا بعيد المنال صعبا بل مستحيلا على ملايين المصريين ما دفع كثيرين للذهاب إلى أرجل الدجاج وهياكلها لسد رمقهم.

أنهى النظام الحالي على مكونات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، من كانت لهم صولات وجولات على مدار عقود في السعي في قضاء حوائج المحتاجين وتوفير احتياجاتهم من طعام وشراب ومال ومواد تموينية، اختفى كل ذلك بفعل فاعل وأصبح فقراء مصر وحدهم يواجهون مصير الجوع والحاجة يصرخون فلا يسمعهم أحد، يبكون فلا يتعاطف معهم أحد، لم يعد الناس لبعضيها فقد مس الفقر ثلثي الشعب المصري وبات لسان حال الجميع الآن نفسي نفسي.

مصر الآن تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، الأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم، أصبح الحصول على وجبة واحدة من اللحم أو الدجاج أو الأسماك بل وحتى من البيض والكشري أمرا بعيد المنال صعبا بل مستحيلا على ملايين المصريين ما دفع كثيرين للذهاب إلى أرجل الدجاج وهياكلها لسد رمقهم.
أصبحت جميع مؤسسات العمل الخيري الحالية تابعة لصندوق سيادي واحد، تذهب إليه جميع التبرعات، تشرف عليها الجهة السيادية ذاتها ولا يعلم أحد أين وكيف ومتى تصل تلك التبرعات إلى مستحقيها من فقراء الشعب المصري.

هذا ليس مقال رأي عادي ، وإنما هو تدشين لحملة شعبية أعلنها من هنا وأبدأها مع قراءتكم لهذه السطور ، حملة شعارها واسمها ومضمونها في عبارة واحدة هي " الناس لبعضيها" .

 قد أظلنا شهر كريم مبارك، شهر الطاعات والصدقات ومساعدة المحتاج ، فلنبدأ معا حملة الناس لبعضيها منذ اليوم، وليتضامن أبناء هذا الشعب الكريم معا من أجل تجاوز محنة هي الأصعب عبر عقود.

أدعو من خلالكم الشعب المصري أن نبدأ منذ اللحظة في عدد من الخطوات العملية والمبادرات الحقيقية لنثبت لأنفسنا أن الناس لبعضيها:

أولا ـ حصر المحتاجين من عائلاتنا وأقربائنا وجيراننا وأصدقائنا ممن ضاقت بهم سبل العيش ممن لا يجدون قوت يومهم ويصعب عليهم تلبية وتوفير احتياجات شهر رمضان.

ثانيا ـ تصنيف المحتاجين حسب الأولويات فمنهم من يحتاج المال ومنهم من يحتاج ياميش رمضان ومنهم من يحتاج المساعدة في توفير طعام الإفطار والسحور.

ثالثا ـ تجهيز شنطة رمضان، بما تحتويه من كافة السلع الأساسية والمواد التموينية لمن استطاع إلى ذلك سبيلا وليكن شعارك شنطة واحدة لا تكفي.

رابعا ـ الطبق الدوار، ابدأ من الآن بتجهيز طبق يحتوي على ما لذ وطاب وأرسل ابنك أو ابنتك به إلى الباب المجاور لك وليظل هذا الطبق ينتقل من باب إلى باب ومن شقة لأخرى دون أن يعود فارغا أو نتعرف على صاحبه الأول.

خامسا ـ اختر هدية مفيدة، ابتعدوا عن الحلويات والمكسرات وغيرها من الرفاهيات، تهادوا بأكياس الأرز أو بعدد من الدجاج أو بزجاجات زيت وغيرها من الأمور التي باتت من الأمنيات لبيوت كثيرة في مصر.

سادسا ـ وحدوا العزايم وفعلوا المشاركة، عزومة واحدة تتكفل بها أسرة واحدة ستكلفها الكثير والكثير، الأفضل الآن ان تجتمع ثلاث أو أربع أسر معا على طعام واحد، ولتشارك كل أسرة بصنف واحد، ونضرب بذلك مجموعة عصافير بعزومة واحدة، اجتمع الأهل، أفطرنا سويا، تكافلنا معا، وفرنا في التكاليف، وشعرنا أن الناس لبعضيها.

سابعا ـ ادعموا بعضكم بالمال، لا ضير ولا حرج إن كنت تستطيع أن تجود على من تعرفه من المحتاجين ببعض مالك ففي ذلك ثواب لو تعلمون عظيم في مثل هذه الأيام.

ثامنا ـ تواصل ـ ادعم ـ شجع، اتصلوا ببعضكم البعض وادعموا من يبدأ في حملة الناس لبعضيها، شجعوا أنفسكم بأنكم قادرون على تجاوز المحنة معا بتكافلكم وتضامنكم ووقوفكم يدا واحدة.

تاسعا ـ اكتبوا على هاشتاج #الناس_لبعضيها، انشروا أعمال الخير دون نشر صوركم حفاظا على أمانكم ، اطلبوا مشاركة كل من تعرفوهم على مواقع التواصل الاجتماعي، اكتبوا للمؤثرين والاعلاميين، للسياسيين والبلوجرز، لكل من امتلك منبرا لإيصال صوته ، هذا هو وقت دعم الشعب المصري بمبادرة شعبية كهذه.

عاشرا ـ لا تنسو النية، يقول الله عز وجل "وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتاميى والمساكين" ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

تلك عشرة كاملة، وهذه انطلاقة حملة "الناس لبعضيها" علها تكون سببا في التخفيف على أهلنا في مصر الحبيبة.
التعليقات (0)