كتاب عربي 21

من هو اليهودي؟ الصهاينة الأمريكيون يطالبون إسرائيل بتغيير تعريفها لليهود

جوزيف مسعد
تشكك منظمات صهيونية بيهودية كثير من المهاجرين- أ ف ب
تشكك منظمات صهيونية بيهودية كثير من المهاجرين- أ ف ب
أصدر مورتون كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية، بياناً مذعوراً في الشهر الماضي بخصوص ما أسماه "نزع سمة اليهودية" الوشيك عن الدولة اليهودية. وقد تبين أن الجاني ليس سوى "قانون العودة" الإسرائيلي سيئ السمعة والعنصري، الذي صدر في عام 1950. وقد سمح تعديل أدخل على القانون في عام 1970 لأي شخص في جميع أنحاء العالم لديه جد يهودي واحد بالحصول على الجنسية الإسرائيلية هو وجميع أفراد عائلته بمن في ذلك زوج أو زوجة هذا الشخص من غير اليهود، وأبناؤه وأحفاده وأزواجهم، وجعلهم مستعمِرين في إسرائيل.

يعلن بيان المنظمة الصهيونية بجزع أن تعديل 1970 قد سمح لنصف مليون "غير يهودي" من الاتحاد السوفييتي السابق بالاستيطان في الدولة اليهودية. وقد جاء قلق المنظمة الصهيونية وإحساسها بالرهبة نتيجة تقارير تستند إلى بيانات حكومية إسرائيلية تفيد بأنه "إلى حد كبير نتيجة بند الجد الواحد كان أكثر من 50 في المئة من جميع المهاجرين إلى الدولة اليهودية العام الماضي من غير اليهود، و72 في المئة من المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى الدولة اليهودية اليوم هم من غير اليهود".

ما يعنيه هذا الوضع المرعب، وفقاً للمنظمة الصهيونية، هو أنه "سيكون لغير اليهود تأثير أكبر في تحديد قادة الدولة اليهودية وقوانينها وقراراتها الأمنية"، وأن "يهود الشتات الذين يحتاجون أو يرغبون في العيش في الوطن اليهودي قد ينتقلون إلى دولة ذات أغلبية غير يهودية في المستقبل"

وحذرت المنظمة الصهيونية من أن "هذا يتسبب في انخفاض كبير في نسبة اليهود الذين يعيشون في إسرائيل، مما يعرض للخطر استمرار إسرائيل كدولة يهودية". وتعبر المنظمة الصهيونية عن قلقها من أن "الأغلبية اليهودية في الدولة اليهودية تتقلص بمعدل 1 في المئة كل 3 سنوات"، بحيث أنه "على مدى  الأعوام الثلاثين الماضية، قد تقلصت الأغلبية اليهودية في الدولة اليهودية بنسبة 10 في المئة؛ حيث وصلت اليوم عند نسبة 73.6 في المئة فقط، بعد أن كانت 84 في المئة".

وما يعنيه هذا الوضع المرعب، وفقاً للمنظمة الصهيونية، هو أنه "سيكون لغير اليهود تأثير أكبر في تحديد قادة الدولة اليهودية وقوانينها وقراراتها الأمنية"، وأن "يهود الشتات الذين يحتاجون أو يرغبون في العيش في الوطن اليهودي قد ينتقلون إلى دولة ذات أغلبية غير يهودية في المستقبل".

وحيث إن "بند الجد" كان في الأساس وسيلة لمدعي اليهودية من دول الاتحاد السوفييتي السابق لإثبات يهوديتهم، وهم يمثلون غالبية أولئك الذين يستخدمون هذا البند لاستعمار فلسطين، تصر المنظمة الصهيونية على أن إلغاء البند لن يؤثر على اليهود الأمريكيين، لا سيما أن المنظمة الصهيونية الأمريكية معنية بهم في المقام الأول. وتؤكد المنظمة أنه في العقد الماضي، لم يَستخدم هذا البند أكثر من 67 أمريكياً من غير اليهود. وما يهم المنظمة الصهيونية في هذا الموضوع هو تعريف "من هو اليهودي"، لا سيما أنه "لا يوجد فرع من أفرع اليهودية يشمل غير اليهود الذين لديهم جد يهودي واحد" في تعريفهم لمن هو اليهودي.

لا شك بأن المنظمة الصهيونية محقة في أن اليهودية كدين تُعرِّف اليهود بأنهم أولئك الذين لديهم أم يهودية أو الذين اعتنقوا اليهودية وفقاً للشرع اليهودي. ولكن التعريف الوحيد الأكثر شمولاً لليهود الذي سبق التعديل الإسرائيلي لعام 1970 هو التعريف الذي اعتمدته قوانين نورمبرغ النازية التي صدرت عام 1935، والتي عرّفت اليهودي على أنه شخص له جد يهودي واحد على الأقل. كان التعريف الموسع لقوانين نورمبرغ في الواقع محدوداً أكثر من القانون الإسرائيلي. وفقاً للنازيين، فإن اليهودي الكامل هو الذي لديه ثلاثة أو أربعة أجداد يهود. أما الأشخاص الذين لديهم جد يهودي واحد أو جدان فاعتبروا "هجائن"، ولم يخضعوا بالكامل للوائح ألمانيا النازية المعادية للسامية. في الواقع، فقد تم تجنيد العديد من أولئك الذين تم تصنيفهم على أنهم "هجائن"، شأنهم شأن الألمان الآريين، في الجيش الألماني وخدموا فيه خلال الحرب العالمية الثانية. لكن اللافت للنظر هو تشابه تعريف اليهودي الذي اعتمده التعديل الإسرائيلي لعام 1970 مع سلفه للنازية.

تكمن المفارقة في أن تعريف قوانين نورمبرغ العنصرية لليهود اعتمدت على الدين وليس العرق: فإذا كان أجداد الشخص يهوداً اعتنقوا المسيحية، وبالتالي وُلد والدا الشخص في كنف الديانة المسيحية، فعندئذ، ما لم يكن الحفيد قد تبنى اليهودية، سيعتبر آرياً. وهذا يعني، وفقاً للقوانين النازية، أن التحول عن اليهودية كان المعيار الأمثل لتحديد عدم يهودية الشخص لكن بعد ثلاثة أجيال. ومن المثير للاهتمام، أن القانون الإسرائيلي قد تبنى أيضاً معياراً مشابهاً، إن لم يكن أكثر تقييداً

تكمن المفارقة في أن تعريف قوانين نورمبرغ العنصرية لليهود اعتمدت على الدين وليس العرق: فإذا كان أجداد الشخص يهوداً اعتنقوا المسيحية، وبالتالي وُلد والدا الشخص في كنف الديانة المسيحية، فعندئذ، ما لم يكن الحفيد قد تبنى اليهودية، سيعتبر آرياً. وهذا يعني، وفقاً للقوانين النازية، أن التحول عن اليهودية كان المعيار الأمثل لتحديد عدم يهودية الشخص لكن بعد ثلاثة أجيال. ومن المثير للاهتمام، أن القانون الإسرائيلي قد تبنى أيضاً معياراً مشابهاً، إن لم يكن أكثر تقييداً، لإثبات عدم يهودية المتقدمين اليهود للاستيطان في إسرائيل.

فعندما وصل أوزوالد روفايزن إلى إسرائيل عام 1959، وهو صهيوني يهودي بولندي ومن الناجين من المحرقة النازية كان قد اعتنق المسيحية الكاثوليكية أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد حُرم من حقه في المواطنة الإسرائيلية بناءً على قانون العودة، حيث إنه لم يعد يُعتبر من الجنسية اليهودية بعد تحوله عن الدين اليهودي. لقد استأنف روفايزن قرار السلطات الإسرائيلية، خاصة وأن الطائفة اليهودية الأرثوذكسية، وهي الطائفة اليهودية الوحيدة المعتمدة في إسرائيل، تعتبر أن اليهود الذين اعتنقوا ديانات أخرى ما زالوا يهوداً. وبما أن قانون العودة الإسرائيلي قد اعتمد على تعريف اليهودية الأرثوذكسية بحسب الشرع اليهودي، أو الهَلَخَه، لمن هو اليهودي، فإن القرار الإسرائيلي القانوني كان على ما يبدو قد انتهك الشرع اليهودي، وهو ما يعيد إلى الأذهان السابقة النازية، لكن بشكل أكثر صرامة.

في عام 1962، أيدت المحكمة العليا الإسرائيلية قرار رفض استئناف روفايزن. وقد أصر روفايزن على أن "أصلي العرقي كان وسيظل يهودياً دائماً. وليس لدي جنسية أخرى. فإذا لم أكن يهوديا، ما أنا إذن؟ لم أعتنق المسيحية كي أهجر شعبي، بل قمت بإضافتها إلى يهوديتي. فأنا أشعر كما يشعر اليهودي". هنا بدت المحاكم الإسرائيلية وكأنها تجمع ما بين العرق والدين كمعيار تعريف اليهودي.

كان اعتناق الصهيونية لمفهوم العرق وتعريفها لليهود كعرق منفصل جزءاً لا يتجزأ من مشروعها منذ بداية القرن العشرين، وهذا الالتزام بعلم الأعراق لم يتراجع أبداً. ففي عام 2017، كانت مجموعة من الخبراء اليهود الإسرائيليين في علم الوراثة والشرع اليهودي متحمسة لإمكانية تحديد "الجين اليهودي" الوهمي من أجل التعرف على اليهود بسهولة أكبر بما يتماشى مع الشرع اليهودي. وقد اعتبر ذلك في حينه بأنه سيحل مشاكل "المهاجرين ولا سيما من الاتحاد السوفييتي السابق، الذين لا يملكون الوثائق اللازمة".

كما فرضت إسرائيل معايير عرقية- إثنية على السكان الفلسطينيين الذين احتلتهم بعد فترة وجيزة من إنشائها. فقد قامت بتقسيم الفلسطينيين إلى عرب (مسلمين ومسيحيين)، واستبعدت الدروز والبدو الفلسطينيين من فئة "العرب". في الواقع، تقوم إسرائيل بتجنيد الفلسطينيين الدروز الذين تم تجريدهم من العروبة للخدمة في جيشها، وتتفاخر بأنهم وصلوا إلى أعلى الرتب.

وهذا لا يختلف عن الطريقة التي جند بها النازيون "الهجائن" من أنصاف اليهود وأرباعهم في الجيش الألماني. فقد شغل عدد من "الهجائن"، من أمثال المارشال ومجرم الحرب إرهارد ميلش، مناصب رفيعة في القوات المسلحة الألمانية. كما تشرح الصحفية الإسرائيلية إيتا برنس غيبسون: "يُقدم وجود الهجائن، وحقيقة أن اليهود خدموا حتى في أعلى مراتب النازية نفسها، دليلاً إضافياً على أن مصطلح يهودي بالنسبة إلى النازيين، كما هو الحال بالنسبة للعديد من ضحاياهم، كان مجرد مصطلح قد تم استنباطه اجتماعياً". وينطبق تفسير برنس غيبسون أيضاً على المفاهيم الإسرائيلية عن اليهودية وكذلك عن العروبة والدرزية، فلطالما كانت هذه التعريفات تخضع للتلاعب من خلال الدعاية والقانون الإسرائيلي لتلائم الغايات السياسية للصهيونية.

إن أهم جانب في قانون العودة الإسرائيلي هو بالطبع شروطه العنصرية التي تمنح اليهود غير المواطنين في جميع أنحاء العالم الحق في استعمار أرض الفلسطينيين، فيما تنكر هذا الحق على الفلسطينيين الأصليين الذين طردتهم أو أولئك الذين لم تتمكن من طردهم. لكن هذا بالطبع ليس ما يقلق المنظمة الصهيونية الأمريكية.

أهم جانب في قانون العودة الإسرائيلي هو بالطبع شروطه العنصرية التي تمنح اليهود غير المواطنين في جميع أنحاء العالم الحق في استعمار أرض الفلسطينيين، فيما تنكر هذا الحق على الفلسطينيين الأصليين الذين طردتهم أو أولئك الذين لم تتمكن من طردهم. لكن هذا بالطبع ليس ما يقلق المنظمة الصهيونية الأمريكية

يختتم بيان المنظمة الصهيونية الأمريكية بمطالبة إسرائيل "بإلغاء أو تعديل/ إصلاح بند الجد الواحد، فيجب أن نفعل كل ما في وسعنا لضمان بقاء الدولة اليهودية يهودية". ليس من الواضح ما الذي تعنيه المنظمة الصهيونية بجملة "كل ما في وسعنا"، فالبيان لم يطالب صراحةً بأن تقوم إسرائيل بطرد نصف مليون مستعمر أوروبي "غير يهودي"، كما فعلت مع الفلسطينيين الأصليين، وليس من الواضح ما إذا كان البيان يطالب بتطبيق "إلغاء" البند بأثر رجعي من أجل تجريد هؤلاء "غير اليهود" من الجنسية الإسرائيلية تمهيداً لطردهم.

لكن المنظمة الصهيونية محقة في قلقها، فقد أصبح اليهود بالفعل أقلية في أرض الفلسطينيين بين النهر والبحر قبل حوالي خمس سنوات. أما إذا قبل الفلسطينيون بتعريف المنظمة الصهيونية لمن هو يهودي أو ليس يهودياً، فعندها سيكون عدد الفلسطينيين قد فاق عدد المستعمرين اليهود لفترة أطول بكثير.

لقد فشل الغزو الصهيوني والتطهير العرقي الذي أسس أغلبية يهودية في فلسطين بعد عام 1948 في الحفاظ على تلك الأغلبية، والطريقة الوحيدة لاستعادتها هي أن تستجيب إسرائيل لنداءات السياسيين الإسرائيليين لطرد المزيد من الفلسطينيين ولدعوات المنظمة الصهيونية الأمريكية لوقف هجرة الروس من "غير اليهود". باستثناء ذلك، فليس لدى المنظمة الصهيونية الأمريكية والصهاينة اليهود الأمريكيين ككل خيار سوى قبول هذه الحقائق على الأرض، والتي تجعل الدولة اليهودية في فلسطين مستحيلة وغير قابلة للحياة.
التعليقات (1)
خليط كاذب
الثلاثاء، 14-02-2023 07:02 ص
لا جيناتهم لا أشكالهم لا آصواتهم (العبرية) لا عاداتهم تقربهم إلى اليهود.. عصابة الإحتلال آكبر كذبة بعد كذبة تفاحة الخلود