قال الباحث في جامعة
جونز هوبكنز، ولي نصر، إن الاحتجاجات في
إيران قوت المعسكر المتشدد ممثلا بمرشد
الجمهورية، رغم أنها طالبت أولا بنزع الحجاب وحرية المرأة وانتقلت لاحقا للمطالبة
برحيل
النظام.
وقال نصر في مقال له
بموقع "
فورين أفيرز"، ترجمته "عربي21" إن الاحتجاجات مثلت أكبر
تحد للجمهورية الإسلامية منذ عام 1979 وأثارت تكهنات عن رحيل نظام اليوم كما رحلت
الملكية بالأمس.
أوضح أن "النظام
ظل يملك اليد العليا بسبب آلة القمع التي استخدمها وغياب القيادة والتنسيق بين
المتظاهرين، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والعقوبات تجعل من اندلاع تظاهرات جديدة أمرا
محتوما".
ولفت إلى أن هذا الوضع
المحفوف بالمخاطر الذي يحوم حول مستقبل الجمهورية دفع عددا من رجاله بالداخل
للتخلي عنه ونقده علنا، حيث انتقدوا سيطرة مجموعة صغيرة من المتشددين بقيادة
الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي على مقاليد البلاد وطريقة ردهم القمعي على
المتظاهرين.
ومن هؤلاء الذين
أبعدوا أنفسهم عن الخط الحكومي، مرجعيات كبرى في النجف وقم ومسؤولون بارزون سابقون
في الحكومة وعسكريون سابقون يحملون أرفع الرتب في الحرس الثوري.
ولامت الصحف والوسائل
الإعلامية المقربة من المتشددين والقريبة من الحرس الثوري وبشكل علني رئيسي على
سوء إدارته للإقتصاد، إلى جانب أنصار النظام مثل الرئيس محمد خاتمي وحسن روحاني
ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني الذين شجبوا القمع المفرط من الحكومة على
المحتجين. وطالب النقاد بتغيير ذي معنى للتغلب على العاصفة.
ولا توجد أية إشارة عن
استماع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، فهو ومجموعة مقربة منه أحكموا
السيطرة على زمام الأمور ويعارضون التحاور مع
الغرب والعودة لاتفاقية 2015 النووية.
وقال إنهم يفضلون في
الداخل سياسة العزلة والتحكم بالمجالين الاجتماعي والسياسي، وعلى المستوى
الإقليمي، فهم يفضلون سياسات عدوانية وزيادة التعاون مع
روسيا، وبدلا من وضع
التظاهرات النظام في مكانه ودفعه للتغير، فإن النظام الذي خرج منها داع للحرب
بدرجة أكبر وعدواني أكثر من السابق.
ويعتقد نصر أن رغبة
النظام في قمع المتظاهرين لا علاقة لها بالدفاع عن الأيديولوجية الإسلامية بقدر ما
ركز خامنئي في كل خطاباته على التدخل الأجنبي. فهو يتعامل مع الاحتجاجات كمؤامرة
أمريكية نظمت بالتعاون مع إسرائيل والسعودية.
وعليه يرى خامنئي أن
على إيران تعبئة كل جهودها لمواجهة هذه الهجمة. ولامت أجهزة الأمن التي تستلهم
سياساتها من أحاديثه شبكات التلفزة المعارضة في الخارج ومنصات التواصل الاجتماعي
واتهمتها بالتحريض على قلب النظام بالداخل. بل وحملوا الأقليات الكردية والبلوشية
مسؤولية الاضطرابات إلى جانب التدخل الأجنبي.
اظهار أخبار متعلقة
وقال إنه خلال الخريف
الماضي حشدت إيران قواتها قرب الحدود مع أذربيجان وحذرت العراق من أنها قد تجتاز
الحدود لإغلاق معسكرات مقاتلين أكراد. ويعتقد نصر أن خامنئي الذي حكم إيران منذ 3
عقود، وهناك شائعات تقول إن المرشد البالغ من العمر 83 عاما مريض، "مصمم على
تأمين إرثه ويعتقد أن أي تنازلات أو تسويات مع المعارضة ستترك آثارا عكسية. وشاهد
كيف قدم نظام الشاه تنازلات عام 1979 عجلت بنهايته".
وأشار إلى أنه "بدلا
من الاستجابة لطالب المتظاهرين أو الاستماع لنقاده، لجأ خامنئي إلى العنف وسجن
الآلاف وقتل المئات وأعدم أربعة من المحتجين إلى جانب مئات ينتظرون المقصلة.
واستخدم النظام الرقابة الدقيقة والتهديد ضد عائلات المتظاهرين والموظفين والمصالح
التجارية إلى جانب الدعاية لقمع الاضطرابات".
وبات خامنئي بحسب
الباحث، "يعتمد أكثر فأكثر على نصيحة المتشددين في الحرس الثوري والمخابرات
والبرلمان، فهؤلاء يفهمون مثله المشكلة ويشاركونه عدم الثقة بالغرب ويعتقدون
أن الإتفاقية النووية هي مصيدة لحبس إيران. ويعتقد أن تشككاتهم صحت ولهذا يجب
تقويتهم ودعمهم لمقاومة الغرب والبحث عن استقلال اقتصادي وسياسي".
وكانت إيران هددت
بالخروج من معاهدة وقف انتشار السلاح النووي والتحول لدولة نووية، بشكل سيضعها في
مواجهة مع إسرائيل التي ضربت في الشهر الماضي منشأة للسلاح قرب أصفهان وكذا
الولايات المتحدة التي هددت إدارتها بأنها لن تتسامح مع إيران نووية.
وردت إيران على العزلة
الدولية من خلال التقارب مع روسيا، بحيث يشترك خامنئي مع رئيسها فلاديمير بوتين بالموقف المعادي للغرب. وقربت الحرب في أوكرانيا الطرفين.
وتجاهل خامنئي النقد
من الداخل وصادق على تمرير المسيرات الإيرانية المتقدمة لموسكو. وناقش خامنئي
بأهمية تحالف بلاده مع روسيا لمواجهة الولايات المتحدة والأوروبيين وشركائهم في
الشرق الأوسط. وتظل إيران مهمة لروسيا، لأنه طالما ظلت موسكو تعتمد على أسلحتها
فلن تدير هذه ظهرها لطهران. وأغضب تحرك إيران نحو روسيا الغرب وبخاصة تزويد
المسيرات، لكنه كان مفرحا للمتشددين الذين طالما دعوا لتوثيق العلاقات مع موسكو
والإبتعاد عن الغرب.
وتحاول إيران أن تصبح الحليف الذي لا يستغنى
عنه لروسيا. وكلما احتاجت موسكو للمسيرات تجاهل بوتين القيود الدولية وزود
إيران بالمقاتلات وأنظمة السلاح المتقدمة. وذكرت مصادر إعلامية إيرانية أن طهران
ستحصل على عدد من مقاتلات سوخوي-35 في آذار/مارس وتتطلع للحصول على مروحيات ونظام
أس-400 القادر على تتبع واكتشاف مقاتلة أف-35. وحصولها على هذه الترسانة يعني
تطوير النظام قدراته الدفاعية لمواجهة الطيران الإسرائيلي في سوريا والعراق وتحمل
الضغوط الأمريكية في منطقة الخليج.
وقال الباحث،
"لكل هذا تشعر الدول الجارة بالخوف من التقارب الروسي الإيراني، لأنه سيعزز
من قوة المتشددين ويجعلهم نظاما أخطر. وسيواجه الغرب معضلة ليس في التعامل مع كل من
روسيا وإيران بل مواجهة خطر تحالفهما معا. ويأمل المعلقون في الغرب أن تؤدي سيطرة
المتشددين لزيادة التظاهرات التي تعجل بنهاية نظامهم، لكن الأمل ليس بديلا عن
الفعل".
وحتى هذا الوقت اعتمدت
أمريكا وأوروبا على العقوبات والتهديد بالحرب، إلا أن إسرائيل غير راضية وقد تؤدي
عملياتها لتوسع مواجهة أمريكا وحلفائها ليست جاهزة لها وسط مواجهة مع روسيا
والصين.
وقال إن على أمريكا وحلفائها
البحث عن استراتيجية تجمع ما بين الوعد والوعيد والحوار على عدة موضوعات منها دور
إيران في أوكرانيا والملف النووي. والتقى المسؤولون الإيرانيون والأوكرانيون في
عمان للبحث في موضوع الحرب. ويجب على أمريكا وحلفائها التحاور مع إيران
بعيدا عن الملف النووي المتوقف وأن يشمل الحوار، الموضوع الأوكراني والأقاليم
الأخرى، وإلا واصل المتشددون بدفع البلاد إلى اتجاه أخطر.