بحكم نشأتي في بيئة تتفشى فيها الخرافة وبائيا، وبعد أن جلب عليّ
التصدي للدجالين سيلا من التهديدات والشتائم، صار جلدي سميكا إزاء كل ذلك، فتكسرت
نصال الدجالين على جلدي، وأنا كما الراحل أبو عمار في أسْرِه: "يا جبل ما
يهزك ريح"، وكان من عاداتي الثابتة في رأس كل عام جديد أن أتناول تكهنات
العرافين والمنجمين حول الوقائع المرتقبة في العام المعني، ولكن يبدو أنهم شلوا
قدراتي على ذلك، وفات علي تناول الأمر في كانون الثاني/ يناير الذي انصرم، ولكن لا
بأس فما زال عام 2023 يحبو.
ميشيل دي نوستراديموس صيدلاني فرنسي عاش في القرن السادس عشر، وكان
الصيادلة وقتها مشغولون باكتشاف إكسير الحياة وبالـ "خيمياء"، وهي الارتقاء بالمعادن الوضيعة لتصبح رفيعة
(تحويل الرصاص إلى ذهب مثلا)، وبعد أن بارت بضاعته، عكف على تأليف كتاب
"النبوءات" الذي يتكهن فيه بمجريات الأحداث حتى نهاية
العالم عام 3797م،
وكل ذلك في شكل رباعيات موغلة في الإلغاز، ويتعذر فهمها، مما أعطى مريديه هامشا
واسعا لتأويل تكهناته عاما بعد عام.
في شأن العام الحالي 2023، تكهن نوستراديموس بأنه سيشهد حروبا ودمارا
اقتصاديا (ولكنه وبرغم قدراته الهائلة الافتراضية لم يحدد اين ستقع الحروب وأي
الدول ستعاني من الدمار الاقتصادي)، وبالطبع هرع من يصدقونه إلى القول بأنه تكهن
بالحرب الروسية الأوكرانية، وما تسببت فيه من أزمة طاقة في أوروبا بعد وقف تدفق
النفط والغاز الروسي إليها، ولكن لم يفتح الله عليهم بكلمة حول ما قاله الرجل بأن
"الضوء على المريخ سوف ينطفئ".
وفي مقابل نوستراديموس الفرنسي، خرجت أوروبا الشرقية بـ "بابا
فانجا" البلغارية، التي أصدرت تكهناتها حتى عام 2030، ورغم أن هذه العرافة
ماتت عام 1997 إلا أن تجار الخرافة يزعمون أن جميع تكهناتها خلال السنوات السابقة
تحققت، بل إن هناك من يعتبرها قديسة لكونها عمياء ولكن ترى بالبصيرة ما يحدث وما
سيحدث، ومن تكهناتها لعام 2023 أن مدار الأرض سيتغير، مما سيؤدي إلى زيادة الإشعاع
الشمسي وارتفاع هائل في درجات الحرارة، ثم تستدرك ـ ربما من باب اللعب على حبلين ـ
وتقول إن ذلك سيحدث إذا اقتربت الأرض من الشمس، أما إذا انتقل كوكبنا بعيدًا عن
الشمس، فقد نشهد عصرًا جليديًا وساعات أكثر من الظلام" ـ ويذكرني هذا بما
قالته عرافة لي في صباي، وأنا جالس في حلقة من نساء الحي: عمرك طويل أجلك قصير،
فنفحتها أمي مبلغا ماليا إضافيا وهي تحسب أنها بشرتني بأمر طيب، أما أعجب ما قالته
بابا فانجا هذه فهو أنه سيتم حظر الولادات الطبيعية في عام 2023، حيث سيتم تخليق
البشر في المختبرات (لم تقل هل سيتم حظر الزواج وعلاقات الفراش، أم سيتم تعقيم
الرجال والنساء على يد هيئة الصحة العالمية).
وبعقلية "سنجهل فوق جهل الجاهلينا"، دخل سوق التكهنات بعض
العرب ومن بينهم عبد الله محمد البلتاجي، وقد سبق له أن قال العام الماضي إن إسرائيل
ستزول في 2023 ولم يحدد ما إذا كان ذلك لأن شهبا ستجعل إسرائيل كعصف مأكول، أم أن
محمود عباس أبو مازن وجد نظيرا لعصا هاري بوتر، وسيلوح بها ويخسف بإسرائيل إلى
أسفل سافلين!
أما فارسة ميدان الكهانة بلا منازع في الشرق الأوسط، فهي ماغي فرح
التي تحولت إلى "مؤسسة"، تصدر عدة كتب سنويا تتناول فيها أحداث كل عام
وكل شهر، ولكن وبحكم أنها لبنانية، وبحكم أنه يصعب التكهن بمآلات الأمور في لبنان،
فإن ماغي هذه تتفادى التكهن كثيرا في أمور السياسة والحكم، وتركز على عالم الأبراج
الذي يحظى بجماهيرية لا باس بها.
بعقلية "سنجهل فوق جهل الجاهلينا"، دخل سوق التكهنات بعض العرب ومن بينهم عبد الله محمد البلتاجي، وقد سبق له أن قال العام الماضي إن إسرائيل ستزول في 2023 ولم يحدد ما إذا كان ذلك لأن شهبا ستجعل إسرائيل كعصف مأكول، أم أن محمود عباس أبو مازن وجد نظيرا لعصا هاري بوتر، وسيلوح بها ويخسف بإسرائيل إلى أسفل سافلين!
تعالوا نعرض فقط بعض ما قالته ماغي عن مصائر جماعات برج الحمل في عام
2023 "يكون كوكب جوبيتور في برجك من بداية العام"، وجوبيتور هذا هو الذي
نسميه نحن العوام المشتري، ولكن ماغي تعرف أن للمفردة الإفرنجية وقع خاص على الأذن
"ويستقر عندك جوبيتور لشهر أيار/ مايو، ثم ينتقل إلى برج الثور، ويعتبر هذا
الموقع جيد جداً بالنسبة لك.. هذه السنة هي مزدهرة مع جوبيتور الذي يوفر لك ساحة
مشرقة من النجاحات والإنجازات والسفر والمشاريع والمكانة العالية". وليت ماغي
تقول لنا ما إذا كان بإمكان الإنسان الانتساب أو الانتقال كليا إلى برج الحمل
لينعم بالنجاح والإنجاز..
ثم ماذا يا سيدة البشارات المبهرة: "الكثير من مواليد الحمل
يتوصلون إلى مركز نافذ. وينتقل ساتورن (يسميه العوام زحل) إلى برج الحوت في تاريخ
14 آذار/ مارس، ويكون في الوقت هذا جيد جداً بالنسبة لك في مجال الأعمال والتعاطي
المهني.. وتتغير حياتك على أثر بعض الأحداث والتطورات والمفاجآت. تترأس مركزاً
وتصل إلى مرتبة عالية وتخطط لجديد وتنتقل إلى بلد آخر، وقد تشتري عقارا وقد تنشئ
شركة (قد؟).
بالمصري يا ست ماغي: بالذمة دا كلام؟ وتسمين هذه الغثاثة نبوءات؟
ويذكرني كل هذا بحكاية الصبي الذي قال في شاعرنا الضخم المتنبي ـ وشتان ما بينك
وبينه: يا لعنة الله صبي/ في لحية المتنبي/ لو كان هذا نبيا / لا شك فالقرد ربي.
]*اتبرع لماغي بالتنبيه التالي: عن كوكب المشتري،
قولي جوبيتَر بفتح التاء ولا مكان لواو بين التاء والراء لتقابل حر O الذي يوجد في رسم الكلمة بالحرف
الإنجليزي، وزحل هو ساتيرن وليس ساتورن[.