حظي
التقرير الصادر عن منظمة "حظر الأسلحة الكيميائية" الذي حمّل النظام السوري
مسؤولية الهجوم الكيميائي على مدينة
دوما في ريف دمشق عام 2018، باهتمام كبير من قبل
الأوساط السورية المعارضة، وسط آمال بأن تعرقل هذه الإدانة محاولات التطبيع معه.
والجمعة،
خلص تقرير منظمة "حظر الأسلحة الكيميائية"، بعد تحقيق استمر قرابة العامين
إلى أن طائرة هليكوبتر عسكرية واحدة على الأقل تابعة للنظام السوري أسقطت أسطوانات
غاز الكلور على مبان سكنية في مدينة دوما السورية التي كانت خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة
في 2018، وأودت يومها بحياة ما لا يقل عن 34 شخصا، بينهم أطفال ونساء، وإصابة العشرات.
وتأتي
أهمية التقرير في توقيته، كما يؤكد مدير "مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في
سوريا" نضال شيخاني لـ"عربي21"، موضحا أن "اختيار توقيت خروج التقرير
بالتزامن مع توجه بعض دول المنطقة للتطبيع مع النظام السوري، لم يأت مصادفة".
وتابع
شيخاني أن هذه التقارير لا تُعد فقط لمشاركتها شفهياً مع مجلس الأمن، وإنما هي تشكل
مرجعية لمحاكمات قضائية، مؤكدا أن "التقرير سيشارك مع الآلية الدولية المحايدة
والمستقلة - سوريا (IIIM)، وهي الجهة المسؤولة عن ارتكاب جرائم الحرب في
سوريا، وبالتالي فإن كل شخص ذكر اسمه في هذا التقرير وغيره سيخضع للمحاكمة في يوم ما".
وكان
مدير عام المنظمة فرناندو أرياس، قد اعتبر بعد صدور التقرير أن "استخدام الأسلحة
الكيميائية في دوما أو في أي مكان آخر أمر غير مقبول وبمثابة خرق للقانون الدولي"،
وقال إن "العالم بات الآن يعرف الحقيقة والأمر متروك الآن للمجتمع الدولي".
وقال
شيخاني إن "حديث أرياس عن العجز، يفتح الخيارات أمام البحث عن حلول جديدة للضغط
على النظام"، وأضاف أن "التقرير يشكل فرصة لإعادة الاهتمام الدولي بالملف
السوري، بعد تراجعه بسبب التركيز على الوضع في أوكرانيا".
تورط
روسيا
وقبل
التقرير الأخير، كانت منظمة "حظر الأسلحة الكيميائية" قد أصدرت تقريرين حول
هجمات كيميائية في اللطامنة بريف حماة في العام2020، وسراقب بريف إدلب في العام
2021، اتهمت فيهما النظام أيضا بالمسؤولية، إلا أن هذا التقرير أشار إلى تورط روسيا
في الهجوم على دوما، من خلال الإشارة إلى أن القوات الروسية كانت مشتركة في موقع قاعدة
الضمير الجوية إلى جانب "قوات النمر/ الفرقة 25" التي نفذت الهجوم على دوما.
وعن
ذلك، يقول شيخاني، إن روسيا منعت بعثة تقصي الحقائق من الوصول إلى موقع الهجوم في دوما
لأكثر من أسبوعين، وبعدها حاولت تضليل الفريق من خلال إعطاء البعثة خرائط مضللة، مؤكداً
أن "لدينا تسجيلات جرى تسليمها للمنظمة الدولية تثبت تهديد ضابط روسي لأهالي
دوما بالكيميائي، قبل الهجوم بساعات".
ويتابع بأن التقرير هو الأول بعد غزو روسيا أوكرانيا، والإشارة فيه إلى تورط روسيا يؤشر إلى
أبعاد سياسية، ويقول: "قد يكون الأثر السياسي لهذا التقرير مختلفاً عن التقريرين
السابقين".
الائتلاف
يطالب بالمحاسبة
وعقب
صدور التقرير دعا الائتلاف السوري المعارض إلى محاسبة النظام السوري، وفرض تدابير ضده
وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وأضاف
في بيان أن إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مسؤولية الأسد عن هجوم دوما، يضع المجتمع
الدولي أمام مسؤولية إزالة خطر هذا النظام عن الشعب السوري، الذي تعرض لشتى أنواع القتل
والانتهاكات على يد نظام الأسد وحلفائه.
واعتبر
الائتلاف أن "استمرار وجود نظام الأسد يعني غياب العدالة الدولية، كما أن إعطاءه
المزيد من الوقت يعني استمرار المأساة السورية، إذ ما يزال الشعب السوري يقدم التضحيات
في سبيل الوصول إلى حل يلبي تطلعاته في بناء سوريا حرة ديمقراطية بدون نظام الأسد وأجهزته
القمعية".
ويقول
أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف، عبد المجيد بركات لـ"عربي21"، إن التقرير
يؤكد المؤكد، "أي استخدام النظام للأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وكذلك يؤكد سردية
المعارضة والشعب السوري حول استحالة تعويم هذا النظام الذي يشكل تهديدا للأمن والسلم
الدولي".
وبحسب
بركات فإن التقرير الأخير والتقارير التي سبقته، تضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات
قانونية وأخلاقية، وقال: "بالتالي فإنه يجب أن يتم التركيز على كيفية إزالة هذا النظام
لا على تعويمه وإيجاد المخارج له".
وقال
أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف، إن التقرير حكماً سيحد من سرعة قطار التطبيع
مع النظام، ويقطع الطريق على المحاولات الإقليمية الهادفة إلى تعويم النظام.
"آلية تنفيذية"
وبعد
ذلك، أكد بركات على ضرورة إيجاد آلية لتنفيذ القرارات الدولية، على أمل إيجاد حل في
سوريا يمر عبر تحقيق الانتقال السياسي.
بدوره،
ينتقد رئيس هيئة القانونيين السوريين القاضي المستشار خالد شهاب الدين، المجتمع الدولي
بسبب غياب أي تحرك لمحاسبة النظام السوري، رغم إثبات التقارير استخدام النظام الأسلحة
الكيميائية (اللطامنة، سراقب، دوما).
ويقول
لـ"عربي21"، إن العالم اكتفى بالبيانات، رغم أن القوانين الدولية توجب استخدام
القوة تحت بند "الفصل السابع" ضد أي طرف يشكل تهديداً للسلم الدولي، وعلى
رأسهم النظام السوري.
ويضيف
القاضي أن "هيئة القانونيين السوريين طالبت بتفعيل قرار مجلس الأمن 2118، وتحديداً
المادة 21 منه، ووضحنا أن القرار لا يحتاج إلى موافقة روسيا، ومن المهم الإشارة إلى أن
المجتمع الدولي عاقب روسيا في أوكرانيا، ولم يفعل أي شيء في سوريا".
وتابع
شهاب الدين بأن المجتمع الدولي يكتفي بالإدانات والبيانات، فيما تستمر معاناة الشعب
السوري، علماً بأن القرارات الدولية واضحة.
وفي
السياق ذاته، عبر القاضي عن استغرابه من قيام بعض الدول بمراجعة علاقتها مع النظام
السوري، وقال: "المستغرب فعلاً أن يتم مد اليد للنظام الذي ارتكب الجرائم بالأسلحة
المحرمة ضد شعبه، والذي أغرق دول المنطقة بالمخدرات".