السجن بعد الموت

مقابر الأرقام مدافن سرية يحتجزُ الاحتلالُ فيها جثامينَ 256 شهيدا من الفلسطينيينَ وغيرهم من العرب، ويقدم الاحتلال على هذا التصرف بهدف تشكيل رادع للفلسطينيين في محاولةٍ لمنعهم من تنفيذ عملياتٍ فدائية..

قبور دونَ شواهد، وأضرحة بلا أسماءَ تدل على أصحابها ضمنَ مشهدٍ يعبر على انتهاكِ الاحتلالِ البشع لحرمةِ الموت في أسلوبِ انتقام يحملُ في ثناياهُ حقدا دفينا على شهداءِ فلسطين الراقدينَ في مقابرِ الأرقام، فما هي سياسةُ العقابِ بعدَ الموتِ التي يتبعها الاحتلالُ بحقِّ الشهداء؟

عن مقابر الأرقام

مدافن سرية يحتجزُ الاحتلالُ فيها جثامينَ 256 شهيدا من الفلسطينيينَ وغيرهم من العرب، من بينهم 9 أطفال و3 شهيدات، خاصةً منفذي العملياتِ الفدائيّةِ إلى حينِ تسليمهم في صفقاتِ تبادلٍ أو غيرها.. والسببُ الرئيسيُّ لتسميتها بهذا الاسمِ هو وضعُ الاحتلالِ لافتةً حديديةً أمامَ كلِّ قبر يحمل رقما يرمز للشهيد دون ذكر اسمه، ويعتبرُ العدوُّ هذهِ المدافنَ مناطقَ عسكريةً مغلقة يتطلبُ الوصولُ إليها إذنا مسبقا.

وقد أخفى جيشُ الاحتلالِ المعلوماتِ المتعلقة بعددِ وأماكنِ تواجدِ مقابرِ الأرقام ليرضخَ فيما بعدُ لضغوطاتِ المؤسساتِ الحقوقيةِ عامَ 2003 ويصرح بوجودِ مقبرتينِ فقط هما "مقبرة عميعاد" قربَ صفد، ومقبرة "جسر آدم" في غورِ الأردن، إلا أنَّ إعلانهم هذا لا يعني صدقهم، فبعدَ مرورِ عقدٍ على تصريحهم تبيّنَ أنَّ هناكَ خمسة مقابر على الأقلِّ، واحدةٌ منها في منطقةِ بئرِ السّبع، لم يكن وجودها معلناً.

وبحسبِ تقاريرَ فلسطينيةٍ رسميةٍ، فإنَّ سلطاتِ الاحتلالِ تُقدم على هذا التصرفِ المجردِ من الإنسانيةِ بهدفِ تشكيل رادع للفلسطينيين في محاولةٍ لمنعهم من تنفيذِ عملياتٍ فدائية، إضافةً لاستخدامِ الجثامينِ كورقة مساومة في أي صفقات تبادل مستقبلية مع حركاتِ المقاومة.

انتقام من الشهداء


الاحتلالُ القبيحُ أقلقَ مرقدَ شهداءِ مقابرِ الأرقام عبرَ ممارساتهِ غيرِ الإنسانية، فتلكَ المدافنُ التي لا تمت للمقابر بصلة تفتقرُ للحدِّ الأدنى من المواصفاتِ التي تصلحُ لدفنِ الأموات، فهي لا تحتوي على قبور مستقلة ولا شواهد واضحة حتى إن بعضها ربما يكونُ قد أزيلَ تماما بفعلِ انجرافاتِ التربة حيثُ أنَّ الأسلوبَ الذي يتعاملُ بهِ الاحتلالُ مع جثامينِ الشهداءِ يبدو مهينا لا يليقُ بهم إذ يتمُّ في غالبيةِ الأحيانِ طمر الشهيدِ بالرمالِ والطين دونَ وضعِ عازلٍ إسمنتي لحفظِ الجثمان كما أنه يُدفنُ أحيانًا أكثر من شهيد في حفرة واحدة وربما تضمُّ الحفرُ شهداءَ من الرجالِ والنساء ما يؤدي إلى تداخلِ عظامِ الشهداء الأمرُ الذي يُصّعبُ عمليةَ التعرفِ على بعضِ الشهداء عند استخراجهم.

 الاحتلالُ الإسرائيليُّ لم يقف إجرامهُ عند هذا الحدِّ بل تمادى في سياساتهِ القذرةِ ليقوم بسرقة أعضاء جثامين الشهداء المحتجزينَ لديه ويتخذُ الاحتلالُ الاحتجازَ وسيلة لابتزاز أهالي الشهداء الذين يعيشونَ في قلقٍ وخوفٍ ولهفةِ أملِ اللقاءِ الأخير ويجعلُ حقهم في وداعِ أبنائهم أمنيةً صعبةَ المنال.

 مطالبُ مستمرةٌ لاستردادِ الجثامين


حملةٌ شعبية أطلقها مركزُ القدسِ للمساعدةِ القانونية تحتَ عنوانِ "الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء" تبنت قضيةَ الدفاعِ عن الشهداءِ المحتجزةِ جثامينهم حيثُ تخوضُ الحملةُ معارك قانونية وجماهيرية ضدَّ سياساتِ الاحتلالِ الانتقامية وتسعى لتركيزِ الجهودِ نحوَ هدفها بتسريعِ استردادِ جثامينِ الشهداءِ المحتجزة سواءً في مقابرِ الأرقامِ أو ثلاجاتِ حفظِ الموتى.

 وفي السابعِ والعشرينَ آب/ أغسطس من كل عام يحيي الفلسطينيونَ بفعالياتٍ مختلفة "اليومَ الوطنيَّ لاستردادِ جثامينِ الشهداءِ الفلسطينيينَ والعرب". وفي خطوةٍ تعبرُ عن همجيةِ الاحتلالِ أصدرت المحكمةُ العليا الإسرائيلية في أيلول/ سبتمبر 2019 قرارًا يجيزُ للقائدِ العسكريِّ الإسرائيلي احتجازَ جثامينَ الشهداءِ الفلسطينيين ودفنهم مؤقتًا لاستغلالهم كأوراقِ تفاوضٍ مستقبليةٍ.
التعليقات (0)