"أسقاز
أمقاز" أولا أي "سنة سعيدة" باللغة الأمازيغية بمناسبة رأس السنة
الأمازيغية الجديدة، التي تبدأ في 12 (وفي مناطق أخرى 13) من شهر كانون الثاني (يناير)
بالتقويم الميلادي المنتشر عالميا.
يعود الاحتفال بـ"يناير"، كما يتم
تسمية رأس السنة الأمازيغية اختصارا وسط جدل متجدد حوله، وحول الهوية الأمازيغية
والعروبة خاصة في المنطقة المغاربية، والذي كان برز أيضا مؤخرا مع تألق المنتخب
المغربي في مونديال قطر وارتفاع أصوات أمازيغية، بعضها عقلانية موضوعية وأخرى
متطرفة مغالية، تعترض على اعتبار ما حققه المنتخب المغربي إنجازا عربيا فقط،
وإغفال أن المنتخب المغربي كما المغرب، في هويته الأولى أمازيغي، وأن غالبية شعبه
في الحقيقة أمازيغ وليسوا عربا.
واللافت أنه في سياق الحديث عن
"يناير" الذي يستمر الاحتفال به بشكل واسع في المغرب، فهو ليس عيدا
وعطلة وطنية مثلما هو الشأن بالجارة
الجزائر، التي أقرت ذلك في 2018. وهناك دعوات
ملحة في المملكة للحذو حذو الجزائر. والملاحظ أنه بالمقارنة بين النظامين
المتضادين فإنه لا اختلاف جوهريا في التعامل المتوجس، حتى لا نقول الإقصائي للهوية
التاريخية الأولى للبلد (الأمازيغية)، أو على مستوى نخب سياسية وثقافية ترفع
شعارات العروبة والإسلاموية بشكل خاص. وإن كان يبدو لي على المستوى الشعبي فالمغرب
يبدو أكثر تقبلاً أو تصالحا مع الهوية الأمازيغية من الجزائر.
ومثلما ظهر مع تألق المغرب في مونديال قطر وجدل نسبته للعروبة والأمازيغية بدا هذا الموقف مفاجئا لكثيرين في المشرق العربي
(بما فيها الخليج) ليسوا على اطلاع على تعقيدات الموضوع بكل أبعاده التاريخية
والعرقية، والثقافية والسياسية. وإن كانت برزت في هذا السياق أصوات عربية متفهمة
لموقف أمازيغ يحرصون على التشبث بكل مشروعية بهويتهم، ظهرت في المقابل أصوات عربية
أخرى إقصائية لا تختلف عن الأصوات المتطرفة في أمازيغيتها.
واللافت أنه في مقابل انفتاح الكثير من
العرب ـ سواءً بالأبعاد الأثنية أو الثقافية ـ وترحيبهم بإخوانهم الأمازيغ
وبهويتهم يبدو الموقف مغايرا، في بلد مثل الجزائر، أكبر بلد في المنطقة المغاربية،
حيث يحتدم فيه وبشكل كبير الجدل والانقسام المجتمعي حول الأمازيغية. وينفخ النظام
الحاكم في هذا الانقسام ويغذيه بشكل خطير منذ الاستقلال، من منطلق فرق تسد، كما
ظهر في عدة شواهد آخرها خلال الحراك الشعبي، حيث لعب النظام ورقة الأمازيغية
لتفريق الشعب الموحد في ثورته السلمية.
وقد ظل النظام يتلاعب بهذه "الورقة
المحروقة والحارقة" بشكل مفضوح، حيث تنكر لعقود، بل حوّل قضية الهوية
الأمازيغية إلى "قنبلة موقوتة" بسياسته الإقصائية منذ الاستقلال، حيث
أقصى اللغة الأمازيغية، ورفض تسمية المواليد بأسماء تاريخية أمازيغية أصيلة، وفرض
سردية تنكرية غريبة تعتبر أن الشعب الجزائري عربي فقط، رغم أن الحقيقة هي أن
الأمازيغية هي الهوية الأولى للبلاد، وأن الشعب الجزائري في غالبيته أمازيغي.
في مقابل انفتاح الكثير من العرب ـ سواءً بالأبعاد الأثنية أو الثقافية ـ وترحيبهم بإخوانهم الأمازيغ وبهويتهم يبدو الموقف مغايرا، في بلد مثل الجزائر، أكبر بلد في المنطقة المغاربية، حيث يحتدم فيه وبشكل كبير الجدل والانقسام المجتمعي حول الأمازيغية.
هذه السياسة الإقصائية، التي يجب الإشارة
كذلك أنها ظهرت في الحركة الوطنية الجزائرية، حتى قبل الثورة التحريرية الجزائرية
بما سميت بـ"الأزمة البربرية"، استمرت بعد الاستقلال بشكل خطير كأن
يرفع، أحمد بن بلة، أول رئيس جزائري بعد الاستقلال في 1962 صوته لفرض إيديولوجية
بعثية مستوردة من المشرق، ويقول: "نحن عرب.. نحن عرب!"، ويريد إجبار
أمازيغ الجزائر، الذين كانوا في قلب معركة تحرير البلاد، ودفعوا النفس والنفيس من
أجل ذلك، على "الرضوخ لذلك". كما ستستمر نفس السياسة العروبية،
التعريبية في عهد هواري بومدين (الأمازيغي الأصل كذلك) وزير دفاعه، الذي انقلب
عليه بعدها في 1965، ليصبح رئيسا للبلاد.
السياسة نفسها، وإن بأقل حدة، تواصلت مع من
جاء بعده، أي الرئيس الشاذلي بن جديد، حيث انفجرت في 1980 احتجاجات "الربيع
البربري أو الأمازيغي" في منطقة القبائل بعد منع محاضرة في جامعة تيزي وزو،
عن الشعر الأمازيغي، كان سيقدمها الكاتب مولود معمري. وستشهد منطقة القبائل مرة
أخرى، احتجاجات أكثر دموية في ما سمي بـ"الربيع الأمازيغي الأسود" في
2001 في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، حيث خلفت 126 قتيلا ومئات الجرحى. وستخلف
هذه الأحداث ردود أفعال ستتطور إلى طروحات انفصالية في منطقة القبائل، وإن كان
فيها ما فيها كذلك من تلاعبات من النظام.
اللافت أنه بعد ذلك بسنة أي في 2002 سيقوم
بوتفليقة، بالاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية، ثم دسترتها في 2016، كلغة وطنية
ثانية رسمية في البلاد بعد العربية، رغم أن بوتفليقة كان قد أقسم سابقا، في خطاب
بمنطقة القبائل، بأن ذلك لن يحدث أبدا!
وقد أثارت هذه الدسترة حفيظة تيارات ترفع
شعارات العروبة والإسلام، والتي سترتفع أصواتها أعلى في 2018 بالرفض واللغط بعد
إقرار رأس السنة الأمازيغية المعروفة باسم "يناير" المصادف ليوم 12
يناير بالتقويم الميلادي، لتكون عطلة رسمية إلى جانب عطلة رأسي السنة الميلادية
والهجرية. القرار جاء بحسابات سياسوية، حينها، مرتبطة بالولاية الخامسة لبوتفليقة،
المريض المقعد، والتي كان يُعد لها قبل إسقاطها وإسقاطه بعد انتفاضة 22 فبراير
الشعبية.
وبرغم أن الخطوة "أُريد بها
باطل"، حينها لكنها تبقى "حقا"، بل وجاءت متأخرة لتصالح الجزائر مع
ذاتها وعمقها التاريخي. لكن الخطوة أثارت وما زالت تثير غضبا لدى قطاع من
الجزائريين، فقد سارع حينها أحد دعاة السلفية الوهابية بالفتوى بتحريم الاحتفال
بـ"يناير". وقد استغربت شخصيا، وما زالت أستغرب غضب الكثير من الجزائريين
من إقرار هذا اليوم بـما بدا لي ردود أفعال "هيسترية" و"مازوخية"
و"كره ذات" غريبة، ورفض هؤلاء لبعدهم الهوياتي الأول، أي الأمازيغية
والمغالاة في محاولة إنكارها وتقمص الهوية العربية بتسويقات مبالغ فيها، وهمية
وخرافية عن أصل فينيقي عربي للأمازيغ بينما في لبنان مثلا فإن التيار الفينيقي
مثلا بالعكس يصر على "فينيقية" لبنان للتأكيد على عدم عروبتها!
اللافت أن كثيرين في المقابل لا إشكال لهم،
بل يعترفون بوجود رأس السنة الأمازيغية "يناير" كموروث شعبي بكل ما فيه
من طقوس أكل واحتفاء يتم الاحتفال به منذ قرون، ولكن كسنة فلاحية، مرتبطة
بالزراعة، ولكن نقطة الاعتراض هي التقويم الأمازيغي المعتمد، والذي وضعه الباحث الجزائري
الراحل عمار نقادي عام 1980، والذي يبدأ تاريخ الرزنامة الأمازيغية من يوم 12
يناير وعام 950 سنة قبل الميلاد، وتأريخ ذلك بجلوس الملك المصري، الليبي الأمازيغي
الأصل "شيشنق" أو "شيشناق" على عرش مصر، ليكون فرعون مصر
وتحكم عائلته نحو 250 سنة.
وقد برر البعض هذا الاختيار على اعتبار أنه
يتم تسمية "يناير" لدى بعض الأمازيغ بـ"عام الفرعون"، فربط
الباحث هذا بذاك في وضعه للرزنامة الأمازيغية. نعم هناك مبررات موضوعية فعلا
للرافضين لهذا الربط والتقويم، وأسطرة وتسويق "خرافي" مبالغ فيه لشيشنق
إلى درجة نصب تمثال له بشكل غريب في منطقة القبائل بالجزائر، مما أثار غضبا في مصر
وفي ليبيا على اعتبار أن شيشنق مصري وليبي. وهنا يجب الإشارة إلى أن القذافي ـ
الذي كان يقمع الأمازيغ وهويتهم ـ وفي تقلباته الجنونية بين أمين القومية العربية،
وملك ملوك أفريقيا، كان أعلن الاحتفال رسميا في 2008 برأس السنة الأمازيغية،
وبشيشنق كبطل ليبي أمازيغي عظيم!
الجزائري المدافع عن تحرير فلسطين لماذا لا "يتمثل" شيشنق ويتوسم أن يكون "أمازيغي" هو من يحرر القدس مثلا أم أنه يفضل أن يظل مفتخرا ببطولات الآخرين ويصرخ مثلا أنا "أمازيغي عربني الإسلام"، لكنه يفتخر بـ"بطل تركي" مثلا، يفتخر بـ"تركيته" ولا يقول أبدا أنا "تركي عربني الإسلام"..
نعم هناك نقاش مشروع في موضوع التقويم أو
الرزنامة الأمازيغية، وحتى لدى شعوب أخرى فعيد "النيروز" الذي يكون كل
يوم 21 آذار (مارس) كبداية قدوم الربيع في الكثير من البلدان من بينها إيران، حيث يرتبط
التقويم الإيراني حاليا بشكل لافت بالهجرة النبوية، وتم اعتماده قانونًا في 1925،
في عهد الحكم البهلوي المبكر. وقد حُدد أصل التقويم ليكون هجرة الرسول محمد (صلعم)
من مكة إلى المدينة عام 622 ميلادي. واللافت أنه وفي عام 1976، غيّر شاه محمد رضا
بهلوي أصل التقويم إلى بداية عهد الملك الفارسي كورش الكبير باعتباره سنته الأولى،
بدلاً من هجرة الرسول. بين عشية وضحاها، تغير العام من 1355 إلى 2535. وقد استمر
هذا التغيير حتى الثورة الإيرانية عام 1979، حيث تم إعادة التقويم إلى الهجري
الشمسي، وبالتالي فإن إيران هي حاليا في عام 1401.
بينما في المقابل فبالنسبة للأكراد، الذين
يحتفلون كذلك بعيد النيروز فيبدأ تقويمهم من 612 قبل الميلاد، أي للتأريخ لسقوط
الإمبراطورية الآشورية على يد الميديين (أسلاف الأكراد) على يد "كاوا
الحداد"، الذي له هو كذلك تلك الصورة الأسطورية، وبذلك فحسب هذا التقويم فالأكراد
هم الآن في عام 2634.
في المقابل فبتقويم الباحث نقادي ربطا
بشيشنق فإن الأمازيغ هم حاليا في عام 2973. نعم هناك نقاش مشروع حول هذا الموضوع،
والتأكيد على أن رأس السنة الأمازيغية هو احتفال بالسنة الفلاحية، ويتم الاحتفال
به في عموم البلاد، ويسمى في بعضها للمفارقة بـ"رأس العام تاع العرب"!
ولتكن كذلك سنة فلاحية! فبعيدا عن هذا التقويم يبقى "يناير" عنوانا
للعمق التاريخي.. وبعيدا عن جدل شيشنق لمن لا يصدق أو يعترف بربطه به، ويرى أنه
احتفال بالسنة الفلاحية، ولتكن كذلك، وهي بالتالي أقدم حتى من شيشنق، ومن 950 سنة
قبل الميلاد، أي مع بدء الإنسان في هذه المنطقة، وغيرها الزراعة، قبل أكثر من 9500
سنة قبل الميلاد!
لكن الملاحظ، بل المدهش هو هذا التشكيك
"الهيستيري" لكثير من الجزائريين في شيشنق (الفرعون الأمازيغي الأصل)،
المذكور في "التوراة" والموثق في كتب التاريخ، رغم توافر عناصر
"البطولة" التي يفضل أن يروها في خليفة تركي مثلا! الملك شيشنق الذي بسط
حكمه في مصر وسيطر حتى على فلسطين وما هي مدينة "القدس" حاليا، وهزم
اليهود وحطم هيكلهم.
وهنا وجب القول رداً على الذين يتحدثون عن
المؤامرات ويرون في ربط "شيشنق" بالسنة الأمازيغية "مؤامرة"
وراءها "الأيادي الخارجية الصهيونية".. قليل من العقل والتعقل.. هل يمكن
للصهاينة أن يلمعوا شخصية تاريخية سيطرت على فلسطين وهزمت الصهاينة وحطمت هيكلهم؟!
الجزائري المدافع عن تحرير فلسطين لماذا لا
"يتمثل" شيشنق ويتوسم أن يكون "أمازيغي" هو من يحرر القدس مثلا
أم أنه يفضل أن يظل مفتخرا ببطولات الآخرين ويصرخ مثلا أنا "أمازيغي عربني
الإسلام"، لكنه يفتخر بـ"بطل تركي" مثلا، يفتخر
بـ"تركيته" ولا يقول أبدا أنا "تركي عربني الإسلام".. وينكر
هويته، ويكذب على نفسه، حتى بالزعم أنه ليس هناك شيء اسمه بربر أو أمازيغ (سميهم ما
شئت!) إنما هو ينكر هويته لدرجة استيراد أخرى، ويقول مثلا إنه فينيقي.. بينما آخر
دراسة علمية تؤكد أن الجزائر هي مهد البشرية، كما أن هناك كذلك الفحص العلمي
للخريطة الجينية من خلال الحمض النووي، والذي قمت به شخصيا، والذي يسقط وهم هذه
الخرافة الفينيقية!
*كاتب جزائري
مقيم في لندن