قالت صحيفة "
واشنطن بوست" إن حكومة رئيس الوزراء
العراقي السابق مصطفى
الكاظمي، استخدمت التعذيب والابتزاز والعنف الجنسي والاعتقال في أماكن مجهولة، بهدف إجبار رجال أعمال على الاعتراف والتخلي عن أرصدتهم المالية، وذلك تحت غطاء تعهده بمحاربة الفساد.
وسلطت الصحيفة الضوء على القضية في إطار تحقيق أجرته على مدار تسعة أشهر وترجمته "عربي21" للكشف عن مظاهر التعذيب والإنتهاكات التي مارستها لجنة مكلفة بمحاربة الفساد.
وغادر الكاظمي في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وقادت حكومته حملة واسعة لمكافحة الفساد في بلد يعتبر الأكثر فسادا في العالم، وحظيت بالدعم والتشجيع العالمي.
وقالت الصحيفة إنها أجرت سلسلة من المقابلات مع رجال احتجزتهم الهيئة، وما ظهر من التحقيق عملية اتسمت بالإنتهاكات والإهانة، والتركيز أخذ اعترافات معدة مسبقا والتوقيع عليها وليس المحاسبة ضد أعمال فساد.
اظهار أخبار متعلقة
وتحدث الجميع للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم. وتذكر معتقل سابق قائلا: "كانت هناك كل أنواع التعذيب: كهرباء، خنقوني بأكياس بلاستيك وشبحوني من السقف وجردوني عاريا ولمسوا أعضاءنا التناسلية". في حين مات، في واحدة من الحالات، المسؤول البارز قاسم حمود منصور في المستشفى بعد اعتقال الهيئة له، وأظهرت صور قدمتها عائلته للصحيفة أن بعض أسنانه اقتلعت وكدمات واضحة على جبهته.
وخسر العراق منذ عام 2003 أكثر من 300 مليار دولار بسبب الفساد، وهو تقدير للجنة المالية في البرلمان العراقي، فبعد الغزو العراقي أوجد الاحتلال الأمريكي نظام التوافق والمحاصصة الطائفية، قامت فيه الأطراف الحاكمة بإثراء نفسها من ثروات الدولة ونظام الرعاية.
ومنذ ذلك الوقت أعلن معظم رؤساء الوزراء العراقيين عن خطط لمكافحة الفساد، إلا أنها كانت عبارة عن عمليات لتشويه سمعة أسلافهم أكثر من كونها محاولات لحل المشكلة من جذورها.
وتضيف الصحيفة أن المسؤولين الذين استهدفتهم ما عرف بلجنة 29 كانوا أهدافا سهلة بدون حلفاء سياسيين للدفاع عنهم عندما كان رجالها يدقون على الباب، ومعظم الذين اعتقلوا لاحقتهم تهم الفساد ومن سنوات، لكن لا يعرف شرعية الاعتقالات بسبب سرية عمل اللجنة وقتامة عملها، ويبدو أن بعضها مدفوع بدوافع سياسية، أي استهداف أشخاص لهم علاقات بفصائل سياسية تهدد الحظوظ السياسية لواحد من داعمي الكاظمي الرئيسيين وهو مقتدى الصدر.
وقال مسؤول غربي بارز: "أعتقد أننا تسامحنا معه كثيرا (الكاظمي)، فهو رجل بنية حسنة ولديه السمعة الجيدة ويقول الأشياء الصحيحة عندما تلتقي معه". وغادرت معظم دائرة رئيس الوزراء السابق المغلقة بغداد، وذلك بعد توجيه تهم لمدير طاقمه، ولا يعرف مكان الكاظمي الحالي.
ودافع مستشار سابق لرئيس الوزراء عنه وتحدث بالإنابة عنه بأنه "ينفي نفيا مطلقا" اتهامات الإنتهاكات. وقال بدون ذكر اسمه: "التزمت الحكومة السابقة بأعلى المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان، وتشويه السجلات الحقيقية سيعطي الحصانة لأكبر المجرمين العنيفين في العراق".
وتقول منظمات حقوق الإنسان إن التغييب القسري والتعذيب أمران معروفان في السجون الأمنية العراقية وتعهد الكاظمي وهو في المكتب بالتحقيق فيها عندما ظهرت. إلا أن عائلات الذين اعتقلوا تحدثوا عن عدم قدرتهم على معرفة مكانهم ولعدة أسابيع، حيث حدثت معظم حوادث التعذيب.
اظهار أخبار متعلقة
وقال معتقلون سابقون إنهم عانوا الويل في زنازين صغيرة بمطار بغداد الدولي، حيث كانت تديرها وحدات مدربة أمريكيا وهي خدمة مكافحة الإرهاب، وهي زنازين مخصصة في العادة للتحقيق واعتقال المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب.
وقال مسؤولان في الوحدة إن قادتها لم يرضوا عن استخدام المعتقل لقضايا تتعلق بالفساد، ولم تكن لهم الصلاحية للتدخل نظرا لأنهم تابعون لمكتب رئيس الوزراء.
وقال معتقلون سابقون إن تعذيبا جرى في موقع تحت الأرض بالمنطقة الخضراء وتحدث معتقل: "بدأوا بتعذيبي لمدة 13 يوما وطلبوا مني الكشف عمن أعطيته الرشاوى وكيف وكم من المال أملك"، و"طلبوا 1.5 مليون دولار مني، وقلت لهم لا أستطيع لأن المال مرتبط بمشاريع، ولهذا بدأوا الصعقات الكهربائية على العضو التناسلي وضربوه بأنابيب حديدية وعلقوني من الجدار".
وتعلق الصحيفة أن روايات المعتقلين تم التثبت منها عبر تقارير طبية وصور أخذت أثناء الاعتقال، وراجعتها الصحيفة وتظهر انتهاكات متناسقة حدثت. وتضيف الصحيفة أن الروايات متناسقة وتظهر استخداما للصعق الكهربائي والضرب وتعصيب الوجه والإيهام بالغرق والتجريد من الملابس.
واعتبرت لجنة برلمانية قصص التعذيب موثوقة في المطار بتقرير نشرته عام 2021 ورفض طلبها مقابلة المعتقلين بالمطار وحدهم.
وتظهر الأرقام الرسمية أن لجنة 29 فتحت 156 حالة قبل أن تعتبر غير دستورية وتحلها المحكمة الفدرالية العليا في آذار/ مارس العام الحالي.
وأدين 19 شخصا، سبعة منهم مسؤولون سابقون، لكن لا يعرف إن كانت الأحكام مرتبطة بالفساد، ومن بين 12 حالة تابعتها الصحيفة، تسعة لا يزالون في السجن وأفرج عن 3.
ولم تكشف اللجنة عن حجم الأموال المستعادة، وقال معتقلون سابقون إنه طلب منهم في بداية التحقيق التوقيع على اعترافات والتخلي عن أرصدة وأموال بالملايين للإفراج عنهم.