بينما كان يفك حسرة خلف دوار العمدة متخفيا من أن
تطاله العيون، سمع صوت جرس يهدر قادما من حجرة التليفن. قطع حسرته وركض سريعا
تاركا البول يغطي لباسه الدمور، ويصل إلى بلغته المهترئة فيملأ إحداها ويُغرق
الأخرى.
التقط الغفير حسانين السماعة، بينما شنبه المتدلي يكاد
يطير من شدة زفيره المتقطع، قائلا: أيوة يا فندم، حاضر سعادتك، حاضر سعادتك، باكتب
أهو سعادتك، كدة 7 يا فندم، فاهم سعادتك هبلّغ العمدة.. وأغلق الهاتف سريعا، ثم
عاود التقاط السماعة ليتأكد من أنه لا يوجد أحد على خط الهاتف.
جرى سريعا نحو شيخ الغفر، لكنه تذكر ما أصابه من بلل
وما يحمله من رائحة، ومع ذلك قرر أن ينفذ الأمر الميري بإبلاغ العمدة فورا بأسماء
المطلوبين من مديرية الشرقية لترحيلهم إلى أرض بورسعيد، هناك قرب البحر الأبيض
لحفر
قناة السويس.
جرى مجددا نحو الباب، فانزلقت قدماه من البلغة المبتلة
فانكفأ على وجهه، الذي علاه الطين المخلوط بالتراب والدم المتدفق من أنفه وفمه.
قال لنفسه: ليلتك سودة يا حسانين، اخلص بسرعة وبلغ
الإشارة ياولا، وشوية وتخلص خدمتك وتجري على خمارة سكران، وتقضي ليلة هنية مع رقص
المهلبية، أم سامي.
نهض سريعا، جرى نحو شباك الغرفة البحري حيث يوجد إبريق
وردي اللون يحمل من الماء البارد يروى عطشه، ويغسل وجهه، ثم أراق ما تبقى من الإبريق
فوق ملابسه.
همّ خارجا من حجرة التلفون، فعاودته صورة المهلبية كما
كان يطلق على أم سامي، قائلا لنفسه: آه يا مهلبية يا، مين يديني منها طبق.
هنا واتته فكرة شيطانية ملعونة، وقرر أن يكتب اسم
سكران من بين من شملهم الأمر الميري، ليلحقه بالسخرة في حفر القناة وتبقى أم سامي
وحيدة لعله يظفر بها يوما.
نفذ فكرته قبل أن يعود إليه ما تبقى من ضمير، وجرى
مسرعا نحو شيخ الغفر صبحي، يعطيه الإشارة.
بالطبع نهره صبحي، لرائحته النتنة وملابسه المبللة،
ولكن وماله، قالها حسانين لنفسه، يشتم زي ما هو عاوز المهم أنني حققت غرضي.
أمسك شيخ الغفر بالورقة راح يقرأ منها الأسماء بصعوبة اسما
اسما ويراجعهم بأسماء أمهاتهم.. 8 من شباب المنسية التي توارث والعمدة منصب مشيخة
الغفر والعمودية فيها عن أجدادهما.
خطك مهبب يا زفت يا حسانين، بس مفيش مشكلة.
وضع شيخ الغفر الورقة المبللة من أبريق حسانين وبوله،
في جيب الصديري الأيسر، فأعاق دخولها قلمه الكوبيا، فأخرجه سريعا، فسقط منه أرضا
لكن كرشه المتدلي قرب ركبتيه منعه للوصول إليه، فاضطر للجلوس على الأرض مكان أقدام
حسانين.
أمسك بالقلم، والورقة، حاول وضعهما ثانية في جيب
الصديري الأيمن، لكن يده حملت من الطين ما كفى لاتساخ جلابيته الكشمير المخططة
والصديري المصنوع في البندر عند عكاشة الخياط، بعدما مسح يده فيهما.
جاءه ذات الشيطان الذي واتى حسانين، قبل دقائق، ليجد
نفسه يعيد فتح الورقة ويكتب اسما تاسعا.
إنه ماهر، ذلك الذي يقف له في كل خرابة وكل نهيبة أو
سريقة يشترك فيها شيخ الغفر مع أولاد الليل أو يسهلها لقطاع الطرق، ويقتسم
الغنيمة، ويشتري حشيشا وأفيونا، وخمرا من خمارة سكران.
جرى شيخ الغفر، نحو منزل العمدة، بهيئته وطينه.
دخل على عمدة قريته عامر، ذلك الرجل الذي تعلم من
الدنيا أن يأخذ أجمل فيها ولا يترك حتى التراب تتمرغ فيه الكلاب لو منه فائدة.
- إشارة يا عمدة، عاوزين 9 بهايم من البلد يحفروا
القناة.
- رد عامر، قائلا: وماله يا سيدي، مين همّا البهايم
دول.
أعطاه الورقة، واختفى بحجة تنظيف ملابسه، لكن اختفاءه
كان خوفا من اكتشاف جريمته فخطه يختلف عن خط حسانين.
راح العمدة يقرأ الأسماء اسما اسما، ويصنفهم من كل
عائلة ذاكرا كما فعل شيخ الغفر اسم أم كل واحد منهم، قائلا: أمه حلوة ابن الكلب،
ده وأمه شينة ابن الكلب ده.
وقبل أن يكمل قراءة الأسماء ويكتشف مؤامرة شيخ الغفر،
جمع عامر، الغفراء، وأمرهم بالاستعداد.
نادي زوجته نصرة، كالعادة يستشيرها في كل واردة وراح
يقرأ لها الأسماء كما فعل في المرة الأولى، فبادرته نصرة، دون أن يكمل باقي
الأسماء، قائلة: وانت يا عامر يا منيّل هتاخد حد من عيلتي إزاي؟ نهارك ملوش سمس، أنت
اتهبلت يا راجل؟
أمر العمدة الغفراء بالمكوث خارج المنزل، وأحضر ورقة
وحبرا وريشة، وراح يخط أسماء جديدة بدلا من أقارب زوجته ومن تحب وتعرف.
أكمل العمدة الأسماء التسعة، وبينهم أسماء سكران وماهر،
لينفذ دون أن يدري خطة الغفير حسانين ومؤامرة شيخ الغفر صبحي.
وما زالت الخطة قائمة بحق شعب مسكين وتتطور، وما زالت
المؤامرة سارية لا تنتهي بحق بلد منهوب، ووصلت حتى شط القناة.
#لا_لبيع_قناة_السويس