هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وافق مجلس النواب المصري على التعديلات المقدمة من الحكومة إلى البرلمان، بشأن مشروع قانون هيئة قناة السويس، رغم هجوم عدد من النواب على القانون ومعارضتهم له باعتباره تهديدا للأمن القومي المصري ما أثار جدلا واسعا في الشارع المصري.
وأقر المجلس، الاثنين، مجموع مواد مشروع القانون الذي نص على إنشاء صندوق تابع لهيئة قناة السويس، له شخصية اعتبارية وموازنة مستقلة، يهدف إلى المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرفق قناة السويس وتطويره من خلال الاستغلال الأمثل لأمواله وفقًا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها، ومجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء في الأحوال الاقتصادية.
جاء على رأس المواد المثيرة للجدل، أنه يحق للصندوق المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات، أو في زيادة رؤوس أموالها، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصوله الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.
يكون رأس مال الصندوق المرخص به 100 مليار جنيه مصري، ورأس ماله المصدر والمدفوع 10 مليارات جنيه مصري تسدد من هيئة قناة السويس، ويجوز زيادة رأس مال الصندوق نقدًا أو عينًا بموافقة الجمعية العمومية للصندوق، وفقًا للضوابط والإجراءات الواردة بالنظام الأساسي للصندوق، وتُعد أموال الصندوق من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة.
سجال حاد
خلال الجلسة التي شهدت نقاشا حادا حاول رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، تبرير التعديلات الجديدة بأن إيرادات قناة السويس حققت طفرات خلال السنوات الثلاث السابقة، وبلغت العام الماضي ستة مليارات دولار، وارتفعت إلى 7 مليارات و932 مليون دولار في العام الجاري، متوقعًا تحقيق عائد يفوق الثمانية مليارات دولار العام المقبل.
ورفض عدد من النواب مشروع القانون وحذروا من الاقتراب من قناة السويس، التي اعتبرها أمين سر لجنة الخطة والموازنة، عبد المنعم إمام، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي في مصر، رافضا التعديلات الجديدة في ظل وجود 7 آلاف صندوق (صناديق خاصة خارج موازنة الدولة).
بدوره، رفض رئيس الهيئة البرلمانية للمصري الديمقراطي إيهاب منصور، مشروع القانون الذي سوف يستقطع من موازنة الدولة مع وجود آلاف الصناديق التي لا تدخل الموازنة، متهما الحكومة بالإخلال في ترتيب أولويات الإنفاق وتقترض من أجل سداد الديون لا من أجل إقامة مشروعات إنتاجية.
فيما وصف النائب أحمد فرغلي تعديلات مشروع القانون بأنها "الاختيار الأسوأ"، وتساءل عن جدوى إنشاء صندوق جديد بمليارات الجنيهات رغم السمعة السيئة لتلك الصناديق لدى المواطنين، مؤكدا أن التعديل يتعارض مع قانون الهيئة الاقتصادية لقناة السويس لأنهما يقعان في نفس المنطقة.
وأشار إلى وجود تخوفات كبيرة لدى الناس من بيع أصول الهيئة واستقطاع جزء من إيراداتها في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، ووصف الأمر بأنه "مثير للشبهات"، داعيا الحكومة إلى "ترك قناة السويس وشأنها".
تبرير رئيس البرلمان
في محاولة لتهدئة الرأي العام، أصدر رئيس مجلس النواب المصري بيانا نفى فيه ما ردده من وصفهم بالمحسوبين على النخبة المثقفة ما تضمنه مشروع القانون من أحكام تجيز تأسيس شركات لشراء وبيع وتأجير واستغلال أصول الصندوق والذي يعد تفريطا في قناة السويس.
وأكد في البيان، الذي وصل "عربي21" نسخة منه، أنه إزاء التخوفات المشروعة لبعض المواطنين تجاه هذا الأمر والتي تؤججها ما وصفها بالادعاءات والمغالطات التي صدرت عن أُناسٍ لهم مكانتهم العلميةِ والأدبية والثقافية بل والقانونية في المجتمع، أن مشروع القانون لا يتضمن أية أحكامٍ تَمُس قناةَ السويس؛ لكونها من أموالِ الدولةِ العامة، ولا يجوز التصرفُ فيها أو بيعُها.
وضع القناة على سلم البيع
حذر الكاتب السياسي والبرلماني السابق، الدكتور محمد عماد صابر، من أن "هذا الصندوق سيؤثر سلبًا على قناة السويس، ويمثل خطرًا داهمًا على مصر، إنشاء صندوق بهيئة قناة السويس هو بمثابة تفريغ مصر من أموالها، وتحويل المال العام إلى مال خاص.. والصناديق الخاصة التي توسعت فيها عصابة السيسي أشبه بـ"مغارة علي بابا".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الصناديق لا تخضع للرقابة وخارج ميزانية الدولة بالأساس وتعددها يعطي فرصة للنهب والسرقة بسهولة ويسر.. بالتأكيد الهدف من إنشاء الصندوق هو بداية وضع القناة لسلم البيع.. نعم العد التنازلي بدأ منذ زمن وفق رصد وبرنامج ممنهج للتفريط في كل شيء في مصر، كل ممتلكات مصر في خطر، والأزمة الاقتصادية الطاحنة كشفت ما وراء الحجب".
ورأى صابر أن "الأمر مرتب له منذ فترة، ولكن الأزمة الاقتصادية دفعت النظام إلى الإسراع في تنفيذ الخطط المخبأة في الأدراج، والتي تنفذ عادة في غياب الرقابة الشعبية، وبعيدا عن رقابة الصحف، في ظل الحجب والقمع المتواصل لإعلام يدار بقبضة أمنية غليظة".
وردا على بيان رئيس مجلس النواب المستشار حنفي الجبالي الذي نفى وجود أي مخاوف أكد صابر أن "المستشار الجبالي رئيس المحكمة الدستورية السابق هو الذي أبطل حكم الإدارية العليا بمصرية تيران وصنافير وأصبح لاحقا رئيسًا لمجلس الشعب، هذا البرلمان "برلمان البصمجية" الأداة التشريعية للسيسي، والذي وافق بالأمس الاثنين، في جلسة واحدة على إنشاء "صندوق هيئة قناة السويس"، لينضم لسلسلة الصناديق السيادية التي تدار بعيدا عن أي رقابة وخارج موازنة الدولة".
مخطط وليس خطة
وقال المحلل السياسي والاقتصادي، محمد السيد، "يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد نتيجة سوء إدارة الموارد والنقص الحاد في العملة الصعبة دفعت النظام إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء الكارثية في حق الشعب والأجيال القادمة، فلم يكتف ببيع الشركات المنتجة والمؤثرة في الاقتصاد المصري كما حدث في أبو قير للأسمدة والإسكندرية للحاويات وشركات الأدوية وغيرها، وها هو يسعى وبقوة للتفريط في أهم مورد للعملة الصعبة" قناة السويس "والتي تدر عائدا سنويا لا يقل عن 7 مليارات دولار ".
ووصف في حديثه لـ"عربي21" القانون الذي مرره مجلس النواب "بأنه يمهد لبيع القناة أو جزء منها مقابل بضع مليارات من الدولارات، أما الحديث عن إنشاء صندوق جديد لإدارة أموال القناة فهو لذر الرماد في العيون ومحاولة مكشوفة من النظام الفاشل"، متسائلا: "أين حصيلة أكثر من 7000 صندوق تم إنشاؤها في مصر، ولماذا لم يتم الكشف عن حصيلتها في الموازنة العامة؟".
وأكد السيد أن "الصناديق الخاصة أصبحت بابا خلفيا لنهب المال العام فلا توجد محاسبة أو رقابة تشريعية على مواردها وينفق منها دون أي محاسبة منذ الانقلاب حتى يومنا هذا وبالتالي فما تم بيعه أو ما هو مطروح للبيع لا يعلم عنه شيء.. قناة السويس وإن كانت أحد أهم الممرات الملاحية في العالم إلا أنها تمثل تاريخ مصر وستظل في وجدان الشعب المصري، استشهد عشرات الآلاف من أبناء الشعب المصري من أجل الذود عنها".