NYT: مونديال قطر عزز العلاقة مع السعودية مع بقاء بعض الندوب

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمديرة مكتبها في الخليج، فيفيان نيريم، تحدثت فيه عن تعزيز العلاقات السعودية القطرية، خلال مونديال كأس العالم 2022، والذي حضر ولي العهد محمد بن سلمان افتتاحه.

وقالت الصحيفة في تقريرها متحدثة عن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية التي انعكست إثر المصالحة بين البلدين في العام الماضي، إن البازار في واحة الأحساء في السعودية، كان يعج بالقطريين الذين يبحثون عن صفقات على التوابل والصنادل، حتى أن بعض التجار أطلقوا عليه "السوق القطري". يعبر القطريون الحدود ويقودون مسافة 100 ميل عبر الصحراء للوصول إلى بلدات الأحساء، محملين سيارات الدفع الرباعي بأكياس من الطحين ويتناولون الطعام في المطاعم ويملؤون الفنادق.

ثم جاءت "الأزمة" كما يسميها الناس في السوق. قطعت السعودية، إلى جانب البحرين ومصر والإمارات، العلاقات مع قطر في عام 2017 وعزلت الدولة الصغيرة فعليا، متهمة حكومتها بدعم الإرهاب والتدخل في شؤونها الداخلية. نفى المسؤولون القطريون هذه المزاعم واتهموا السعودية ودولا أخرى بفرض "حصار" على بلادهم. أغلقت السعودية الحدود - الحدود البرية الوحيدة لقطر - وتوقفت الأعمال التجارية القطرية في الأحساء.

قلة من الناس شعروا براحة أكبر من التجار في الأحساء عندما انتهى الانقسام العام الماضي، حيث تحرك المسؤولون السعوديون لحل النزاعات في الخارج التي أصبحت مكلفة ومثيرة للجدل. في الأسبوع الماضي، تعانق أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وولي عهد السعودية محمد بن سلمان وابتسما في حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر، واستعرضا إصلاح الصدع الذي أعاد تشكيل الخليج.

قال علي عبد الله، 59 سنة، الذي عمل في سوق الأحساء منذ عقود، "نحن سعداء للغاية، لأن هناك تجارة". شاهد القطريين يختفون ثم ابتهجوا وهم يعودون تدريجيا. وقال مازحا: "أقرب سوبر ماركت لقطر هو الأحساء".

ظهر تجديد العلاقات السعودية القطرية بشكل كامل في كأس العالم. ارتدى الأمير محمد وشاحا من ألوان العلم القطري، ثم غطى الشيخ تميم كتفيه بالعلم السعودي، مطمئنا مواطنيهم - على الأقل في الوقت الحالي - أن الدفء موجود ليبقى. وأمر الأمير الجهات الحكومية السعودية بتقديم أي دعم لازم لإنجاح البطولة في قطر.

كأس العالم لديه تأثير لإذكاء التضامن الإقليمي، حيث تشجع الدول الخليجية والعربية المنتخبات الأخرى. عبد العزيز البغشي، أحد مشجعي كرة القدم السعودية، قال إنه فخور للغاية بمكانة قطر كأول دولة عربية تستضيف كأس العالم لدرجة أنه شعر و"كأننا نستضيف كأس العالم وليس قطر".

قال البغشي، 40 عاما، في مكان مكشوف في الهواء الطلق في الأحساء حيث شاهد فريقه الوطني يتغلب على الأرجنتين الأسبوع الماضي: "نحن نعتبرها منطقة واحدة. هناك تقارب - الثقافة واللهجة والكثير من الأشياء المشتركة. لا نشعر بوجود فرق".

وتسعى دول الخليج المجاورة أيضا للاستفادة من السياحة غير المباشرة من الحدث، والذي من المتوقع أن يجذب أكثر من مليون معجب إلى قطر، وهي دولة يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة ولديها قدرة فندقية محدودة. في العاصمة السعودية الرياض، خصصت السلطات صالة بمطار لسلسلة من الرحلات شبه المستمرة إلى الدوحة، العاصمة القطرية.

ورد في إعلان على حافلة في لندن الشهر الماضي: "لم تتمكن من الحصول على فندق في قطر لمباراة كرة القدم الخاصة بك؟ ستسجل هدفا من خلال عروض السفر الحصرية التي نقدمها للإقامة في السعودية، والتنقل إلى قطر". وحتى مطعم الدجاج المقلي السعودي المحبوب، البيك، جهز شاحنات طعام في الدوحة.

اظهار أخبار متعلقة

ندوب متبقية

لكن الخلاف الإقليمي ترك ندوبا، وكأس العالم يسلط الضوء على تلك الندوب أيضا. بينما تقع جزيرة البحرين على بعد 20 ميلا فقط من قطر، سيقيم عدد قليل من المشجعين هناك لأن العلاقة بين البلدين لا تزال متوترة لدرجة أنه لا توجد رحلات جوية مباشرة. من ناحية أخرى، تستفيد دولة الإمارات المجاورة بشكل كبير من رحلاتها الجوية إلى قطر. يفضل العديد من مؤيدي الكرة قضاء لياليهم في دبي بسبب سمعة الإمارة كوجهة سياحية مع سهولة الوصول إلى المشروبات الكحولية، وهو الأمر الذي تقيده قطر. لكن العلاقات بين الحكومتين القطرية والإماراتية لا تزال متوترة.

حتى في السعودية، التي لديها علاقات أكثر ودية مع قطر، لا يزال هناك قلق، ففي المساء الذي بدأ فيه مونديال كأس العالم، منعت السلطات السعودية خدمة البث المباشر لـ beIN، وهي شبكة تلفزيونية رياضية قطرية، تاركة العديد من السعوديين بلا وسيلة لمشاهدة المباراة الأولى. ولم يرد مركز الاتصال الدولي التابع للحكومة السعودية على طلب للتعليق.

يشعر بعض السعوديين بالقلق من الإعراب عن الدعم لقطر، خشية أن ينكسر ما تم إصلاحه مرة أخرى. في عام 2017، شجع مستشار رئيسي للأمير محمد السعوديين على تسمية وفضح "مرتزقة" اتخذوا جانب قطر في النزاع. تزامن الانقسام مع قطر مع حملة قمع ضد المعارضة في السعودية، واعتُقل العشرات من رجال الدين ورجال الأعمال وأفراد العائلة المالكة والكتاب والنشطاء من مختلف الأطياف السياسية على مدى السنوات التالية.

وواجه بعضهم اتهامات بالتعاطف مع قطر أو الارتباط بها، ولا يزال العديد منهم في السجن. اتُهم رجل الدين علي بادحداح بالخيانة، لأسباب منها مزاعم دعمه لمواقف قطرية ضد المملكة.

بعد أن حضر الأمير محمد حفل الافتتاح في الدوحة، قال ناصر القرني، نجل رجل الدين السعودي المسجون الآخر، عوض القرني، على تويتر، "إحدى التهم الموجهة إلى والدي من قبل المدعي العام كانت التعاطف مع دولة قطر المعادية."

في مقابلة مع بلومبرج في عام 2017، قال عادل الجبير، وزير خارجية السعودية آنذاك، إن موجة الاعتقالات التي شملت القرني وبادحداح استهدفت أشخاصا "يدفعون بأجندة متطرفة" واتخذوا "التمويل من الدول الأجنبية من أجل زعزعة استقرار السعودية".

وبقدر ما تكون دول الخليج قريبة، فإن علاقاتها معقدة. لا تشترك السعودية وقطر في الحدود فحسب، بل تشترك أيضا في القبائل التي تتجاوزها، والجمال التي ترعى عبرها، والأسر التي بها أقارب على كلا الجانبين. العائلة المالكة في قطر مرتبطة بنجد، المنطقة الوسطى من السعودية الحالية.

وقال عبد المجيد الحارثي، وهو مشجع سعودي يبلغ من العمر 28 عاما سافر إلى قطر بالحافلة لحضور كأس العالم، "السعوديون قطريون والقطريون سعوديون، حتى مع الأزمة".

وتجسد الأحساء تلك الروابط - وانهيارها المؤلم - ربما أكثر من أي مكان آخر في السعودية. على بعد ساعتين بالسيارة من الحدود القطرية، تظهر المنطقة على خرائط جوجل كبقعة خضراء داكنة في بحر من اللون البني الفاتح، مع ملايين من أشجار النخيل. تشير آثارها إلى أنها كانت مأهولة بالسكان منذ العصر الحجري الحديث، وتتمتع مدنها بمشاعر الراحة حيث تستريح القوافل. يعيش أفراد الطوائف الدينية الشيعية والسنية معا، في الغالب في وئام. يتحدث السكان بلهجة فريدة يقارنونها بأمريكا الجنوبية، وتحتفظ العديد من العائلات بمزارع خارج المدينة.

استعدادا لكأس العالم، سجل محمد عبد الله، 26 عاما، غرفة في مزرعة عائلته على Airbnb، على أمل جذب السياح الذين يمرون في طريقهم إلى قطر.

وحذر الزائرين الأسبوع الماضي من أن المسكن "ليس فاخرا"، قبل أن يقودهم في طريق ترابي إلى المزرعة، حيث كانت أشعة الشمس تتخلل الأشجار، وتثور صغار الماعز وتتمايل الديوك الرومية في الظل. يأمل أن يأتي المشجعون "الذين يريدون اكتشاف السعودية". حتى الآن، حصل على حجوزات من سعوديين آخرين ومن ألماني، يخطط للسفر إلى البحرين، وعبور الحدود لزيارة الأحساء ثم ركوب حافلة إلى قطر.

كان أصحاب المتاجر وأصحاب الفنادق في الأحساء يأملون في أن تجلب لهم كأس العالم جحافل من سياح كرة القدم. لم يحدث ذلك بعد، ويرجع ذلك أساسا إلى أن قطر فرضت قيودا باهظة الثمن على القيادة عبر الحدود، مما دفع المشجعين إلى ركوب الحافلات أو الطيران بدلا من ذلك. فنادق الأحساء التي رفعت أسعارها إلى أكثر من 1000 دولار في الليلة قبل كأس العالم سرعان ما خفضتها عندما لم تصل الجماهير.

في السوق، سوق القيصرية، حيث يبيع التجار الزعفران والعطور والليمون المجفف وأردية الشتاء الدافئة، ورائحة البخور الجميلة تعبق الأجواء، حافلة مكشوفة مطبوع عليها عبارة "مرحبا بكم في السعودية" توقفت فارغة. قال الباعة إنهم رأوا عددا قليلا جدا من السياح.

يعود القطريون، وتناثرت الطرق حول السوق بسيارات الدفع الرباعي البيضاء المألوفة. قال زكريا العباس، تاجر يبلغ من العمر 40 عاما، إن الأمر يختلف عما كان عليه من قبل، متذكرا حقبة ما قبل قطع العلاقات، عندما كان يخزن مئات أكياس الطحين وكان القطريون يشترونها جميعا في غضون ساعات. وقال إنه خلال فترة عزلهم عن المملكة التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة، حقق القطريون الاكتفاء الذاتي، وبينما اعتادوا البحث عن سلع أرخص في الأحساء، أصبحوا الآن يقومون بالمزيد من التسوق في الوطن.

وأضاف أنه لا يزال مثابرا بقدر ما سيفعل إذا فشل المنتخب السعودي في التقدم في المونديال. مباراة ضد المكسيك يوم الأربعاء ستحدد ما إذا كانت ستستمر في البطولة.

قال العباس: "إذا خرج فريقنا، فإنك تدعم الفرق العربية الأخرى. إذا لم تكن التجارة ناجحة في العام المقبل، فلا تذهب وتقول إنني سأترك التجارة، فهي ربح وخسارة".