رغم كل دعاوى
الغرب عن التسامح والتصالح ونسيان الماضي، إلا أن ما جرى مع انطلاق
مباريات
كأس العالم التي تجري لأول مرة في التاريخ على أرض عربية مسلمة يؤكد ما
قاله الأولون؛ بأن الغرب لن يتسامح أبدا مع العرب والمسلمين ولا مع غيرهم من الأمم
والشعوب التي تختلف مع ثقافته وأفكاره ونظرته للحياة عموما.
الغرب يرى الحياة بلا ضوابط ولا قواعد ولا نظم تحكمها سوى رغبات الناس، ومن
يريد فعل شيء فيمكنه فعله من دون تدخل من المجتمع أو القانون وإلا فهذا يعني الحد
من حرية الناس وهذا بالطبع مرفوض كما يزعمون، ولكن الحقيقة أن الغرب اختط لنفسه
خطوطا حمرا لا يعلن عنها وهي خطوط ضد حرية الناس التي يتشدق بها، فعلى سبيل
المثال فإن الغرب الحر كما يزعم يجبر الفتيات على خلع الحجاب في المدارس باعتبار
ذلك رمزا دينيا، ولا أدري ما العيب أن يدين الإنسان بالدين الذي يراه، أوَ ليس
الغرب يسمح بالإلحاد مثلا؟ وهل يعاقب الملحدون والمشركون والكفار أو المسيحيون في
الغرب؟
الغرب يرى الحياة بلا ضوابط ولا قواعد ولا نظم تحكمها سوى رغبات الناس، ومن يريد فعل شيء فيمكنه فعله من دون تدخل من المجتمع أو القانون وإلا فهذا يعني الحد من حرية الناس وهذا بالطبع مرفوض كما يزعمون، ولكن الحقيقة أن الغرب اختط لنفسه خطوطا حمراء
والغرب الفخور بحريته يمنع الأئمة المسلمين في فرنسا من تلاوة آيات الجهاد،
فهل هذه هي
الحرية والمساواة؟
هل يستطيع أي عربي أو مسلم أن يمنع فترينات الدعارة المنتشرة في بعض شوارع
أوروبا؛ بحجة أن ذلك يهين المرأة ويحط من قدرها ويحولها إلى سلعة تعرض في
الفاترينات والشوارع؟
لقد أذل نادي بايرن ميونيخ الألماني لاعبا ألمانيا مسلما من أصول تركية هو
مسعود أوزيل لأنه تجرأ والتقط صورة مع الرئيس التركي وردا على الانتقادات التي
وجهت للاعب أعلن اعتزاله اللعب دوليا مع المنتخب الألماني، وهي صفعة لم يتحملها
رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم فصرح بتصريحات تعبر عن ألم الموجوع من ردة فعل
اللاعب على الهجوم العنصري غير المسبوق عليه.
ثم تعالوا إلى ملاعب الكرة في أوروبا وتابعوا حفلات -ولا أقول حملات-
العنصرية التي تقام ضد اللاعبين الأفارقة والملونين كما يصفونهم هناك، وارصدوا "الموز"
الذي يلقى على اللاعبين وصيحات الإهانة التي تدمي القلب، ثم اسألوا أنفسكم: هل أوروبا
مؤهلة لكي تعطي دروسا في الأخوّة والمحبة والتسامح والحرية؟
هل أوروبا (فرنسا) التي احتفظت بجماجم المجاهدين الجزائريين في متاحفها ولا
تزال رغم تصريحاتها بأنها قامت بإعادتها إلى الجزائر؛ مؤهلة للحديث عن حقوق
الإنسان؟
هل بريطانيا التي استعمرت نصف الكرة الأرضية وبلجيكا التي قتلت قادة
التحرير في أفريقيا وعلى رأسهم باتريس لومومبا والتي لا تزال تستنزف الثروات
والمعادن والخيرات من الكونغو وغيرها؛ مؤهلتان للحديث عن الحرية؟
ما قامت به وزيرة الداخلية الألمانية في ملاعب الدوحة هو وقاحة وقلة أدب وعدم احترام للبروتوكولات والاتفاقيات الموقعة بين الدول بعضها البعض وبين الفيفا والدولة المضيفة، ولكنه تصرف يشي بما هو أخطر وهو الشعور بالاستعلاء على العرب والمسلمين وكل من يختلف مع ثقافة الغرب
لست من المؤمنين بمقولة "كل ما يأتي من الغرب كرب"، ولكنني من
المؤيدين لفكرة أن "الشرق شرق والغرب غرب"، وهما كالماء العذب والملح
الأجاج قد يختلطان ولكن يجب أن يكون بينهما برزخ فلا يبغيان أبدا، لكل ثقافته ولكل
معتقداته ولكل وجهته التي يوليها، وليس لأحد فضل على أحد إلا بالتقوى.
تجرأ الإنسان على حق الإله سبحانه وتعالى
وابتدع فكرة الثالوث وصدقها ولا يزال يمارسها، ثم ابتدع فكرة الإلحاد وصدقها ولا
يزال يمارسها ويدعو إليها بحجة (إنما هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا
الدهر)، وبدأنا نسمع عن هذه الممارسات التي عادت تحت مسميات لطيفة وناعمة، تحولت
إلى نوع من الخيارات البشرية وقد تتحول إلى أمور جبرية أو قهرية كما نرى أو قد نرى
ونسمع قريبا في بلادنا وملاعبنا.
ما قامت به وزيرة الداخلية الألمانية في ملاعب الدوحة هو وقاحة وقلة أدب
وعدم احترام للبروتوكولات والاتفاقيات الموقعة بين الدول بعضها البعض وبين الفيفا
والدولة المضيفة، ولكنه تصرف يشي بما هو أخطر وهو الشعور بالاستعلاء على العرب
والمسلمين وكل من يختلف مع ثقافة الغرب، وخصوصا ألمانيا التي لا تزال تدفع
المليارات كتعويضات لما فعلته مع اليهود زمن هتلر ولم تتعلم الدرس للأسف.
إن تنظيم
قطر لهذه البطولة العالمية هو إنجاز كبير يحسب لها حكومة وأميرا
وشعبا، وإن أراد البعض تشويهه بهذه الحركات الخبيثة فالحقيقة أن البطولة منذ
بدايتها وحتى اليوم تشهد نجاحات مبهرة، وكشفت عن إرادة صلبة لدولة صغيرة في المنطقة
والعالم نجحت في إيصال رسالتنا لهذا العالم المتوحش والمفترس..