هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نقلت شبكة "بي بي سي" شهادة طفل عراقي من ضحايا انتشار سرطان الدم بين العائلات التي تعيش بالقرب من حقول النفط بالعراق.
والشهر الماضي كشف تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، عن تعرض المجتمعات التي تعيش قرب حقول النفط في العراق، حيث يحرق الغاز في الهواء الطلق، لخطر الإصابة بسرطان الدم.
وتعتبر مثل هذه الأماكن في العراق "مناطق لتقديم القرابين (البشرية) في العصر الحديث" حيث تعطى الأولوية فيها للربح بدلاً من احترام حقوق الإنسان، وفق الأمم المتحدة.
وينتج الحرق "العبثي" للغاز المنبعث عند التنقيب عن النفط، ملوثات مرتبطة بالسرطان.
وتعمل شركتا بريتيش بتروليوم (BP) وإيني الإيطاليّة (Eni) النفطيتان الكبيرتان في أكبر مناطق التنقيب عن النفط بالعراق، وتعتبر الغازات المشتعلة من هذه المواقع خطيرة لأنه ينبعث منها مزيج قوي من ثاني أكسيد الكربون والميثان والسخام الأسود الملوّث للغاية.
أحد هؤلاء هو علي حسين جلود الذي كان يبلغ ثمانية عشر عاماً حينها وباع والده كل شيء في منزله لجمع ما يكفي من مال للإنفاق على علاج ابنه في تركيا. وكشف علي أن مستشفى السرطان في البصرة مليء بأشخاص مثله ممن يعيشون بالقرب من حقول النفط.
ونقلت الـ"بي بي سي" عن علي قوله: "خلال مرحلة الطفولة عندما كنا نلعب كرة القدم كنا نهرول مسرعين إلى الداخل بسبب سحب الدخان التي كانت تخنقنا والنفط الذي كانت السماء تمطره علينا". "عندما أخبرت الطبيب في مستشفى البصرة لسرطان الأطفال بأنني أعيش في هذه المنطقة قال لي إن هذا هو السبب الرئيسي لمرضك".
واتصل علي حسين بشركة بريتيش بتروليوم BP، التي اتهمها تقرير "بي بي سي" بالتسبب في انتشار مرض السرطان في المنطقة، في أربع مناسبات مختلفة للحصول على تعويض عن التلوث دون نتيجة.
تحدث علي مراراً لبي بي بغية الحصول على تعويضات عن حرمانه من التعليم الذي لم يكمله وقال إن موظفاً من هيئة تشغيل الرميلة زاره ذات يوم بعد إذاعة تحقيق البي بي سي وطلب منه مرة أخرى دفع تعويضات.
وقال: "ذكرت له المرض الذي أعاني منه جراء التلوث وسألته إن كانت بي بي ستعوضني عن الضرر الذي لحق بصحتي. لكنني لم أسمع منهم مذاك الحين".
أما بالنسبة لعلي فهو في طريق التعافي من سرطان الدم، لكن جهازه المناعي ما زال ضعيفاً، وقد توقف عن التعليم ولم يعد يمارس الرياضة بعد أن كان يمثل البصرة في المسابقات الإقليمية لكرة القدم.
لكن، توفي الكثير من الأطفال الآخرين الذين كانوا يعانون من السرطان والذين أجرت معهم "بي بي سي" مقابلات سابقة، بمن فيهم فاطمة ومصطفى اللذان كانا يبلغان 13 عاماً وكانا يعيشان بالقرب من حقول نفط أخرى في المنطقة وكذلك الطفلة بنين البالغة من العمر خمسة أعوام والتي فقدت أخاها الأكبر متأثرا بهذا المرض أيضاً.
لا توجد دراسات منشورة عن معدلات السرطان في أوساط هذه المجتمعات واكتشفنا فيما بعد أن البيانات الخاصة بهذا الموضوع تتحفظ عليها باستمرار الحكومة العراقية. وقد كشفت وثيقة صادرة عن وزارة الصحة العراقية سربت إلينا أن معدل الإصابة بالسرطان أعلى بثلاث مرات في البصرة مما هو وارد في السجلات الرسمية.
وتحصلت "بي بي سي" على مقاطع فيديو لبعض الذين يعيشون ويعملون على مشارف حقل الرميلة، تكشف لمحة عن شكل الحياة هناك، فيما رُفضت طلبات رسمية للـ"بي بي سي" بالدخول إلى المنطقة خمس مرات على الأقل.
وحقل الرميلة الذي يمتد على مساحة 1800 كيلو متر مربع أكبر من بعض الدول الصغيرة ومحاط بعدة نقاط تفتيش ووراء هذه النقاط، ثمة دوريات من شرطة حقول النفط وشركات أمن خاصة تعمل لصالح شركات النفط تجوب المنطقة.
ووراء كل هذا مجموعات ميليشيا مسلحة تهيمن على الحياة السياسية في الجنوب وتتربح من إنتاج النفط في هذه المنطقة.
إذاً، الخيار الوحيد أمامنا هو الذهاب إلى الرميلة سراً.
واستنجدت "بي بي" بعالم بيئة في المنطقة يدعى البروفيسور شكري الحسن، وهو الوحيد الذي يعمل في هذا المجال، لإجراء اختبارات على مدار أسبوعين بين أبناء التجمعات السكانية المجاورة لأربعة حقول نفط مختلفة في نطاق 10 كيلومترات من أبراج غاز الشعلة، بما فيها حقل الرميلة.
وأشارت نتائج الاختبار على عينات من بول الأطفال إلى أن 52 طفلاً ممن أجري لهم الاختبار، لديهم مستويات مرتفعة من النفثالين الأيضي في العينات وهي مادة يعتقد أنها مسرطنة.
وأظهرت اختبارات الهواء وجود مستويات من البنزين أعلى بثلاث مرات من الحد المسموح به في أنحاء البلاد وكان أعلى بكثير في جميع الأماكن من الحد الآمن الذي تقول منظمة الصحة العالمية إنه يجب أن يكون صفراً.
بعد بث فيلمنا الوثائقي، تعهد وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار إسماعيل، بأن كل انبعاثات الغاز من حقل نفط الرميلة سيتم التخلص منها بحلول 2026 لكنه قدم هذا التعهد في آخر يوم له في منصبه كما أن جميع التعهدات السابقة التي التزمت بها الحكومة حول حرق غاز الشعلة لم يتم الوفاء بها.
ومع ذلك ليس من الواضح على عاتق من تقع مسؤولية القضاء على حرق الغاز، فالحكومة العراقية تمتلك حقل النفط لكن شركة بريتش بتروليوم هي التي تديره إلى جانب شركاء لها، بحسب "بي بي سي".
اقرأ أيضا: تقرير يكشف انتشار السرطان بمناطق حقول النفط بالعراق
ونقلت "بي بي سي" عن أحد الموظفين السابقين في الرميلة ويدعى روبرت (وهذا ليس اسمه الحقيقي) قوله إنه "من منطلق أن بي بي هي المتعهد الرئيسي فعليها التزام أمام الحكومة العراقية بالتقيد بأفضل الممارسات الدولية عند التشغيل والصيانة لحقل الرميلة". وأردف قائلاً: "إن حرق الغاز ليس سوى واحدة مما يصفها بالممارسات البغيضة في الرميلة والتي لا يمكن أن تكون مقبولة بأي حال في عمليات بريتش بتروليوم كما أنها لا تتوافق مع المعايير الدولية التي التزمت بي بي بتنفيذها عند التعاقد معها".
وقال إن الإخفاق في صيانة وتحديث النظم والبنية التحتية في الحقل تسبب في مشكلات مستعصية وأدت إلى "تسربات نفطية بصورة متكررة وحرق غاز وتسربات غازية لم يتم التخطيط لها".