قضايا وآراء

نظام المخدرات من طرق التهريب إلى طرق التعويم

عبد المجيد بركات
1300x600
1300x600

مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سوريا نتيجة سياسات نظام الأسد الاقتصادية العقيمة وسيطرة عدة عوائل مقربة من النظام على مقدرات الدولة ومفاصلها إضافة لعزلته الدولية، تراجعت الأنشطة الاقتصادية التقليدية لصالح تنامي أنشطة تصنيع المخدرات الذي أصبح قطاعاً مربحاً، تعود عائداته إلى جيوب المرتبطين بالنظام وحلفائه الأجانب وأمراء حربه.

وقد سعى النظام من خلال دعمه لصناعة وتهريب المخدرات إلى عدة أهداف:

ـ اقتصادية: لتمويل ميليشياته وقادتها وآلته العسكرية بالدرجة الأولى، وثانياً خلق اقتصاد موازٍ لاقتصاد الدولة ويجيد نظام الأسد وحلفاؤه بناء مثل هكذا اقتصادات للتهرب من العقوبات الأمريكية والأوروبية، مثل إيران وفنزويلا وكوبا وغيرها من الدول التي تعتبر نفسها أهدافاً أساسية للعقوبات الأمريكية والأوروبية.

فقد أنشأ النظام وميليشيات إيران مئات المعامل لتصنيع الحبوب المخدرة في أرياف حمص ودمشق والسويداء ودرعا واللاذقية، وباتت لهذه المعامل أهمية كبيرة لدى النظام وميليشيات إيران مثلها مثل أي مؤسسة حكومية تتبع للنظام.

ـ إستراتيجية وسياسية: وهي السعي لتغيير الأولويات لدى المجتمع الدولي بشكل عام ودول الجوار بشكل خاص فيما يخص الشأن السوري:

فقد سعى نظام الأسد لصرف نظر دول الجوار عما يقوم به من مجازر بحق المدنيين والتدهور الاقتصادي والأمني والاجتماعي الداخلي، وذلك بخلق أزمة مفتعلة معهم عبر تهريب المخدرات إليهم وإثارة مشاكل حدودية وذلك لحث هذه الدول واجبارها على الجلوس معه بحجة التنسيق الأمني لمحاربة تجارة وتهريب المخدرات إذ يسعى النظام لتعويم نفسه أمنياً كخطوة نحو التعويم السياسي مع الدول الإقليمية.

وأعتقد أن نظام الأسد قد بدأ يجني بعض ثمار هذه الأهداف الإستراتيجية كخطوة أولى لفك عزلته الدولية، فقد اجتمع قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للنظام عدة مرات مع قادة أجهزة أمن واستخبارات عدة دول مثل الأردن والسعودية والامارات، وتركيا، ولبنان، واليونان بهدف التنسيق حول عدة ملفات استخباراتية أهمها مكافحة تهريب المخدرات.

كما وبدأنا نرى أن معظم الأبحاث والتقارير الأمنية والاستقصائية الأمريكية والأوروبية وغيرها بدأت تركز وتكثف أهدافها على ملف طرق تهريب وصناعة المخدرات في سوريا على حساب باقي ملفات الشأن السوري مثل القصف الممنهج على المناطق المحررة وتعطيل العملية السياسية وملف المعتقلين وغيرها من الملفات الهامة، حيث نجح النظام بعض الشيء في تحوير نظرة المجتمع الدولي له من نظام إبادة يقوده مجرم حرب إلى عصابة ترتكب مخالفات جنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية مكافحة المخدرات وزراعتها وترويجها وتهريبها، لكن يجب أن تكون هناك آليات تنفيذية واضحة في هذا الأمر، وعدم تجاهل باقي الملفات السياسية والعسكرية والأمنية، حيث إنها ملفات مرتبطة ببعضها البعض لا يمكن الفصل بينها أو الاهتمام بملف دون الآخر.

 

أعتقد أن نظام الأسد قد بدأ يجني بعض ثمار هذه الأهداف الإستراتيجية كخطوة أولى لفك عزلته الدولية، فقد اجتمع قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للنظام عدة مرات مع قادة أجهزة أمن واستخبارات عدة دول مثل الأردن والسعودية والامارات، وتركيا، ولبنان، واليونان بهدف التنسيق حول عدة ملفات استخباراتية أهمها مكافحة تهريب المخدرات.

 



إن نظام الأسد لا يسعى فقط لتمويل نفسه من امتهان صناعة المخدرات وإنما يسعى أيضاً إلى تقليد ما يسمى حروب الأفيون 1840 ـ 1842: التي كان سببها محاولة الصين الحد من زراعة الأفيون واستيراده، مما حدا ببريطانيا أن تقف في وجهها بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها بريطانيا.. ومن نتائج تلك الحروب أن بريطانيا أجبرت الصين على فتح أسواقها للتجارة الخارجية وحصلوا منها أيضاً على تنازلات فيما يخص النشاطات التبشيرية المسيحية البريطانية والتنازل عن هونغ كونغ.

لذا يسعى النظام إلى إغراق بعض الدول الإقليمية بالمخدرات ومن ثم إجبارها على الجلوس معه وإعادة تعويمه سياسياً بشكل تدريجي بعد التعويم الأمني من خلال فرض نفسه كعصابة مخدرات عابرة للقارات قادرة على إغراق عدة دول بالمخدرات وليس كنظام ودولة.

إن مكافحة نظام المخدرات تكون عبر قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية وتطبيق القرارات الدولية والتضييق عليه اقتصادياً عبر تشديد العقوبات والحزم في تطبيقها، وإعادته للعزلة الدولية لا أن يعاد ويعوّم في منظمات الأمم المتحدة ويعين ممثل له في مكتب مكافحة المخدرات.

* أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري


التعليقات (0)