يحدث في ألمانيا
الديمقراطية؛ محطّمة جدار برلين العنصري، أن يتعرّض نشطاء حقوق الإنسان ممن عُرفوا
بالدفاع عن الضحايا في
فلسطين
للتمييز والاضطهاد
بدعوى معاداة السامية، وذلك على نحو أسوأ مما يحدث داخل دولة
الاحتلال ذاتها.
وإلّا
كيف نفسّر ملاحقة فلسطينيي ألمانيا ومن في حكمهم بسبب المشاركة في أنشطة سلمية
تضامنية مع فلسطين كفلها الدستور وحمتها مواثيق حقوق الإنسان؛ وصولا إلى محاسبتهم على وضع إشارات الإعجاب
على منشور ينتصر لقضيتهم على "فيسبوك"؟!
أحد الأشخاص تعرّض قبل
فترة لقرار يقضي بإبعاده عن البلاد خلال شهر، وذلك بعد أن تقدّم بطلب الحصول على
الإقامة الدائمة حين استوفى
شروطها، وجريمته هي النشاط السلمي لأجل فلسطين!
في
عام 2019 رفضت السلطات الألمانية تجديد إقامة الكاتب الفلسطيني خالد بركات،
وأمهلته شهرا لمغادرة البلاد، وذلك بعد إيقافه ومنعه من الحديث في ندوة كان مقرّرا أن يشارك بها في برلين، باعتبار أن
بركات يقوم بأنشطة معادية لإسرائيل ويجب حماية الشعب الألماني منه! القرار شمل منع
الكاتب من حضور أي لقاء عائلي في ألمانيا إذا كان عدد الحضور فيه يزيد على عشرة
أشخاص!
كيف نفسّر ملاحقة فلسطينيي ألمانيا ومن في حكمهم بسبب المشاركة في أنشطة سلمية تضامنية مع فلسطين كفلها الدستور وحمتها مواثيق حقوق الإنسان؛ وصولا إلى محاسبتهم على وضع إشارات الإعجاب على منشور ينتصر لقضيتهم على "فيسبوك"؟!
الصحفية الفلسطينية
مرام سالم طردت من عملها، وبرّرت صحيفة "زود ويتشه تسايتونغ" (Süddeutsche
Zeitung) ذلك بأن
"مرام" كتبت على صفحتها في فيسبوك أنها قامت بتشفير أو حذف بعض
منشوراتها خوفا من الرقابة، وعليه رأت الصحيفة أن مرام معادية للسامية بحكم كتابتها لشيء ثم
حذفها له!
أما
الطبيبة نعمة الحسن؛ المولودة في ألمانيا لأبوين من فلسطين ولبنان والفائزة بجوائز
مرموقة، فقد تعرّضت هي الأخرى لاستهداف شخصي
بتقرير مصور عام 2014؛ يظهرها وهي ترتدي الحجاب والكوفية الفلسطينية في مسيرة
تضامنية مع القدس في برلين! ثمّ أعيد نشر
الصورة في صحيفة محلية بعد سبع سنوات!! وشُنَّت حملة شعواء على "نعمة"
بتهمة
معاداة السامية، ولم ينجح اعتذارها عن المشاركة في المظاهرة بوقف حملة التشهير ضدها.
هذه
الملاحقة الهستيرية لكل من يرفض جرائم الاحتلال في فلسطين بوصفه معاديا للسامية،
شملت حتى اليهود أنفسهم، فاليهودي الرافض للصهيونية أصبح معاديا للسامية من وجهة نظر الأجهزة الأمنية في
ألمانيا، ومن خلفها "لوبي" ضغط كبير عبر
وسائل الإعلام ودوائر صنع القرار المختلفة في
البلاد.
هذه الملاحقة الهستيرية لكل من يرفض جرائم الاحتلال في فلسطين بوصفه معاديا للسامية، شملت حتى اليهود أنفسهم، فاليهودي الرافض للصهيونية أصبح معاديا للسامية من وجهة نظر الأجهزة الأمنية في ألمانيا، ومن خلفها "لوبي" ضغط كبير
البرلمان الألماني (البوندستاغ)
بدوره أصدر قرارا بتجريم حركة مقاطعة الاحتلال (BDS)، وتم منع إحياء ذكرى
النكبة
وحظرت الوقفات الاحتجاجية أو المظاهرات التضامنية مع فلسطين، مع رفض رفع
العلم الفلسطيني كذلك.
ألمانيا
الديمقراطية؛ أكبر مانحي السلطة الفلسطينية، تحصر النظر للشأن الفلسطيني في
تقديم مساعدات مالية تسهم باستمرار أداء السلطة الفلسطينية لدورها في خدمة الاحتلال؛ كما تمّ تصميمه في
"اتفاق أوسلو". والقارئ لآلية صنع القرار في برلين يدرك تماما أن هذا الأمر لا يمكن أن يتمّ
من دون ضوء أخضر
إسرائيلي.
العجيب
بعد هذا كله أن تعتبر ألمانيا نفسها سفيرة لحقوق الإنسان في العالم، وتأخذ قرارات
عقابية في هذا الصدد بحق الدول الأخرى، وهي
التي لا يستطيع فيها شخص التعبير عن رأيه سلميا تجاه قضية بوزن وأهمية قضية فلسطين.
العجيب بعد هذا كله أن تعتبر ألمانيا نفسها سفيرة لحقوق الإنسان في العالم، وتأخذ قرارات عقابية في هذا الصدد بحق الدول الأخرى، وهي التي لا يستطيع فيها شخص التعبير عن رأيه سلميا
إن
المنظمات الحقوقية الدولية الصامتة عن انتهاكات ألمانيا لحقوق المتضامنين السلميين
مع فلسطين تُعدّ شريكة لها في الجريمة، وهي متورّطة على نحو سافر في ازدواجية المعايير وانتهاج سياسة الكيل
بمكيالين في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان.
يبقى
القول إن ثمّة جانب إيجابي فيما يحدث في الآونة الأخيرة، ويتمثّل في أن كأس العالم
في قطر والحرب على أوكرانيا ومن قبلهما السكوت
المستمر عن الانقلابات في العالم الثالث؛ قد فضحوا الكثير من النفاق الغربي
المتستّر برداء حقوق الإنسان.
وفي
النهاية كل هذا الذي يجري لا ينبغي أن يثني النشطاء الفلسطينيين ولا الأحرار في
ألمانيا عن استمرار التضامن مع فلسطين في المناسبات المهمّة، ولا عن الكتابة في هذا الشأن، مع الحذر من
استخدام التعبيرات التي يمكن أن تُستخدم كسبب للملاحقة، والنضال حالة تراكمية في نهاية
المطاف.
twitter.com/AdnanHmidan