نشرت
مجلة "
فورين بوليسي" مقالا مشتركا لمستشار الأمن القومي السابق أتش أر ماكمستر ويعمل حاليا زميلا بارزا في معهد
هوفر بجامعة ستانفورد، وبرادلي باومان المدير البارز لمؤسسة القوة العسكرية والسياسية
في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، قالا فيه إن على الولايات المتحدة في الذكرى الحادية
والعشرين لهجمات 9/11 إنهاء الوهم الذاتي بشأن
أعدائها.
وأشارا
إلى أن حلول الذكرى الحادية والعشرين للهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة والتي
نظمتها
القاعدة من أفغانستان وقتلت 2.977 شخصا،
يشير إلى تغير الكثير منذ ذلك الوقت، وأصبحت أفغانستان منذ الانسحاب الكارثي من هناك
وعودة طالبان للحكم في كابول، مرة ثانية ملجأ آمنا لها، تماما مثلما كانت في 11 أيلول/سبتمبر
2011.
وربما
اعتبر البعض أن نتيجة الحرب في أفغانستان مجرد فصل حزين يمكن حفظه في كتب التاريخ،
ويمنح واشنطن فرصة للتركيز على التحديات الأهم
في مكان آخر.
لكن لا شيء يبتعد عن الحقيقة، فالتهديد من أفغانستان
لا يزال حقيقيا، والفشل في مواجهة الوهم الذاتي في واشنطن والذي قاد إلى الانسحاب في المقام الأول سيفتح المجال لكوارث أخرى في السياسة الخارجية الأمريكية ضد
أعداء آخرين.
ومن
أجل فهم الداء المستمر لخداع النفس، عليك النظر لما قاله الرئيس جو بايدن في آب/ أغسطس
2021: "أي مصلحة لنا في أفغانستان بعد رحيل القاعدة؟"، في محاولة لتبرير
قراره الخروج من أفغانستان. وأضاف: "ذهبنا إلى أفغانستان لهدف واضح وهو التخلص
من القاعدة في أفغانستان، وقد فعلنا".
والمشكلة
هي أن هذا التأكيد غير صحيح. فقد منحت طالبان القاعدة الملجأ قبل 9/11 وارتبطت الحركتان معا منذ ذلك الوقت. وبالتأكيد فقد
أكد تقييم للأمم المتحدة في نيسان/إبريل 2021 أنه "لا تزال طالبان والقاعدة متحالفتان،
ولا إشارة على انهيار العلاقة".
ونرى
أن هناك مشكلة عندما تعبر الأمم المتحدة بوضوح عن الوضع أكثر من الولايات المتحدة.
وكإثبات حول نتائج السياسة الخارجية الأمريكية، أشارت إدارة بايدن إلى عملية القتل
الناجحة لزعيم القاعدة أيمن الظواهري بطائرة مسيرة في كابول، بشهر تموز/يوليو. وكان
على الأمريكيين أن يطرحوا عددا من الأسئلة: لماذا انتقل الظواهري إلى العاصمة الأفغانية
بعد انسحاب الولايات المتحدة، مع أنه كان يستطيع البقاء في المكان الذي يعيش فيه؟ وماذا
يقول اهتمامه بجعل قادة طالبان أصحاب البيت الذي أقام به وجيرانه والتواصل في العلاقة
بين الجماعتين؟ ومن انتقل من قادة القاعدة إلى أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة؟
وماذا كانوا يفعلون؟
ولو
فشلت الولايات المتحدة في مواصلة الضغط على الجماعات الإرهابية، فيجب عليها توقع المزيد
من الهجمات على التراب الأمريكي. وربما كانت الولايات المتحدة غبية لو اعتقدت أن غارة
جوية هي كافية لحرمان القاعدة من الملجأ الآمن للتخطيط والقيام بهجمات.
ويرى
الكاتبان أن تبرير بايدن هو الأخير في محاولات الحزبين. فقد قامت السياسة الخارجية
من أفغانستان على مدى العقدين الماضيين على خيال آمن به القادة الأمريكيون وأخبروا
شعبهم به وليس تقييما موضوعيا لأعدائهم وخصومهم، أي الوضع على الأرض والتحركات الضرورية
المصالح القومية الأمريكية.
وقاد
الوهم الذاتي لهزيمة ذاتية. وشاهد الأمريكيون الوهم الذاتي من خلال خطاب باراك أوباما
عام 2009 عندما أعلن أمام الأكاديمية العسكرية عن إرسال مزيد من القوات الأمريكية،
30.000 جندي إلى أفغانستان. ووعد أوباما قائلا: "بعد 18 شهرا ستعود قواتنا إلى
الوطن"، وأن القوات الأمريكية لن تظل في وضع مضر ولو يوما واضحا، لكن إعلانات
كهذه تعبر عن نقص في الفهم والعزيمة وأرسلت رسائل عكسية إلى أعداء أمريكا.
وشاهد العالم الوهم الذاتي في عهد دونالد ترامب واتفاقية
إدارته عام 2022 مع طالبان والتنازلات اللاحقة لها. وكانت الاتفاقيات بمثابة الضربة
القوية لحلفاء أمريكا الأفغان أكثر مما يمكن لطالبان تحقيقه، فقد تمت المفاوضات بدون
حضور للحكومة الأفغانية، ولم يتم التأكيد على وقف إطلاق النار وإجبار الحكومة الأفغانية
على إطلاق المعتقلين من حركة طالبان، كما وحدت من التعاون الأمني مع الأفغان وأنهت
ملاحقة طالبان وسحب الغطاء الجوي لحكومة كابول ووقف دعم المتعهدين الأمريكيين للقوات
الأفغانية.
وبالتأكيد
فإعلان الانسحاب من رؤساء أمريكا الثلاث أدى لجرأة الأعداء وزادت من تصرفات التحوط
وأكدت الفساد وأضعفت المؤسسات.
وفشلت
إدارة بايدن بالتعلم من دروس الانسحاب الفاشل من العراق عام 2011، وعودة تنظيم القاعدة
لاحقا والتي تحولت إلى تنظيم الدولة.
وظهر
أن التهديدات لا تختفي عندما تنسحب القوات وتعود إلى وطنها، بل على العكس تزداد خطورة.
وحرمت الولايات المتحدة وشركاءها بالمنطقة تنظيم الدولة من الخلافة والمكان الآمن في
سوريا والعراق لأن أمريكا احتفظت بعدد قليل من القوات لدعم المقاتلين الذين يقومون
بالعمل الأكبر.
ولدى
طالبان والقاعدة الملجأ الآمن وإمارة لأن أمريكا لم تفعل نفس الشيء في أفغانستان. ولماذا
يعتبر هذا مهما اليوم؟ لأنه لو لم تواصل الولايات المتحدة الضغط على الجماعات الإرهابية
فعليها توقع هجمات إرهابية على أراضيها. وأكثر من هذا، فلو لم تنته حالة الوهم الذاتي،
وفشل واشنطن بتحديد الأهداف موضوعيا فعلى الأمريكيين توقع هزائم ذاتية في مواجهة واشنطن
الخصوم في الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.
وفي
الحقيقة يظهر الخداع للنفس من محاولات إدارة بايدن التفاوض مع نظام راديكالي يتظاهر
بالبحث عن اتفاقية ويواصل في الوقت نفسه مواجهة أمريكا عبر وكلائه ويطور برنامجه النووي.
ففي
ذكرى 9/11 على الأمريكيين مطالبة قادتهم والمسؤولين في واشنطن لكشف الحقيقة عن أعداء
الولايات المتحدة، والفشل يعني، مزيدا من الكوارث في المستقبل.