سياسة تركية

"تساؤلات صعبة" عن تطبيع أنقرة ودمشق.. هل يتم تجاوزها؟

أنقرة تعتبر أن اللقاء بين أردوغان والأسد مازال مبكرا- جيتي
أنقرة تعتبر أن اللقاء بين أردوغان والأسد مازال مبكرا- جيتي

تثار التساؤلات حول نية تركيا تطبيع علاقتها مع النظام السوري، أسوة بحركة التطبيع التي بدأتها مؤخرا مع الاحتلال الإسرائيلي والإمارات والسعودية ومصر.

 

تقر أنقرة بأن محادثات جرت بين الاستخبارات السورية والتركية، لكن الجديد هو ما كشفه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، عن "محادثة قصيرة" أجراها مع نظيره السوري فيصل مقداد قبل أشهر في العاصمة الصربية.

 

ولا يعد هذا التصريح هو الأول من تشاووش أوغلو بالآونة الأخيرة بشأن العلاقات مع دمشق، فقد تحدث الشهر الماضي عن استعداد بلاده لتقديم الدعم السياسي للنظام السوري في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، والتنظيمات الكردية المسلحة في منطقة شمال سوريا.

 

وأثارت تصريحات الوزير التركي حفيظة المعارضة السورية، فيما شهدت بعد المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية في الشمال السوري، احتجاجات تندد بحديث تشاووش أوغلو حول "المصالحة "بين المعارضة والنظام.

 

وبعد جدل، أكد تشاووش أوغلو أن المعارضة السورية تثق ببلاده، مشددا على أن "التفاهم" شرط لإحلال السلام والاستقرار الدائمين في سوريا.

 

وأشار تشاووش أوغلو إلى أن البعض داخل سوريا وتركيا سعى لإخراج التصريحات التي أدلى بها عن سياقها، وأنهم يعلمون الجهات التي تقف وراء ذلك.


وأكد الوزير التركي أنّ التصريحات، التي أدلى بها حول سوريا سابقا، تعبّر تماما عن الجهود الحثيثة التي تبذلها تركيا لوقف الحرب في سوريا.

 

اقرأ أيضا: تشاووش أوغلو: أجريت "محادثة قصيرة" مع وزير خارجية سوريا

وبين أنّ الجهود التي بذلت من أجل حل الأزمة في سوريا كتشكيل مجموعة أصدقاء سوريا ومجموعة الدول ذات الرؤى المشتركة حول الأزمة السورية، باءت بالفشل بسبب تعنت النظام السوري وعدم إيمانه بالحل السياسي ولجوئه للحل العسكري.


وقال تشاووش أوغلو: "الحل الدائم هو الحل السياسي. نقول هذا منذ البداية. وقرار مجلس الأمن رقم 2254 يؤكد وحدة الأراضي السورية، تماما كما نؤكد في كل تصريحاتنا، نحن نولي أهمية لوحدة الأراضي السورية".


وأوضح تشاووش أوغلو أنّ تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 يستوجب "تفاهما" بين النظام والمعارضة، قائلا: "أليس كذلك؟ ما صرحت به سابقا كان هذا بالتحديد، هل قلت شيئا مختلفا؟".


وتابع الوزير التركي :" ما الهدف من تشكيل المعارضة لهيئة تفاوض؟ نحن والمعارضة دعمنا هيئة التفاوض في إطار هذا القرار (رقم 2254)".


وتساءل قائلا: "ما هدف هذه الهيئة؟ هدفها هو التفاوض مع النظام من أجل المرحلة الانتقالية وكتابة الدستور. ما أعنيه أنه لم تكن المرة الأولى التي نجمع فيها المعارضة مع النظام في هذا الإطار. ونحن ساهمنا بشكل مهم جدا في هذا. لماذا؟ لأنّ المعارضة تثق بتركيا، ونحن لم نتخلَّ عنها في منتصف الطريق أبدا".

 

وأردف؛ "إن هذا التفاهم (بين المعارضة والنظام) شرط من أجل تحقيق الاستقرار والسلام الدائمين في سوريا".

 

بهتشلي يؤيد ونائب أردوغان يقول إن العلاقات قد تصبح مباشرة

 

ورغم عدم وجود حراك ملموس تجاه تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، إلا أن التصريحات التركية في الآونة الأخيرة تزايدت، لاسيما مع كثر الحديث عن معضلة اللاجئين السوريين التي تتعمق بالبلاد ما بين خطاب عنصري ضدهم، ومساع حكومية لعودة طواعية لهم في المناطق الآمنة.

 

اقرأ أيضا: بهتشلي يشيد بدعوة تشاووش أوغلو للمصالحة في سوريا
 

وأيد زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي تصريحات تشاووش أوغلو، فيما قال حياتي يازيجي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية؛ إن العلاقات مع دمشق قد تصبح مباشرة ويمكن رفع مستواها، مشيرا إلى إمكانية لقاء أردوغان- الأسد في الفترة المقبلة.

 

ما هو الطرح التركي لحل لتسهيل عودة اللاجئين السوريين؟
 

صحيفة "Türkiye Gazetesi" كشفت مؤخرا، أن تركيا عرضت تنفيذ عمل مشترك مع روسيا وإيران والنظام السوري، ضد ما أسمته "دولة القرصنة" التابعة لمنظمة العمال الكردستاني في شرق البلاد، مشيرة إلى جهود روسي وخليجي لترتيب لقاء بين أردوغان والأسد، الذي تعتبره أنقرة مازال مبكرا.

 

وفي الكواليس التي كشفتها الصحيفة التركية، فإن أنقرة تطالب بتطوير نطاق قوانين العفو التي أعلنها بشار الأسد ليتم تنفيذها بإشراف دولي، تتضمن الإفراج عن المعارضين السياسيين، واتخاذ خطوات بشأن إلغاء القوائم الجنائية لعشرات الآلاف من السوريين، وتحديث سندات المنازل والأراضي وأماكن عمل السوريين الذين غادروا البلاد، وعودة الحقوق التي كانوا يتمتعون بها سابقا، بما في ذلك الخدمة المدنية.


وتطالب أنقرة بتعيين مناطق تجريبية لذلك في حمص وحلب ودمشق ودير الزور واللاذقية وحماة، وتحاول خلق أرضية لعودة 2.5 مليون مدني بحلول منتصف عام 2023، بعد إنشاء مساكن في جرابلس وتل أبيض وإدلب.

 

اقرأ أيضا: ما حظوظ خطة تركيا لإعادة اللاجئين السوريين "طوعا"؟

في هذه المرحلة ، يبدو أن التحفظ الوحيد هو الضعف الأمني الذي يعاني منه النظام، في حين أن هذا الوضع يمكن حله من خلال التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي بين روسيا وتركيا.

 

خبير تركي: موقف أنقرة أخلاقي لكنه خاطئ.. ويجري تصحيح المسار

 

الخبير التركي يوسف كابلان، قال؛ إن تركيا اتخذت موقفا أخلاقيا للغاية في سوريا وقطعت العلاقات مع ديكتاتور نظامه قام بذبح شعبه، رغم أن العلاقات بين الجانبين جيدة.

 

وأضاف في مقال على صحيفة "يني شفق"، أن موقف تركيا أخلاقي للغاية. وإذا كنا نعيش في عالم أخلاقي وإذا كان هذا العالم يحكمه بالفعل الحقوق والقانون والعدالة، فإن هذا الموقف التركي سيكون ذا مغزى.

 

وتابع بأن الموقف الأخلاقي لأنقرة يجب تقديره في عالم غير أخلاقي، لكنه في ذات الوقت كلف تركيا الكثير ووضعها في "فخ" بسوريا، مضيفا أن تركيا محاصرة هناك ما بين "لوردات التحالف الغربي الذي يفترض أنها عضو فيه، والولايات المتحدة ودول أوروبية وإسرائيل وروسيا".

 

اقرأ أيضا: تركيا: لن نترك السوريين تحت ظلم الأسد.. وصويلو يعلق
 

ورأى كابلان، أن السياسة الأخلاقية الخاطئة التي وضعتها تركيا بشأن سوريا جعلتها تدفع ثمنا باهظا، وكان يجب على أنقرة التراجع عن هذه السياسة التي كلفتها غاليا قبل فوات الأوان.

 

وأشار إلى أن أنقرة بدأت إعداد البنية التحتية لذلك منذ ما يقرب العامين، حيث عززت علاقتها الدبلوماسية مع النظام السوري من خلال روسيا، وجرى إعداد جدول زمني معقول يسمح بوضع العلاقات بين الجانبين في مسارها، وتم البدء بهذا التقويم علانية من الأسبوع الماضي.

 

وأدت الاجتماعات التي عقدها أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والنظام الإيراني دورا مهما في الدخول في عملية حل المأزق السوري بحسب كابلان، الذي أشار إلى أن أنقرة ترى أن المعضلة السورية بما في ذلك مشكلة اللاجئين، التي تتزايد أكثر فأكثر وتتاح لجميع أنواع الاستفزازات، قد وصلت إلى طريق مسدود، وتبحث عن سبل للخروج منها.

 

ونوه كابلان إلى أن أنقرة بدأت بالفعل مفاوضاتها الدبلوماسية، وكانت المحادثات الأخيرة مع روسيا وغيران هي اللمسات الأخيرة على العملية التي وصلت لنقطة حاسمة.

 

تساؤلات صعبة على طريق التطبيع

 

الكاتب التركي سيدات أرغين في مقال على صحيفة "حرييت"، طرح تساؤلات عن طريق التطبيع بين أنقرة ودمشق، مشيرا إلى أن قضايا صعبة للغاية ومثيرة للقلق تنتظر الجانبين.

 

وأوضح أرغين، أنه من الأفضل اتخاذ  خطوات التطبيع بين بلدين متجاورين يشتركان في حدود طولها 9111 كيلومترا ،والتواصل مباشرة من خلال الحوار بدلا من التحدث عبر أطراف ثالثة، مهما كانت المشكلات صعبة ومعقدة بينهما.

 

هل يمكن تنفيذ خارطة الطريق الخاصة بالأمم المتحدة؟

 

وتساءل الكاتب: "هل يمكن تنفيذ خارطة الطريق الخاصة بالأمم المتحدة؟"، موضحا أن أحد الشروط الرئيسية لتهيئة مناخ من السلام والصداقة بين البلدين، هو إيجاد حل سياسي شامل ودائم للأزمة في سوريا يرضي الأطراف كافة، ومع ذلك، لا يبدو أن مثل هذا الحل يلوح في الأفق في الوقت الحالي.

 

وتابع بأن خارطة الطريق لحل سياسي في سوريا تتمثل في قرارات مجلس الأمن التابعة للأمم المتحدة، ووفقا للمسار الأممي، يتم الاتفاق أولا بين الحكومة والمعارضة على دستور جديد في المفاوضات التي تجرى بإشراف الأمم المتحدة، ومن ثم إجراء "انتخابات حرة ونزيهة" في البلاد.

 

ورأى أن التنفيذ الكامل لخارطة طريق الأمم المتحدة في بيئة يوجد فيها عدد كبير من الجهات الفاعلة الخارجية ميدانيا، ليست سوى رؤية مجردة حسنة النية على ورق في هذه المرحلة.

 

وذكر أنه من الصعب القول إنه تم إحراز تقدم كبير في عملية كتابة الدستور في السنوات الثلاث الماضية، التي تتم برعاية الأمم المتحدة.

 

ما مصير الجيش الوطني السوري؟

 

أما التساؤل الآخر الذي يطرحه الكاتب أرغين، هو "ما مصير الجيش الوطني السوري؟ مشيرا إلى أن الميدان عبارة عن معادلة جيوسياسية معقدة للغاية، حيث ينشط النظام السوري وروسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران وقوات عسكرية من المعارضة المسلحة وجماعات جهادية، مثل تنظيم القاعدة ووحدات حماية الشعب الكردية الفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني، التي يشكل عمودها الفقري قوات سوريا الديمقراطية، والعديد من الجهات الفاعلة.

 

اقرأ أيضا: ما مصير الجيش الوطني السوري إذا تصالحت تركيا مع الأسد؟
 

وفي المنطقة الواقعة شرق الفرات، باستثناء منطقة عمليات "نبع السلام" التي يبلغ طولها 155 كيلومترا التي تسيطر عليها القوات المسلحة التركية، فإن هيمنة المنطقة إلى حد كبير في أيدي قوات سوريا الديمقراطية الواقعة تحت رعاية الولايات المتحدة. وتعمل إدارة كردية مستقلة بحكم الأمر الواقع في هذه المنطقة بأكملها.


وعندما ننظر إلى كامل الحدود الشمالية، فهناك قوات تركية تعمل في الممرات الأمنية التي أقامتها على الجانب السوري من الحدود مع عناصر الجيش الوطني السوري. كما أن الأراضي المتاخمة لخط الحدود التي يبلغ طولها 442 كيلومترا إلى الغرب من نهر الفرات حتى أقصى نقطة في هاتاي، هي منطقة العمليات للقوات المسلحة التركية.

 

وينشط الجيش الوطني السوري في المناطق الآمنة التي أقامتها تركيا، وتشير التقديرات إلى أن هناك قوة مسلحة قوامها 40 ألف، تعتبرها تركيا من فئة "المعارضة المعتدلة".

 

وأوضح الكاتب أنه إذا كان هناك حل نهائي لمشكلة سوريا يتفق عليه الجميع، فإن انسحاب تركيا من هذه المناطق سيكون على جدول الأعمال، ومن ثم "فإن السؤال يكمن في مصير الجيش الوطني السوري، هل سيتم دمجهم تحت قيادة هيئة الأركان العامة السورية؟".

 

ماذا سيحدث للإدارة في إدلب؟

 

تساؤل ثالث يطرحه الكاتب أرغين هو: "ماذا سيحدث للإدارة في إدلب؟"، وحتى لو فرضنا أنه تم التوصل إلى حل وسط مع التنظيمات التي توصف بأنها "ألمعارضة المعتدلة"، فإن علامة استفهام منفصلة عما سيحدث بإدلب المجاورة لهاتاي التركية، حيث تعمل حكومة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام التي يصنفها مجلس الأمن الدولي بـ"فئة إرهابية"، كما أن المنطقة ذاتها تاجد فيها مجموعات جهادية من أنحاء العالم كافة.

 

وتساءل أرغين: "هل يمكن أن يكون هناك مكان لـ"إدارة هيئة تحرير الشام" بإدلب في الرؤية الجديدة لسوريا؟".

 

ما الخيار الذي تريده أنقرة بشأن شرق الفرات؟

 

تساؤل رابع يطرحه الكاتب، هو "ما هو الخيار الذي تريده أنقرة؟"، حيث يبرز التساؤل بشأن مصير الإدارة الكردية المستقلة برعاية الولايات المتحدة في شرق الفرات.

 

وأشار الكاتب إلى أن روسيا حريصة على طرح صيغة تتمثل بحكم ذاتي محدود، تخضع للسلطة  المركزية في دمشق، وربط "قوات سوريا الديمقراطية" بالجيش السوري.

 

وأوضح أنه إذا تقدمت التطورات بهذا الاتجاه الذي تشجعه روسيا وكذلك الولايات المتحدة، فإن السؤال التالي سيكون على جدول الأعمال: "إذا كان نظام الأسد على استعداد قبول حكم ذاتي محدود للأكراد السوريين، فكيف ستنظر تركيا لهذا الدمج الذي يضم أساسا مكونات منظمة العمال الكردستاني في سوريا؟".

 

ورأى أن أنقرة لن تنظر بحرارة لهذا الخيار، وهي تفضل أن يتصالح النظام السوري والمعارضة بطريقة ما، ويتم تجاوز فكرة "الهيكل المستقل شرق الفرات"، وأن المطلوب إدارة قوية في سوريا تمنع تقسيم البلاد.

 

وتساءل الكاتب: "هل يمكن التوصل لاتفاق ثلاثي بين أنقرة ونظام الأسد والمعارضة في هذا الاتجاه؟"، مجيبا: "على المدى القصير، يبدو أن الاحتمال ليس سهلا، وفي غضون ذلك يجب مراعاة عاملي الولايات المتحدة وروسيا".

التعليقات (0)