هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت مجلة
"إيكونوميست" إن الرئيس التونسي قيس سعيد، منح نفسه هذا العام وظيفة
كبيرة، مثل بقية المشاريع التي بدأ فيها متأخرا، ولم يترك فيها المجال للمؤلفين
مثل الدستور الذي منحهم فيه مدة شهر.
وأوضحت المجلة في
تقرير ترجمته "عربي21" أن سعيد أصدر انسخة من الدستور الذي وصفته بالمشؤوم، قبل ساعات من الموعد الذي
حدده لنفسه، ليعترف بعد أسبوع بوجود أخطاء فيه. وفي 25 تموز/يوليو سيقوم التونسيون
بالحكم على مخلوقه في استفتاء، وتم تحديد الاقتراع في أثناء عطلة طويلة وسط صيف
قائظ، وهي ليست فترة يرغب فيها السكان الإصطفاف في الطوابير لكي يدلو بأصواتهم.
وسيحول الميثاق الجديد
تونس من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وبعد 12 عاما تقريبا من الثورة التي
أطاح فيها التونسيون بالديكتاتورية، نسبة صغيرة من السكان ستقرر فيما إن كانت
ستوافق على الدستور الجديد.
ويتزامن الاستفتاء مع
مرور عام قام فيه سعيد في ذلك اليوم بتعليق البرلمان الذي حله لاحقا وعزل رئيس
الوزراء وإلغاء معظم بنود الدستور. ومنذ ذلك الوقت حمل المطرقة لضرب مؤسسات تونس
الديمقراطية، حيث سيطر على هيئة الانتخابات وعزل القضاة ويحكم البلاد عبر
المراسيم، ورغم تعيينه رئيسة للوزراء إلا أن سلطاتها محدودة.
وقالت المجلة إنه لن "يكون
دستوره الجديد إلا بمثابة إضفاء صفة الرسمية على عملية الاستيلاء على السلطة، فهو
يسمح للرئيس، لا رئيس الوزراء بتعيين وعزل الوزراء والإعلان عن حالة دائمة
للطوارئ. وسيفقد النواب السلطة لمحاكمة الرئيس أمام البرلمان، إلى جانب فقدانهم
بعضا من حصانتهم. وسيكونون عرضة للمحاكمة بتهم القذف والتشهير".
وأضافت: "يحتوي
الدستور الجديد على بند حول الدين والدولة ويعطي سعيد دورا كوسيط لمشيئة الله".
ويرى الأكاديمي التونسي محمد ضياء الهمامي: "إنه تركيز بدون ضبط للسلطة في يد
الرئيس".
ولفتت المجلة إلى أن
الدستور الحالي والذي تم تمريره في عام 2014، أعد على مدى عامين ومر عبر مسودات عدة. وقام النواب المنتخبون بجولات
في أنحاء البلاد لمناقشة الدستور ومشاركة المجتمع المدني، ولم تكن العملية تامة،
لكنها منحت التونسيين رأيا في النسخة التي تم الاستفتاء عليها.
وفي هذه المرة لا يعرف
أحد بالتأكيد من كتب النص. وطلب سعيد مشاركة عامة من خلال استبيان على الإنترنت، ولم
يهتم سوى 4% من سكان تونس لملئه. وعين في 20 أيار/مايو لجنة لإعداد مسودة الدستور
ومنحها شهرا. وشجب صدوق بلعيد الذي ترأس اللجنة النسخة النهائية. وقال إن نسخة
سعيد تختلف عن تلك التي قدمتها اللجنة إليه ووصفها بـ "الخطيرة".
اقرأ أيضا: تعرف على أبرز المشاركين والمقاطعين باستفتاء سعيّد في تونس
ويبدو أن المستشارين
أو الرئيس نفسه هم من قاموا بتغيير المسودة في اللحظة الأخيرة وبطريقة غير متقنة.
ومن بين الأخطاء التي اعترف الرئيس بها في 18 تموز/يوليو أن الدستور لم يحدد طريقة
انتخاب البرلمان، مباشرة أم كما يرغب الرئيس بطريقة غير مباشرة من خلال المجالس
المحلية.
ولم يكن لدى المقترعين
في تونس سوى أربعة أسابيع قبل الاستفتاء. والمزاج العام السابق عليه كان مكبوتا،
فليس لدى سعيد حزب سياسي ولم يقم بحملات لدعم الدستور. ولم يقم معارضوه بالكثير
لكي يطلبوا من الناخبين التصويت بلا. وبدلا من ذلك دعت معظم الأحزاب بما فيها حزب
النهضة الذي كانت له حصة كبيرة في البرلمان المعطل، المواطنين التونسيين إلى مقاطعة
الاستفتاء.
ولا يحتاج التونسيون
للتشجيع كي يظلوا في بيوتهم، فمشاركتهم في الانتخابات تتراجع منذ الثورة، فمن 68%
في انتخابات عام 2014 إلى 43% في انتخابات عام 2019. ووجد استطلاع في أيار/مايو أن
نسبة 13% من المواطنين يخططون للمشاركة في الاستفتاء. ولكن لا توجد نسبة محددة
للمشاركة حتى يتم تمرير الميثاق الجديد.
ولكن مشاركة متفرقة
ستكون ضربة لسعيد الذي تراجعت شعبيته من 82% في الصيف الماضي إلى 59% في
نيسان/إبريل. وفي حالة مرر الدستور فقد يقوم بتغيير القانون الانتخابي ويلغي الكتل
الحزبية مفضلا المرشحين الأفراد بشكل يعطل عمل المعارضة.
وشددت المجلة على أن كل هذا، لن يساعد على حل مشاكل تونس العاجلة،
مثل الإقتصاد والبطالة التي وصلت إلى 16% والتضخم بنسبة 8.1% وقال المصرف المركزي
في أيار/مايو إن العجز في الميزانية سيصل إلى 9.7% هذا العام بدلا من 6.7%
المتوقعة، وهذا بسبب الدعم المكلف للطعام والوقود.
ولم تتعاف السياحة بعد
من تداعيات كوفيد. وتأمل الحكومة بالحصول على قرض 4 مليارات دولار من صندوق النقد
الدولي لكن الاتحاد التونسي العام للشغل يعارض خفض الرواتب التي تأتي مع القرض.
واستعرض الاتحاد
عضلاته في شهر حزيران/يونيو عندما أضرب لمدة يوم حيث أغلقت مؤسسات الدولة وشركاتها
ووسائل النقل. وليس لدى الرئيس الكثير لكي يقوله حول هذه الموضوعات حيث فوضها
لوزرائه مكرسا كل وقته لملاحقة أهدافه السياسية المجردة.
والمفارقة بحسب
المجلة، أن سعيد قبل وصوله إلى السلطة وصف الاستفتاءات كأداة بيد الديكتاتوريين
العرب، لمنح مظهر وجود حكومة ممثلة، وهو يستخدمها وبحماس لهذا الغرض "لمنح
مظهر من الديمقراطية، في وقت يمزق نظاما ديمقراطيا معيبا ولكنه حقيقي".