هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير أعدته كارون ديمرجيان إن الولايات المتحدة الأمريكية تكافح لمواجهة الاستفزازات الروسية والإيرانية في الشرق الأوسط، بشكل يحرف نظرها عن الصين.
وأشارت من ثكنة التنف في سوريا إلى سلسلة من المناورات العسكرية الإيرانية والروسية ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بشكل دفعت القائد الجديد للمنطقة إلى البحث عن نوع من الردع المبكر بدون أن يثير نزاعا واسعا، وهي مشكلة مزمنة اكتسبت أهمية جديدة في ظل عدم الاستقرار العالمي الناجم عن حرب موسكو في أوكرانيا.
وقالت إن الجنرال مايكل إريك كوريلا، الذي تسلم مهمة قيادة القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط هذا الربيع، التقى في حزيران/يونيو بعدد من الجنود الأمريكيين البالغ عددهم تقريبا 300 جندي إضافة إلى قوات العمليات الخاصة والمتدربين الأجانب في هذه القاعدة الواسعة، شرقي سوريا. وحدثت الزيارة بعد أيام من هجوم مقاتلات روسية على موقع عسكري تديره المعارضة السورية داخل الثكنة العسكرية. وزعم المسؤولون الروس أن انفجار عربة جرح فيه جنود في جيش الحكومة كان وراء الهجوم وأنهم أبلغوا الأمريكيين به قبل 35 دقيقة من وقوعه.
وتعلق الكاتبة أن إدارة جو بايدن تعيش لحظة استثنائية من التهديدات المعروفة، مثل تلك التي مثلتها إيران وجماعاتها الوكيلة، بطرق، غطى عليها العدوان الروسي ضد أوروبا ومحاولات الصين تحقيق الهيمنة في منطقة الباسيفيك. وفي الوقت الذي تبحث فيه الحكومة الأمريكية عن طرق لإعادة النظر في أولوياتها، فإن حلفاءها الرئيسيين في الشرق الأوسط، بمن فيهم السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل عبروا عن نفاد صبر مع إدراك تام أن اهتمام واشنطن ورأس مالها الحربي موجه لأماكن أخرى.
وتعلق الكاتبة أن هذا أعطى أهمية ماسة للتحدي الكلاسيكي: كم من التحرش الولايات المتحدة مستعدة للتسامح معه، وكيف تردع أعداءها من محاولة امتحان خطوطها الحمر؟
ونقلت الصحيفة عن رافائيل أس كوهين من مجموعة راند قوله: "السؤال الأكبر الذي يكافح صناع السياسة الأمريكيون للإجابة عليه هو أن الإماراتيين والإسرائيليين والسعوديين قد يلجأون لردع إيران بأنفسهم حالة اعتقدوا أن أمريكا ليست عازمة على ردعها".
وتضيف الصحيفة أن الهجوم الروسي على التنف لم يؤد إلى إصابة أي من الجنود الأمريكيين. وكان هذا بعض العزاء القليل لكوريلا الذي قال إن أعداء الولايات المتحدة يحاولون تأكيد هيمنتهم في المنطقة والمراهنة في نفس الوقت أن الولايات المتحدة لن تقوم برد حركي. وقال كوريلا: "سيحاولون الدفع بما يرون أنه محدودية تحملنا وإعادة بناء خطوطنا الحمر". وتدخل أحد الجنود قائلا: "نحن مستعدون للتخلي عن المقود عندما يحين الوقت"، وابتسم الجنرال قائلا: "ليس لدي أي شك".
وتقول الكاتبة إن شهر حزيران/يونيو شهد سلسلة مما وصفها القادة العسكريون الأمريكيون بـ"استفزازات" و"تصعيد" وأعمال "غير آمنة وغير حرفية" من الروس وإيران. وبالإضافة للهجوم على التنف، وثق المسؤولون الأمريكيون عددا من المحاولات التي عرض فيها الروس الطائرات العسكرية الأمريكية وهي تحلق في المجال الجوي السوري للخطر. وفشلت هذه بالإلتزام في بروتوكلات خفض التوتر التي تقضي بتقييم كل طرف للعمليات العسكرية التي قد تعرض جنود ومصالح البلدين، وليس فقط الإنذار. ولم تقدم القيادة المركزية معلومات لتقوية مزاعمها هذه.
وتأتي المواجهة مع الروس في وقت زادت فيه إيران وجماعاتها الوكيلة من الاستفزازات، بما فيها الحادث القريب في مياه الخليج عندما اقترب قارب سريع تابع للحرس الثوري الإيراني من قوارب أمريكية، واقترب 50 ياردة من إحداها.
وبحث البنتاغون في بداية العام عن طرق للرد على غارات شنتها جماعة يمنية موالية لإيران ضد القوات الأمريكية والإماراتية في جنوبي أبو ظبي. وتعتبر إيران، المناقس الأقوى للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، انشغالا للقيادة المركزية.
ويهتم كوريلا، الذي قضى الربيع متجولا في المنطقة والتقى مع نظرائه العسكريين، وهو مهتم بعملية الرد على تحركات التي لم تؤد إلى رد قوي، في إشارة لتحليل قامت به شبكة أن بي سي التي وجدت أن 29 هجوما ضد أهداف أمريكية لم تدفع المسؤولين للرد القوي. وتقع ثكنة التنف ما بين سوريا والأردن والعراق ولا تزال تحمل آثار الهجوم الإيراني في تشرين الأول/أكتوبر. والعلامات التي تركتها طائرة مسيرة لا تزال ظاهرة على بناية قرب مركز قيادة أمريكي.
ولدى الجيش الأمريكي عتاد عسكري كاف للرد على أي هجوم، فهناك عربات مصفحة ونظام صاروخي متقدم ومتحرك ويستطيع ضرب أي شيء يزحف في منطقة خفض التوتر. ومثل بقية الأرصدة الأمريكية فهي غير مستخدمة لأن تقييم الرد ومخاطر استخدامها بقوة تظل عالية. وأخبر كوريلا الجنود: "آخر شيء نريده الآن هو بدء حرب مع روسيا"، مضيفا: "سنحمي أنفسنا ولن نتردد بالرد".
وتضيف الصحيفة أن الاستفزازات الروسية أدت لتعقيد التوازنات الأمريكية التي كانت أمريكا تحمي عبرها مصالحها. ويقول ويليام ويتشسلر، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلنطي: "تعمل إيران وبشكل روتيني على فحص حدود الخطوط الأمريكية الحمر وتزحف باتجاهها"، مضيفا: "يحاولون إنشاء مجموعة من السلوكيات المقبولة تعمل لصالحهم، وقبلنا نحن هذه الهوامش من السلوكيات وعبر عدة إدارات".
وقال: "حتى تعمل الخطوط الحمر علينا التأكد من ديناميتين. الأولى هي فهم خطوطنا الحمر بدقة عالية وداخليا ثم إيصالها للخارج" أما الثانية "لو كان لديك مستوى من القوة الضاربة، فستكون لديك درجة من الغموض الإستراتيجي، وأخشى أن هذه الأيام أصبحت خلف الولايات المتحدة. فالخوف من القوة الأمريكية تلاشى خلال العشرين عاما الماضية".
ففي الشرق الأوسط تحديدا تقوم الولايات المتحدة بتخفيض وجودها بعد عقود من الحرب في العراق وأفغانستان، مما منح فرصة للأعداء لاستعراض عضلاتهم. وفي حالة روسيا، فالدافع الرئيسي للتوترات هي الحرب في أوكرانيا. فقادة الكرملين غير مرتاحين من جهود الولايات المتحدة للحد من روسيا وتسليح كييف، ويخشون من خسارة النفوذ في مناطق أخرى حول العالم.
ونسب الجنرال كوريلا، زيادة العمليات الروسية لعودة الجنرال ألكسندر تشايكو الذي عاد إلى الشرق الأوسط بعد فترة توقف فيها لقيادة القوات الروسية في أوكرانيا. وقال كوريلا: "ما لا نعرفه هو أنه كلب برسن يحاول إعادة بناء نفسه" و"ما هو سبب هذا التصرف العدواني؟".
وهناك أسئلة حول زيادة التصعيد الإيراني، المرتبط بشكل عام بالمحادثات الطويلة لإحياء الاتفاقية النووية. وحدث الهجوم في مياه الخليج بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات ضد شركة بتروكيماويات والمواجهة بين اليونان وإيران حول مصادرة ناقلات نفط. وهناك عنصر آخر في الموضوع، وهي إشارات التحول التي أبدتها إدارة بايدن، فهي لم تظهر التسامح الذي أبدته الإدارة السابقة مع روسيا ولا التشدد مع إيران. وعلى خلاف دونالد ترامب، فقد تمسك بايدن بموقف المتحدي من بوتين وأصر على مسار الدبلوماسية مع إيران، رغم أن إدارته أكدت أنها لن تتسامح مع الاستفزازات.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي: "لا شيء يتعامل معه بايدن بجدية مثل التأكد من سلامة الجنود الأمريكيين في الخارج". وقال إن بايدن عند وصوله إلى البيت الأبيض عمل على ردع الهجمات الإيرانية وجماعاتها الوكيلة، مستخدما الغارات الجوية والإكراه والدبلوماسية. و"لا يظهر كل رد، إلا أن إيران تفهم بأن الولايات المتحدة مستعدة للرد المباشر على أي تهديد ضد الجنود الأمريكيين". ورغم تردد المسؤولين الأمريكيين بالحديث عن طبيعة الخط الأحمر، إلا أن الخبراء يرون أن قتل مواطنين أمريكيين سيكون مدعاة للرد. ويرى ماثيو ماكينس، الزميل البارز في معهد دراسة الحرب: "مقتل أمريكي يقتضي ردا، تدمير مصالح أمريكية أو شركاء وحلفاء، علامة استفهام".