هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا لمراسلها ريتشارد سبنسر، تساءل فيه: "هل نسي العالم جمال خاشقجي؟"، معربا عن استغرابه من أن ما يحدث مؤخرا كأن جريمة قتله لم تحدث قط.
وأشار إلى أنه سابقا أدى اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وتقطيع أوصاله داخل القنصلية، إلى إلحاق العار بالسعودية، ونبذ دولي للسلطة الصاعدة لولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان.
ولم يلعب أحد دورا أكبر في فضح الأمير من الرئيس التركي أردوغان، الذي كان بحلول تشرين الأول/ أكتوبر 2018 على خلاف بالفعل مع السعودية وحلفائها؛ بسبب رؤاهم المتباينة لمستقبل الشرق الأوسط. لكن اليوم يبدو الأمر كما لو لم يحدث شيء على الإطلاق.
اقرأ أيضا: محمد بن سلمان يزور أنقرة.. توقيع اتفاقيات وتطبيع للعلاقات
ويتم الترحيب بولي العهد في أنقرة والقصر الرئاسي في مؤشر رئيسي على أنه يتم إعادة تأهيله، حتى من أردوغان، وفق قوله.
وبالنسبة لخطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، البالغة من العمر 40 عاما، والمحجبة التي كان وجهها إحدى الصور الثابتة لجريمة قتل تحولت إلى أزمة دبلوماسية للرياض وحلفائها الغربيين، فإن إحساسها بالخيانة واضح.
وقالت لصحيفة التايمز: "في تركيا، في البداية، اختارت الحكومة أن تكون إلى جانب العدالة في هذا النضال، لكنها غيرت مواقفها بعد ذلك".
وقالت إن الأمير عانى من "عقاب كبير"؛ لأنه بقي محتجزا فعليا في بلده، بسبب عدم رغبة قادة العالم الآخرين في مقابلته، لكن هذا الأمر آخذ في التغير. وقالت: "إنه لأمر مفجع أن أراه يزور هذا البلد".
وتعد زيارة الأمير إلى أنقرة ثالث محطة له في جولة يقوم فيها بزيارة حليفتين عربيتين أخريين، مصر والأردن. وستتوج هذه العودة المنسقة لتحالف الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة الشهر المقبل عندما يقوم الرئيس بايدن بزيارة السعودية، متنكرا لجبل من الوعود الانتخابية، لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي في جدة إلى جانب الأمير محمد.
وقبل انتخابه، وصف بايدن السعودية بأنها منبوذة، وقال إنها ستدفع الثمن في الاستثمار وشراء الأسلحة ورأس المال السياسي. في الواقع، اتضح أن الولايات المتحدة بحاجة إلى السعودية أكثر مما كانت تعتقد، لا سيما بمجرد أن أصبح تعاونها لتعزيز إمدادات النفط أمرا حيويا مع ارتفاع الأسعار بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات اللاحقة على موسكو.
وأثار هذا التحول غضب منظمات حقوق الإنسان وجماعات الشرق الأوسط في المنفى، التي يبدو أن عداءها للمملكة حظي أخيرا بالدعم السياسي مع الرد العالمي على مقتل خاشقجي.
وتمت إعادة تسمية الشارع خارج السفارة السعودية في واشنطن بـ "طريق جمال خاشقجي" الأسبوع الماضي فقط من مجلس المدينة، بدعم من السياسيين الأمريكيين.
اقرأ أيضا: ابن سلمان يغادر تركيا.. والإعلان عن "حقبة جديدة" (فيديو)
وقال عبد الله العودة، نجل الداعية الإسلامي المحتجز في السعودية بناء على أوامر من الأمير وعضو مؤسس في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، والتي أسست لتكريم ذاكرة خاشقجي: "لم تتحقق العدالة، لم يتم العثور على جثة جمال بعد.. ولا يزال سجناء الرأي، بمن فيهم والدي الذي دافع عنه خاشقجي، في السجن".
ومع ذلك، فإن الدور الذي لعبته تركيا حساس بشكل خاص بالنسبة لجنكيز، وهي مواطنة تركية كانت تخطط لبدء حياتها الزوجية مع خاشقجي، 59 عاما، في إسطنبول، حيث لا تزال تعيش.
وبفضلها تم إبلاغ السلطات التركية باختفائه. الافتراض السائد من وكالات المخابرات الغربية بأن الأمير أمر بإسكاته مباشرة ينبع من تفاصيل القتل التي قدمتها المخابرات التركية، والتي تم الحصول عليها من التنصت على القنصلية.
وكان هذا الانفتاح قرارا سياسيا للغاية من جانب أردوغان، الذي كان لديه الكثير للاستفادة من إذلال الأمير.
في ذلك الوقت، كانت سلطات أردوغان، التي فرضتها التغييرات الدستورية على مدى السنوات الخمس الماضية، في أوجها.
ولم يكن يسيطر على جهاز الدولة في تركيا فحسب، بل كان يعقد صفقات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة، واستقطاع دور أكبر في الشرق الأوسط بدعم من الرئيس الروسي بوتين.
وكان ولي العهد قد وجد في الرئيس ترامب زعيما أمريكيا، على غير المعهود، متعاطفا مع أسلوبه الخاص في القيادة الاستبدادية، وكان لديه عيب واحد فقط: افتتان واضح بالعائلة المالكة الأكثر استبدادا في السعودية.
وجعلت فضيحة السعودية من أردوغان أقوى محاور عن العالم الإسلامي السني مع واشنطن، وفي الوقت ذاته ألقى ضوءا تحذيريا على نفاق محاضرات الدول الغربية لتركيا بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان؛ نظرا لقرب تلك الدول من الأنظمة الملكية الخليجية.
الآن تغير كل ذلك. اعتمد أردوغان على تلبية المطالب الاقتصادية لناخبيه، وانهارت قدرته على القيام بذلك وسط أزمة اقتصادية ونقدية، وهو لا يحتاج فقط إلى انخفاض أسعار النفط، مثل أي شخص آخر، ولكن أيضا الاستثمار السعودي ودول الخليج، وفق ما أوردته الصحيفة.
ونقلت رويترز عن مسؤول تركي رفيع قوله: "تطبيع كامل وعودة لفترة ما قبل الأزمة.. حقبة جديدة ستبدأ". يدرك أردوغان أيضا أن صداقته مع بوتين لم تعد تبدو جيدة كما كانت من قبل.
وتم إسقاط الدعوى القضائية الخاصة بتركيا ضد الرجال الذين كشفهم التجسس على القنصلية على أنهم لعبوا دورا في مقتل خاشقجي في وقت سابق من هذا العام. وقالت جنكيز: "يبدو أن تركيا قد أغلقت هذا الملف الآن.. هذا غير مقبول، لكنه للأسف حقيقة".