من مفاخر سنة حكم الرئيس الشهيد
محمد مرسي؛ الحرية الواسعة التي تمتعت بها الصحافة
المصرية، والتي بلغت حد سب وقذف رئيس الجمهورية وأسرته وحزبه ورجاله دون أن يتعرض
صحفي واحد للحبس، ودون أن تغلق صحيفة واحدة أو قناة فضائية، وحتى الصحفي الوحيد الذي حكمت إحدى المحاكم بحبسه احتياطيا بتهمة إهانة رئيس الجمهورية لم يمض ليلته في محبسه؛ بعد أن تدخل الرئيس
مرسي شخصيا بإصدار تعديل تشريعي خاص لإلغاء الحبس في تلك التهمة، وهو القانون الذي لم يستفد منه سوى ذلك الصحفي الذي كان الأكثر نقدا وسبا وقذفا للرئيس وعائلته.
من حق رجال مرسي وأنصاره أن يفخروا بتجربته في حرية الصحافة، وأن يباهوا بها الأمم، خاصة مع التدهور المستمر في
الحريات الصحفية في مصر منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 وحتى الآن، حيث تتراجع مصر كل عام مرتبة في مؤشر حرية الصحافة العالمي حتى وصلت إلى المرتبة 168 في أحدث التقارير، نزولا من المرتبة 158 في العام 2013، كما أنها تحتل المركز الثالث عالميا في حبس الصحفيين، وتقبع في المنطقة السوداء لذلك المؤشر.
من السهل أن يختلف البعض حول ممارسات سياسية أو اقتصادية للرئيس مرسي، ولكن من الصعب أن يكون من بينها حرية
الإعلام التي حماها، وضمِن استقلالها الدستورُ الذي صدر في عهد الرئيس وبتصديقه، وصدقتها الممارسة العملية للرئيس وحكومته، كما أن ما تعرضت له الصحافة المصرية بعد ذلك ومنذ اليوم الأول للانقلاب كشف بجلاء الفارق بين الأمس واليوم.
من السهل أن يختلف البعض حول ممارسات سياسية أو اقتصادية للرئيس مرسي، ولكن من الصعب أن يكون من بينها حرية الإعلام التي حماها، وضمِن استقلالها الدستورُ الذي صدر في عهد الرئيس وبتصديقه، وصدقتها الممارسة العملية للرئيس وحكومته
ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع ونحن في رحاب الذكرى الثالثة لاستشهاد الرئيس مرسي؛ هو مقال الكاتب محمد حسن البنا، رئيس تحرير جريدة الأخبار المصرية في عهد الرئيس مرسي، والذي انقلب على ذلك العهد -الذي حقق أمنيته في رئاسة التحرير- تزلفا لعهد جديد حرمه من الكتابة سنوات قبل أن يمنحه الفرصة للكتابة مجددا لإثبات ولائه له. لم أكن أرغب في الرد احتراما لحقوق الزمالة، والعيش والملح، لكن جرأة الكاتب على قلب الحقائق دفعتني لهذا الرد.
من حيث لا يقصد أو يريد أثبت البنا في مقاله تلك الحرية الواسعة التي تميز بها عهد مرسي (الذي وصفه بالحكم الأسوأ!!) والتي سمحت له ولغيره أن ينتقد بأعلى الدرجات دون أن يتعرض لأي مساءلة، بل ظل رئيسا للتحرير بعد كل تلك الانتقادات التي تحدث عنها، وكان بعضها صحيحا، لكن أغلب ما ذكره في مقاله هو محض اختلاق تنصلا من تاريخه، ودوره السابق، والذي كنت شخصيا شاهدا عليه.
ما كتبه البنا يمثل نموذجا لافتقاد النبل، وشرف الكلمة التي هي فرقان بين نبي وبغي (إن الرجل هو الكلمة.. شرف الرجل هو الكلمة). من حق البنا أو غيره تعديل مساره، واللحاق بالعهد الجديد، لكن ليس من حقه أن يزوّر الماضي لكسب الحاضر. هذا تاريخ لم يجف مداده، ولم تنقض وقائعه، ولم يمت شهوده، حتى وإن غُيّبوا في السجون أو المنافي، لكن منهم من لا يزال قادرا على رد غيبة أشرف رئيس أنجبته مصر.
من حيث لا يقصد أو يريد أثبت البنا في مقاله تلك الحرية الواسعة التي تميز بها عهد مرسي (الذي وصفه بالحكم الأسوأ!!) والتي سمحت له ولغيره أن ينتقد بأعلى الدرجات دون أن يتعرض لأي مساءلة، بل ظل رئيسا للتحرير بعد كل تلك الانتقادات التي تحدث عنها، وكان بعضها صحيحا، لكن أغلب ما ذكره في مقاله هو محض اختلاق
لقد استخدم البنا كل مهاراته وعلاقاته مع العديد من القيادات الإخوانية خاصة النقابية (كونه محررا نقابيا ورئيس قسم النقابات المهنية في جريدته لأعوام طويلة) لينال شرف رئاسة تحرير الأخبار، حين جرت حركة تغييرات أطاحت بالقيادات الصحفية التي عينها المجلس العسكري الانتقالي، ومنها زميله الراحل ياسر رزق. تقدم البنا بطلبه مشفوعا بخبراته وبرنامجه المستقبلي كغيره من المتقدمين، وقد صعدت لجنة الاختيار اسمه ضمن ثلاثة مرشحين لرئاسة تحرير الأخبار كما فعلت مع غيره، وكان لمجلس الشورى ذي الغالبية الإخوانية حق اختيار واحد من الثلاثة، فكان هو. ولكم أن تتصوروا حجم الاتصالات التي أجراها البنا خلال تلك الفترة مع كل من يعتقد بقدرته على التأثير..
أصبح البنا رئيسا للتحرير، وكان على علاقة طيبة بالرئيس مرسي وكل رجاله، وأصبح وكيلا ثانيا للمجلس الأعلى للصحافة (كان ممدوح الولي نقيب الصحفيين الوكيل الأول)، وكان رئيسه الدكتور أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى، أي أن البنا أصبح جزءا من مؤسسة الحكم مع الرئيس مرسي، وكان البنا دائم التواصل ببعض رجال الرئيس يطلب توجيهاتهم. كما أنه منع نشر مقالات بعض زملائه وشيوخ المهنة، ومنهم جلال عارف وجمال الغيطاني وعبلة الرويني، تزلفا للإخوان الذين لم يطلبوا ذلك كما ادعى في مقاله. وللتاريخ فقد ذهبت إليه في مكتبه بحكم زمالتنا في المجلس الأعلى للصحافة، وانتقدت بشدة ذلك المنع الذي كان نقطة سوداء في ثوب أبيض، فما كان منه إلا أنه سلمني مقال أحدهم، وسألني هل تنشره لو كنت مكاني؟ وبعد قراءتئ للمقال رددت.. نعم، وأضفت أنني لم أكن لأحذف منه شيئا، فهذا موقف الكاتب، خاصة أننا أمام كتاب كبار، أصحاب مواقف معروفة، أحدهم نقيب صحفيين سابق والثاني روائي كبير.
لكل صاحب رأي أن يغير أو يعدل خياراته السياسية والفكرية، لكن ليس من حقه تجاوز الحقيقة، واختلاق أحداث يبرر بها انقلاباته، فساعتها يكون واجبا على شهود تلك الحقيقة تبيانها، وللناس أن يحكموا بعد ذلك له أو عليه
ظلت علاقة البنا طيبة مع أهل الحكم حتى أصدر المجلس الأعلى للصحافة تقريره حول الأداء المهني للصحف المصرية، الذي أعده كبار أساتذة الإعلام بجامعة القاهرة، وفوجئ البنا بأن صحيفة الأخبار لم تحتل المركز الأول في احترام المعايير المهنية، فاستشاط غضبا. وفي
الأيام الأخيرة من سنة مرسي، وبعد أن شاهد البنا العواصف المحيطة بسفينة الحكم غيّر بوصلته، كما فعل آخرون غيره، وهذه هي الفترة التي يتباهى بها الآن في مقاله وحواراته.
لكل صاحب رأي أن يغير أو يعدل خياراته السياسية والفكرية، لكن ليس من حقه تجاوز الحقيقة، واختلاق أحداث يبرر بها انقلاباته، فساعتها يكون واجبا على شهود تلك الحقيقة تبيانها، وللناس أن يحكموا بعد ذلك له أو عليه.
كلمة أخيرة
سنظل نفخر بالحريات الواسعة التي تمتعت بها الصحافة في عهد الرئيس مرسي، وسنظل نتصدى لمن ينكر تلك الحقيقة، وجاهزون دوما للحوار والمناظرة في هذا المجال مع من يشاء، وفي الوقت وبالطريقة التي يشاء، وكم كنت أتمنى أن أنشر ردي في جريدة الأخبار ذاتها، لكنني على يقين أن ذلك ضرب من الخيال، ومع ذلك فأنا مستعد للرد والحوار في نفس المكان إذا رغبت إدارة الجريدة.
twitter.com/kotbelaraby